روسيا تقرر الحسم العسكري في سوريا
أن يكرر وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري أن لا حل عسكرياً ممكناً في سوريا، لا يعني أن ما يقوله صحيحاً، خصوصاً بعدما شعرت روسيا أن أميركا ليست جدية، أو انها غير قادرة، على تقديم استسلام المعارضة السورية المسلحة.
هكذا، بعد صولات وجولات ديبلوماسية امتدت على مدة اكثر من عام، رافقتها ثرثرة أميركية لا متناهية عن "الرؤى المشتركة"، و"المحادثات الايجابية"، و"تقليص الفجوات"، تبين أن روسيا قررت ان تحسم الأمر عسكرياً في سوريا حتى تلقن العالم درساً مفاده أن ما يهم في الشؤون الدولية هو ما تقوله موسكو، لا ما تتفوه به واشنطن.
وروسيا لا يهمها كثيرا الرئيس السوري بشار الأسد او قواعدها العسكرية في طرطوس وحميميم. ما يهم الروس هو تقديم الاحداث السورية كنموذج للنظام العالمي الجديد الذي يتصوره رئيس روسيا "القوي" فلاديمير بوتين. هو عالم لا مكان فيه للضعفاء، تحدد فيه موازين القوى العلاقات، ولأن روسيا هي الاقوى، اذا هي رأس العالم.
أما هدف بوتين من استعراض عضلاته العسكرية، فضلا عن تشتيت الانتباه الروسي عن فشل الداخل، فهو دعوة الدول غير الصديقة لأميركا للانضمام الى محور عالمي بزعامته. دعوة بوتين هذه لا تقتصر على التحالفات العسكرية، فهو ما زال متمسكا بتحالف "بريكس" الاقتصادي، المؤلف من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا، ومصرّ على اقامة بنك دولي لهذه المجموعة لينافس المؤسسات الاقتصادية العالمية التي تتزعمها اميركا واوروبا.
وفي السياق نفسه جاء تباهي بوتين باستخدام قاذفاته قاعدة جوية في ايران، للايحاء ان طهران دخلت تحت عباءة منظومته الدولية، وهو ايحاء رفضته ايران فور شيوعه. وفي هذا السياق ايضا حاول بوتين استقطاب حكومة بغداد الشيعية، وتركيا، وكردستان العراقية، واسرائيل، والأردن، ومصر.
لكن مثلما تبين ان منظومة بوتين الاقتصادية هي نمر من ورق، مع دخول اقتصادات روسيا والبرازيل وجنوب افريقيا ركودا اقتصاديا مزمنا، وتعثر الصين، وتراجع الهند، وتكريس الاخيرة تحالفها مع اميركا، كذلك تبدو هيمنة بوتين عسكريا على ايران كاذبة، وصداقته مع تركيا وحلفيتها كردستان العراق سطحية، وتحالفه مع اقرب حلفاء أميركا اسرائيل والاردن ومصر وهميا.
تبقى سوريا، التي يبدو فيها النصر شبه مجاني لبوتين، ويبدو انه لا يتطلب اكثر من بضعة الاف قنبلة عنقودية ونابالم حارقة، وابادة عشرات الاف الحلبيين السوريين، والسماح لميليشيات ايران بتنفيذ رغباتها في استماتتها لانتزاع مناطق الثوار.
ويبدو النصر في سوريا شبه مجاني لبوتين، ديبلوماسياً أيضاً، بسبب قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما، منذ اليوم الاول لاندلاع الثورة السورية في العام ٢٠١١، تصنيف الأزمة السورية في خانة "مكافحة الارهاب" حصراً، وهو ما يعني انه يمكن لموسكو القيام بما يحلو لها طالما ان ما تفعله لا يتعارض مع سياسة واشنطن المخصصة لاكتساح اراضي داعش عسكريا.
على انه في اللحظة التي تبدو فيها سياسة أوباما غير مهتمة بمجريات الاحداث في سوريا، تطل علينا ادارته بحظرها اقرار ابسط القوانين المخصصة لمحاسبة الأسد ومسؤولي نظامه عن ارتكاب جرائم حرب بحق السوريين في سجونهم، في خطوة تظهر انحياز أوباما الفاضح تجاه الأسد.
أوباما لا يهتم فعليا لما يجري في سوريا، ويفضل أن تقوم روسيا بتثبيت المناطق خارج سيطرة "داعش"، وان يقوم التحالف الدولي باكتساح "داعش" وتسليمه لرئيس حكومة العراق حيدر العبادي وميليشياته الايرانية. كما يتمنى أوباما ان لا تحدث "مفاجآت" في الايام المئة الاخيرة له في الحكم، وهو ما يقتضي أكبر كمية ثرثرة من كيري بهدف اضاعة الوقت.
في هذه الاثناء، سيسجل بوتين اكتساحاً عسكرياً ضد المعارضة السورية، وسيرميه في وجه أوباما، اللامبالي، قبل خروج الاخير من الحكم. اما كيري فسيواصل ثرثرته التي تترواح بين الاشادة باتفاقية الهدنة مع روسيا ومطالبته الفارغة بفرض حظر جوي فوق مناطق المعارضة.