السيسي القليل الذكاء..مذعوراً
ينقل المسؤولون الاميركيون عن نظرائهم الاسرائيليين، أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عقد اكثر من عشرة لقاءات مع كبار مسؤولي الاستخبارات الاسرائيليين في الاشهر الستة الاخيرة، وأن البند الوحيد على جدول اعمال هذه اللقاءات كان "هوس السيسي بأمنه الخاص، وخشيته من قيام خصومه بتدبير عملية اغتيال ضده".
ويقول الاسرائيليون، بحسب الاميركيين، إن السيسي هو من اكثر الرؤساء تعاوناً مع تل ابيب في الامور الامنية المختلفة، وأنه "يتصور اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية على انها اكثر سلطات امنية في الشرق الاوسط قادرة على استشراف عمليات اغتيال ضده". لكن الاميركيين لا يعتقدون ان الاسرائيليين، على الرغم من امكانياتهم، يتمتعون بالمقدرة التي يتصورها السيسي.
ويرى الاميركيون أن "السيسي اصيب بهوس لناحية أمنه الشخصي، وهو عارض يصيب عادة الجنرالات ممن ينفردون بالسلطة بممارستهم قمعاً دموياً". لكن يبدو أن هذا الهوس اصاب السيسي في وقت مبكر من حكمه.
وتحولت محدودية موهبة السيسي في الحكم الى مصدر تهكم في دوائر الحكم الاميركية، ونقل في هذا السياق الكاتب في مجلة "اتلانتيك" والمقرب من الادارة الاميركية جيفري غولدبرغ، عن الرئيس باراك أوباما، اعتقاده ان السيسي يحكم "بقوة مثل مبارك، لكنه اقل ذكاء وأكثر دموية".
وكانت السلطات المصرية اعلنت، الاحد الماضي، بدء التحقيق حول تمويل اربع جمعيات مجتمع مدني أميركية تعمل في مصر. وهذه الجمعيات الاميركية هي التي قررت ان "تماشي" السيسي بوقفها أي عملية انتقاد الى الحكومة المصرية، بعدما قامت الاخيرة بترحيل عدد من الجمعيات الاميركية في الماضي، واعتقلت عاملين فيها لبعض الوقت.
وأدت عملية اعتقال السلطات المصرية لعاملين في الجمعيات الاميركية الى قيام معظمها بإقفال ابوابها في القاهرة، مثل "مركز كارتر" المرموق لمراقبة نزاهة الانتخابات. الا ان عدداً من الجمعيات الاميركية قررت وقف انتقاداتها والبقاء في مصر، ربما لأن التمويل الحكومي الاميركي لبرامجها استمر (وصار ينقسم على عدد جمعيات أقل ما يمنح كل جمعية اموالا اكثر).
لكن على الرغم من عملية "المماشاة" التي أبدتها الجمعيات الاميركية الباقية في مصر، قام السيسي بتوجيه الاتهامات إليها، وهو ما سيؤدي إلى رحيلها بالكامل.
وعلّق الخبير الاميركي المتخصص بالشؤون المصرية اريك تراغر على القرار المصري بالقول إنه "باستهداف جمعيات اميركية ممن يتمتع قادتها باحترام كبير في واشنطن وعواصم غربية اخرى، تكون القاهرة قامت فعليا بخلق لوبي ضد نفسها في الخارج، حيث تواجه انتقادات اصلا بسبب سجلها المزري في حقوق الانسان".
ولم يمر يومان على تعليق تراغر حتى دعت أكبر صحيفة أميركية الى "إعادة النظر بعلاقة الولايات المتحدة مع مصر". وكتبت "نيويورك تايمز" أن المسؤولين الأميركيين ممن حذروا من مغبة كسر العلاقة مع مصر برروا ذلك بأهمية التعاون العسكري والمصري معها. "لكن الوقت حان"، حسب الصحيفة، "لتحدي هذه المقولة، فسياسة الارض المحروقة التي تنتهجها مصر في حربها ضد المتشددين في سيناء، والقمع الخانق، قد يخلقان متطرفين اكثر من الذين تنجح الحكومة في تحييدهم".
ونقلت الصحيفة عن مساعدة وزيرة الخارجية السابقة تامارا ويتس كوفمان، المرشحة للعب أدوار رفيعة في حال فوز المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون بالرئاسة، قولها "نحن بحاجة ماسة الى اعادة تفكير استراتيجية حول من هم شركاء اميركا وعماد الاستقرار في الشرق الاوسط".
وكانت كوفمان من بين ١٢ من المسؤولين السابقين والخبراء في الشؤون المصرية ممن وقعوا على عريضة وجهوها الى الرئيس اوباما، وطالبوه فيها بتغيير موقفه من مصر، وذكروه بتصريح أدلى به في سبتمبر/أيلول ٢٠١٤، قال فيه إن "دعم اميركا للمجتمع المدني هو امر يتعلق بالأمن القومي" للولايات المتحدة.
اذاً، نجح السيسي في إثارة زوبعة ضده في واشنطن. صحيح أن أوباما يحاول الخروج من البيت الابيض في الاشهر المقبلة من دون القيام بأي تغييرات من شأنها ان تنتج مفاجآت قبل خروجه من الحكم، الا ان العداء الذي يثيره السيسي ضد حكمه قد يؤثر في صياغة الرؤية الاميركية تجاهه في الادارة المقبلة.
لماذا يقوم السيسي بما يقوم به؟ تنعدم الاجابات في العاصمة الاميركية ويبقى التفسير الوحيد ان الرجل الذي صار مهووساً بأمنه الشخصي، يبدو أن ارتباكه وابتعاده عن الواقع طال كيفية ادارة علاقته مع دول العالم الاخرى، وكثير من هذه الدول لن تستمر في "مماشاته" إلى ما لا نهاية.