أوباما وسعادة المستشار وسياسة الانهيار
يوم أصرّت إدارة الرئيس باراك أوباما، على الاطاحة برئيس حكومة العراق نوري المالكي، في صيف 2014، وصل أحد المقربين من المالكي واشنطن في محاولة للاستفسار عن سبب الانزعاج الأميركي من "أبي إسراء"، فقدم أحد كبار المسؤولين الأميركيين لضيفه العراقي مقالة بقلم مدير مكتب وكالة "رويترز" في العراق ند باركر، كان كتبها قبل أن ينضم إلى الوكالة، وجاء فيها أن المالكي غالباً ما يلجأ إلى اصدار أوامره مباشرة إلى صغار الضباط في الجيش العراقي من رتبة ملازم، متجاوزاً بذلك التراتبية الإدارية والعسكرية، ومكرساً حالة شاذة في الدولة تُظهر أسلوب حكمه الملتوي وسعيه لاستزلام ضباط على حساب المؤسسة.
وعلى جاري عادتها، ترمى واشنطن القشة في عين غيرها ولا ترى الخشبة في عينها، فعندما أراد أوباما أن يتراجع عن توجيه ضربة ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد، إثر مجزرتها الكيماوية في غوطة دمشق صيف 2013، عقد الرئيس الأميركي اجتماعاً في المكتب البيضاوي للصف الثاني من مستشاريه، من أمثال نائبي مستشارة الأمن القومي توني بلينكن، وهو اليوم الرجل الثاني في الخارجية، وبن رودز، الذي مازال يعمل مسؤولاً "للاتصالات الاستراتيجية" في البيت الأبيض. ثم بعد أن قرر أوباما والمستشارون إحالة الضربة إلى الكونغرس، اتصل أوباما بوزيري خارجيته ودفاعه، بطلي حرب فيتنام وقدامى العمل السياسي في واشنطن جون كيري وتشاك هيغل، لإعلامهما بقراره المنجز.
ولأن أوباما يهمّش كبار مسؤوليه، وهم من أصحاب الخبرة في السياسة الدولية والمحلية من أمثال وزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون، ووزراء دفاعه الثلاثة السابقين روبرت غايتس وليون بانيتا وتشاك هيغل، وبطل حرب العراق دايفيد بترايوس، خرج كل هؤلاء من إدارته وكتب معظمهم مذكراتهم التي ضمّنوها هجمات لاذعة ضد أوباما وتفرده بقراراته وتهميشه لهم.
نفوذ رودز وأمثاله من الصف الثاني لدى أوباما، على حساب نائب الرئيس المخضرم جو بايدن والوزراء، كان أمراً معروفاً، فرودز، البالغ من العمر 38 عاماً والذي انضم إلى حملة أوباما الرئاسية في العام 2008 من دون أي خبرة سابقة في السياسة، هو الذي قاد وحده الديبلوماسية التي أدت إلى الانفتاح على كوبا.
لكن ما لم يكن معروفاً هو مدى الاحتقار الذي يكنه رودز، وأوباما، لا لحلفاء أميركا حول العالم فحسب، بل لأرباب السياسة الخارجية الأميركية. وهو ما كشفته مجلة "نيويورك تايمز" الأسبوعية في مقال كتبه دايفيد سامويلز، وسلط فيه الضوء على رودز وشخصيته وقربه من أوباما بشكل يختصر التراتبية الإدارية.
وظهر في المقال أن رودز يحتقر كل من عملوا في السياسة الخارجية الأميركية في الماضي، ومازالوا يعملون اليوم، وأن رودز يعتقد أنه يمكنه التلاعب بالرأي العام الأميركي كيفما يحلو له. وينقل سامويلز عن رودز قوله إن كل وسائل الإعلام الأميركية أغلقت مكاتبها حول العالم، وإنها تعد تقاريرها حول السياسة الخارجية من مكاتبها في واشنطن، وإن معظم المراسلين عمرهم لا يتعدى 27 عاماً ويمكن التلاعب بهم بسهولة.
كذلك، أظهر المقال أن رودز كان يعلم أن لا شيء قد تغير في إيران على أثر انتخاب حسن روحاني رئيساً، وأنه استخدم ذلك كوسيلة دعائية لدعم إصرار أوباما على التوصل لاتفاقية مع الإيرانيين. كما يشير المقال إلى أن أوباما طلب من وزراء دفاعه التنسيق عن كثب مع الإسرائيليين لمنعهم من توجيه ضربة لإيران، واقناعهم أن أميركا هي التي تضرب في حال اقتربت إيران من صناعة القنبلة. لكن رودز لا يعتقد أن أوباما كان سيوجه ضربة لايران حتى لو صنعت القنبلة. ما يعني أن أوباما كان يكذب على الإسرائيليين، على غرار كذبته حول الخطوط الحمراء التي وضعها للأسد، ووعوده بالقضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية"، ووعود كثيرة غيرها للحلفاء وفي وجه الخصوم.
المقالة أثارت عاصفة ردود من اليمين واليسار الأميركيين، ويرجح أنها ستستمر في إثارة أخذ ورد. لكن يجدر القول إن سامويلز من المقربين من اليمين الأميركي الذي يعادي الحكومة ويعتقد بضرورة تقييدها وممارسة الإعلام دوراً أوسع في مراقبتها، على غرار الليبرتاري المنفي في روسيا إدوارد سنودن. كما يعتقد سامويلز، بحسب إحدى اطلالاته في معهد هدسون اليميني قبل عام، أن النظام العالمي الذي شيدته أميركا إثر الحرب العالمية الثانية ينهار، وأن ذلك يشكل خطراً نووياً وجودياً على أميركا والعالم.
ويبقى السؤال: لماذا فتح اليساري رودز قلبه وأبواب مكتبه لصحافي يميني؟ الإجابة على الأرجح تكمن في محاولة رودز تعظيم دوره داخل فريق أوباما لاصطياد وظيفة مرموقة بعد خروج الإدارة من البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير 2017. بلينكن مثلاً اصطاد لنفسه وظيفة ثابتة ومرموقة في الخارجية، وكذلك فعل كثيرون ممن قفزوا من مركب الإدارة إلى وظائف اخرى. الباقون هم الأقل حظاً، وهم لذلك يسعون نحو مستقبل وظيفي أفضل، حتى لو أدى ذلك إلى كشف المستور وإظهار حقيقة أوباما وسعادة المستشار وسياسة الإنهيار الأميركية حول العالم.
وعلى جاري عادتها، ترمى واشنطن القشة في عين غيرها ولا ترى الخشبة في عينها، فعندما أراد أوباما أن يتراجع عن توجيه ضربة ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد، إثر مجزرتها الكيماوية في غوطة دمشق صيف 2013، عقد الرئيس الأميركي اجتماعاً في المكتب البيضاوي للصف الثاني من مستشاريه، من أمثال نائبي مستشارة الأمن القومي توني بلينكن، وهو اليوم الرجل الثاني في الخارجية، وبن رودز، الذي مازال يعمل مسؤولاً "للاتصالات الاستراتيجية" في البيت الأبيض. ثم بعد أن قرر أوباما والمستشارون إحالة الضربة إلى الكونغرس، اتصل أوباما بوزيري خارجيته ودفاعه، بطلي حرب فيتنام وقدامى العمل السياسي في واشنطن جون كيري وتشاك هيغل، لإعلامهما بقراره المنجز.
ولأن أوباما يهمّش كبار مسؤوليه، وهم من أصحاب الخبرة في السياسة الدولية والمحلية من أمثال وزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون، ووزراء دفاعه الثلاثة السابقين روبرت غايتس وليون بانيتا وتشاك هيغل، وبطل حرب العراق دايفيد بترايوس، خرج كل هؤلاء من إدارته وكتب معظمهم مذكراتهم التي ضمّنوها هجمات لاذعة ضد أوباما وتفرده بقراراته وتهميشه لهم.
نفوذ رودز وأمثاله من الصف الثاني لدى أوباما، على حساب نائب الرئيس المخضرم جو بايدن والوزراء، كان أمراً معروفاً، فرودز، البالغ من العمر 38 عاماً والذي انضم إلى حملة أوباما الرئاسية في العام 2008 من دون أي خبرة سابقة في السياسة، هو الذي قاد وحده الديبلوماسية التي أدت إلى الانفتاح على كوبا.
لكن ما لم يكن معروفاً هو مدى الاحتقار الذي يكنه رودز، وأوباما، لا لحلفاء أميركا حول العالم فحسب، بل لأرباب السياسة الخارجية الأميركية. وهو ما كشفته مجلة "نيويورك تايمز" الأسبوعية في مقال كتبه دايفيد سامويلز، وسلط فيه الضوء على رودز وشخصيته وقربه من أوباما بشكل يختصر التراتبية الإدارية.
وظهر في المقال أن رودز يحتقر كل من عملوا في السياسة الخارجية الأميركية في الماضي، ومازالوا يعملون اليوم، وأن رودز يعتقد أنه يمكنه التلاعب بالرأي العام الأميركي كيفما يحلو له. وينقل سامويلز عن رودز قوله إن كل وسائل الإعلام الأميركية أغلقت مكاتبها حول العالم، وإنها تعد تقاريرها حول السياسة الخارجية من مكاتبها في واشنطن، وإن معظم المراسلين عمرهم لا يتعدى 27 عاماً ويمكن التلاعب بهم بسهولة.
كذلك، أظهر المقال أن رودز كان يعلم أن لا شيء قد تغير في إيران على أثر انتخاب حسن روحاني رئيساً، وأنه استخدم ذلك كوسيلة دعائية لدعم إصرار أوباما على التوصل لاتفاقية مع الإيرانيين. كما يشير المقال إلى أن أوباما طلب من وزراء دفاعه التنسيق عن كثب مع الإسرائيليين لمنعهم من توجيه ضربة لإيران، واقناعهم أن أميركا هي التي تضرب في حال اقتربت إيران من صناعة القنبلة. لكن رودز لا يعتقد أن أوباما كان سيوجه ضربة لايران حتى لو صنعت القنبلة. ما يعني أن أوباما كان يكذب على الإسرائيليين، على غرار كذبته حول الخطوط الحمراء التي وضعها للأسد، ووعوده بالقضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية"، ووعود كثيرة غيرها للحلفاء وفي وجه الخصوم.
المقالة أثارت عاصفة ردود من اليمين واليسار الأميركيين، ويرجح أنها ستستمر في إثارة أخذ ورد. لكن يجدر القول إن سامويلز من المقربين من اليمين الأميركي الذي يعادي الحكومة ويعتقد بضرورة تقييدها وممارسة الإعلام دوراً أوسع في مراقبتها، على غرار الليبرتاري المنفي في روسيا إدوارد سنودن. كما يعتقد سامويلز، بحسب إحدى اطلالاته في معهد هدسون اليميني قبل عام، أن النظام العالمي الذي شيدته أميركا إثر الحرب العالمية الثانية ينهار، وأن ذلك يشكل خطراً نووياً وجودياً على أميركا والعالم.
ويبقى السؤال: لماذا فتح اليساري رودز قلبه وأبواب مكتبه لصحافي يميني؟ الإجابة على الأرجح تكمن في محاولة رودز تعظيم دوره داخل فريق أوباما لاصطياد وظيفة مرموقة بعد خروج الإدارة من البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير 2017. بلينكن مثلاً اصطاد لنفسه وظيفة ثابتة ومرموقة في الخارجية، وكذلك فعل كثيرون ممن قفزوا من مركب الإدارة إلى وظائف اخرى. الباقون هم الأقل حظاً، وهم لذلك يسعون نحو مستقبل وظيفي أفضل، حتى لو أدى ذلك إلى كشف المستور وإظهار حقيقة أوباما وسعادة المستشار وسياسة الإنهيار الأميركية حول العالم.