أميركا تتصدى لتسليح روسيا للأسد ببيان
وأخيرا استفاقت أميركا على الدور المزدوج الذي تلعبه دول، تعتقدها الولايات المتحدة شريكة في محاولة التوصل الى تسوية سلمية للأزمة السورية. فبعدما تأكدت تقارير أظهرت تورط روسيا العسكري المباشر في تسليح قوات الرئيس السوري بشار الأسد، وتزويدها بمستشارين عسكريين، اتصل وزير الخارجية الأميركية جون كيري، بنظيره الروسي سيرغي لافروف، حسب بيان صادر عن الخارجية الأميركية، "وجعل من الواضح انه يمكن لهذه الأفعال ان تؤدي الى تصعيد الصراع".
بيانات الحكومة الأميركية لا تصدر عادة في عطلة نهاية الأسبوع، الا إذا كان الموضوع عاجلاً ولا يحتمل التأجيل. وواشنطن، في الأيام القليلة الماضية، كانت في سبات عطلة أسبوع طويلة أكثر من العادة بسبب عطلة "عيد العمل" يوم الاثنين.
هكذا، سارع المتابعون الى تلقف بيان الخارجية الاميركية، الذي بدا طارئاً، وراحوا يقرأون سطوره التي بدأت بعبارة "جعل من الواضح"، وهي عبارة تستخدمها واشنطن عادة في إطار ممارسة ضغوط جدية على الدول تقارب حد توجيه الإنذار العسكري. لكن بعد ان جعل كيري في اتصاله مع لافروف "من الواضح"، اتضح ان التحذير الأميركي للروس لم يرتبط بأية عواقب، بل هو ارتبط بتحليل سياسي قدمه الوزير الأميركي لنظيره الروسي من مغبة تسليح الروس للأسد.
وجاء في البيان أن كيري اتصل بلافروف "لمناقشة سوريا، بما في ذلك القلق حول تقارير تقترح تعزيزات عسكرية روسية هناك". وتابع البيان ان "الوزير (كيري) جعل من الواضح انه ان كانت هكذا تقارير صحيحة، يمكن لهذه الاعمال ان تؤدي الى تصعيد الصراع، وتؤدي الى خسارة المزيد من الأرواح البريئة، وتزيد من تدفق اللاجئين وتخاطر بمواجهة مع التحالف الدولي ضد داعش الذي يعمل في سوريا". وتابع الاميركيون تحذيراتهم المزعومة للروس، فختم البيان ان كيري ولافروف "اتفقا على إكمال نقاشهما حول الصراع السوري في نيويورك"، في وقت لاحق من هذا الشهر، اي على هامش اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
إذاً، على الرغم من اعتقاد واشنطن ان التورط العسكري الروسي الى جانب الأسد يؤدي الى تفاقم الصراع وتزايد اعداد القتلى واللاجئين، الا ان عواقب التصعيد الروسي سيكون اكمال واشنطن حوارها مع موسكو في نيويورك في الخامس والعشرين من الشهر الحالي. أما توقيت البيان، الذي جاء في عطلة نهاية الأسبوع، ففي الغالب سببه سماع الاميركيين من ضيوفهم السعوديين، الذين زاروا العاصمة الأميركية برئاسة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، اعتراضاً مفاده ان واشنطن تمنع تسليح ثوار سوريا لتفادي التصعيد ودفع الأطراف الى الحوار وتسوية سلمية، ولكن في نفس الوقت يقوم شركاء واشنطن في التسوية السلمية، أي روسيا، بتسليح قوات الأسد وتطوير إمكاناتها.
وبعدما أجاب الاميركيون السعوديين أن سبب زيادة التورط الروسي مع الأسد هو خوف موسكو من ان تؤدي الاتفاقية مع إيران والتقارب الأميركي – الإيراني الى الإطاحة بالأسد، وتالياً انهيار نفوذ روسيا في سوريا، تنبه الاميركيون الى ان تطميناتهم تعني نيتهم التوصل الى تسوية حول سوريا مع إيران، فتراجعوا بعض الشيء عن تحليلاتهم، ووعدوا بممارسة فورية للضغوط على روسيا لوقف عملية التسليح المتسارعة التي تقوم بها للأسد.
هكذا اتصل كيري بلافروف، وكان تهديد واشنطن لموسكو بأن عواقب تسليحها الأسد ستكون بياناً، وليس أي بيان، بل بيان "عديم الاسنان" كالذي صدر عن الخارجية، وهو ما ذكّر كثيرين من المتابعين بالمثل المعروف: "تمخّض الجبل فولد فأراً".
ويعزو المراقبون الضعف الأميركي، خصوصاً في الأزمة السورية وفي التعامل مع موسكو، الى التردد الذي اظهره الرئيس باراك أوباما حينما بدا مرتبكاً، بعدما ركن سفن أميركا الحربية قرب الشواطئ السورية لتوجبه ضربة عسكرية للأسد في سبتمبر/أيلول 2013، على إثر مجزرة الغوطة الكيماوية، ثم تراجع عن الضربة. في أداء أوباما، وقتذاك، قام الروس "بأخذ قياس أوباما"، حسب التعبير الأميركي السائد. يومها، يعتقد الخبراء، وجد الروس انه في الموضوع السوري، لا نية لدى أوباما أكثر من الثرثرة، وبيان الخارجية حول اتصال كيري بلافروف لم يخل من هذه الثرثرة المعتادة.