كيري يتوعد المعارضة السورية بجحيم روسي
يقول المثل "مع اصدقاء كهؤلاء من يحتاج اعداء؟" وهو ما يبدو انه لسان حال المعارضة السورية، التي تجد نفسها بين مطرقة جحيم المقاتلات الروسية وسندان الضغوط التي تمارسها عليها الأمم المتحدة وعواصم حليفة، مثل واشنطن، لاجبارها على الاذعان لمطالب الرئيس السوري بشار الأسد والاستسلام.
الخميس الماضي، عقد وزير الخارجية جون كيري لقاء مع ناشطين سوريين، منهم عمّال اغاثة انسانية، على هامش "مؤتمر لندن لدعم اللاجئين السوريين". وينقل الصديق أسعد العشّي، الذي كان ممن شاركوا في المؤتمر، أن كيري قال للناشطين السوريين إن "الاسوأ من القصف الروسي لم يأتِ بعد". وإن على السوريين أن يتوقعوا "ثلاثة أشهر اضافية من الجحيم".
ويتابع المعارضون أن كيري قال إن تحالف روسيا وايران والأسد سينجح في اقتلاع المعارضة في الاشهر الثلاثة المقبلة، وإن الوزير الاميركي "حمّل المعارضة السورية المسؤولية الاساسية في انهيار مفاوضات جنيف"، التي بدأت قبل اسبوعين وتمّ تعليقها حتى الخامس والعشرين من الشهر الحالي.
تصريحات كيري تؤكد ما سبق للمعارضة السورية أن نقلته عن لسانه، ونفاه المسؤول الاميركي والعاملون في الخارجية الأميركية، لناحية تهدديه "الهيئة العليا للمفاوضات" بالويل والثبور في حال تخلفت عن المشاركة في محادثات جنيف. ويبدو أن كيري حاول تحذير المعارضين السوريين من الهلاك، بدلاً من تقوية موقفهم والوعد بدعمهم، في حال قرروا التصدي للحملة العسكرية الروسية.
للوهلة الأولى، قد يبدو كيري صديقاً للمعارضين السوريين على شكل "محلل سياسي" يستشرف الامور ويحذّر المعارضين السوريين من مغبة قراراتهم. لكن كيري هو وزير خارجية قوة عظمى سبق أن دعت الأسد للتنحي، ورسمت له خطوطاً حمراء، وانتزعت ترسانته الكيماوية بعد مجزرة غوطة دمشق صيف ٢٠١٢، ودخلت في اتفاقيات مع الروس حول شكل التسوية السياسية المطلوبة في سوريا.
أما الآن، فيطلّ كيري على السوريين ليحملهم مسؤولية عدم المشاركة في محادثات شكلية يتخذها الروس والأسد حجة لتمرير الوقت، إلى أن يستتب لهم الحسم العسكري ضد الثوار.
ومحاولات كيري تهديد المعارضين السوريين بالهلاك، ما لم يستسلموا، تتكامل مع سعي مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا لعزل دموية الروس والأسد عن الحل السياسي، إذ يسعى دي ميستورا الى تخفيف الخسائر البشرية ورفع معاناة السوريين، الذين يواجهون الحملة العسكرية الروسية، عن طريق فك ارتباط معاناة السوريين ببقاء الأسد بالحكم. واذا ما نجح في مساعيه، يتم امتصاص النقمة السورية والعالمية ضد دموية روسيا والأسد، وتحويل دمار سوريا من كونه مسؤولية روسيا والأسد الى كونه نتيجة خلاف سياسي هامشي حول السلطة.
إذاً، كيري يهدد، ودي ميستورا يمهد، والاثنان يقدمان الوقت الكافي للروس والأسد لاعتماد "الحل الشيشاني"، أي دكّ المحافظات السورية عن بكرة أبيها وتدميرها بالكامل، وحكم سوريا "بمن تبقى"، وهذه جريمة لا يتحمل مسؤوليتها تحالف روسيا وايران والأسد وحده، بل يتحمل مسؤوليتها كذلك الولايات المتحدة، التي وعدت الثوار ولم تف، والأمم المتحدة، التي تجعل من واحدة من اكبر مجازر التاريخ الحديث تبدو وكأنها خلاف سياسي بسيط.
في المخيلة الاميركية ان احدى أبرز أسباب الثورة في ايران، وغضب الايرانيين ضد أميركا، وتردادهم هتاف "الموت لأمريكا"، ينبع من نقمة الشعب الايراني على مساهمة واشنطن في دعم لندن، التي هندست الانقلاب على رئيس الحكومة الايرانية المنتخب محمد مصدق في الخمسينات، والسماح بعود نظام الشاه الذي كان مكروها، وهو تفسير للكراهية الايرانية لاميركا سعى الايرانيون الى تكريسه الى حد انه صار يملي تصرفات واشنطن النادمة، تجاه طهران، على مدى العقد الماضي.
لكن يبدو أن الايرانيين لن يكونوا الشعب الوحيد في الشرق الاوسط الذي يهتف "الموت لامريكا" بسبب تجاهلها رغباته وتمسكها بحاكمه الظالم. يوماً ما، إذا ما بدأ السوريون بترداد ذلك الهتاف، على الأميركيين أن يتذكروا دائماً أن رئيسهم باراك أوباما هو الذي ساهم في خلق جيل سوري يكره أميركا ويدعو لها بالموت.