لا مضادات نوعية للمعارضة السورية
عمدت بعض الجهات المعنية بالوضع السوري، ربما بهدف إخافة الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه في روسيا وايران، إلى تسريب انباء مفادها ان المعارضة السورية في الشمال هي في طريقها لتسلم كميات من الأسلحة النوعية، بما في ذلك صواريخ محمولة على الكتف مضادة للطائرات، ربما من نوع "ستينغر" الاميركية أو "سام" الروسية.
وذهب المسؤولون عن تسريب هذه الانباء الى ابلاغ بعض وسائل الاعلام أن ثوار سوريا في الشمال استلموا دفعات من صواريخ غراد، مع أن هذه الصواريخ ليست نوعية ابداً، بل هي بدائية ومتوفرة في السوق السوداء، التي تشتري منها الفصائل المسلحة، المعارضة للأسد والموالية له، غالبية أسلحتها وذخيرتها.
لكن من يعرف واشنطن يعلم على وجه التأكيد أن معارضي سوريا لن يتسلموا اي اسلحة مضادة للطائرات للحد من شراسة الغارات التي تشنها مقاتلات روسيا والأسد. أما سبب المعارضة الأميركية، والغربية عموماً، لتسليح الثوار بمضادات الطائرات، فسببها أن السماء السورية تعج بمقاتلات دول العالم المنخرطة في التحالف الدولي للقضاء على تنظيم "الدولة الاسلامية".
لذا، من شبه المستحيل ان توافق واشنطن، والعواصم المتحالفة معها، على تزويد معارضي سوريا بمضادات يمكنها ان تهدد مقاتلات روسيا والأسد، وفي الوقت نفسه تهدد مقاتلات اميركا والتحالف الدولي. هذا من الناحية التقنية والعسكرية. أما من الناحية السياسية، فصار من المؤكد أن خطة أوباما الوحيدة في سوريا هي إضاعة الوقت حتى يوم خروجه من البيت الابيض في ٢٠ كانون الثاني/يناير المقبل. هذا العجز الذي يفرضه أوباما على نفسه، والذي سمح للروس بالتمادي على الاميركيين الى حد يكاد يقارب الشتيمة العلنية، كان واضحاً عندما بدا أن أكبر ما في جعبة الادارة الاميركية للرد على مجازر روسيا وايران والأسد في حلب، والتي فطرت قلب الرئيس المسكين باراك أوباما على حد قوله، هو التلويح بتعليق التعاون الأميركي العسكري مع روسيا في سوريا، وهو تعاون لم يبدأ أصلاً.
ولأن الروس يدركون أنه قد لا تأتيهم ايام تظهر فيها اميركا، ومعها الغرب، تراخيا تجاه المجازر التي ترتكبها موسكو وطهران والأسد في سوريا كالتراخي الذي تظهره في الايام الاخيرة من حكم أوباما، فهم سارعوا الى تدمير أكبر مساحات سورية ممكنة وتحويلها الى انقاض على رؤوس من فيها.
والارجح ان منع المضادات التي يمكنها تهديد المقاتلات في السماء السورية سيمتد الى ما بعد حكم أوباما، حتى لو خلفته المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، وهي المحسوبة من الصقور في السياسة الخارجية.
كلينتون ستستمر، على الارجح، بحظر المضادات النوعية عن المعارضين السوريين، لكنها ستقوم بفرض منطقة آمنة، وهذه خطة، حسب الخبراء الاميركيين، سهلة تكتيكياً، وتتطلب فقط توفر الارادة السياسية الاميركية، نظرا لأن الاوروبيين يوافقون منذ زمن على هذا السيناريو، الذي يعتقدون ان من شأنه وقف تدفق اللاجئين السوريين الى الغرب.
ويقول الخبراء العسكريون أنه يمكن للبحرية الأميركية ضرب دفاعات الأسد الجوية، والأسراب الثلاثة لمقاتلاته، وحفنة مروحياته، وتعطيل المدرجين اللتين تطير منهما المقاتلات، كل ذلك بهجوم واحد متزامن بالصواريخ، تشنه سفن الاسطول السادس المتواجدة في المتوسط، والتي تتوزع على موانئ ايطاليا واليونان وقبرص والبرتغال.
بعد تعطيل سلاح الأسد الجوي، يمكن للقوات الأميركية وحليفتها التركية دفع بطاريات صواريخ باتريوت الى داخل الاراضي السورية لتشكيل مظلة جوية تمنع المقاتلات الروسية من اختراقها. طبعاً يعتقد الجنرالات الأميركيون أن خطوة من هذا النوع تتزامن مع إبلاغ موسكو، بغض النظر عن موافقتها أو عدمها.
إذاً، تعديل كفة الحرب السورية بتحييد القوة الجوية التابعة للأسد وروسيا وايران يأتي عبر تدخل مباشر يرجح ان الرئيس الاميركي المقبل سيأمر به، لكنه لن يأتي خلسة عبر تزويد المعارضين السوريين بأي سلاح قادر على الوقوف في وجه الغارات المدمرة.
وتعديل كفة الحرب السورية لا يعني نية أميركا الاطاحة بالأسد، بل تغيير موازين القوى بشكل يجعل المنفذ الوحيد أمامه هو، إما التسوية مع معارضيه، أو تثبيت خطوط الانقسام معهم، وهي الخطوط التي يسابق الاسد وروسيا وايران الزمن من أجل تعديلها لمصلحتهم، قدر الامكان، قبل أن تدخل اميركا والعالم في عهد جديد، وقبل أن تتبنى واشنطن سياسات خارجية جديدة.