روحاني يهرب من نيويورك
روحاني وصل الولايات المتحدة الخميس الماضي، يوم وقوع حادثة الحجيج، ليشارك في اللقاء السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة. وأعطى الرئيس الإيراني نفسه مهلة ثلاثة أيام سابقة لموعد القائه خطابه صباح الاثنين، فاستقبل في جناح الجمهورية الإسلامية مجموعة من رؤساء العالم المتهافتين على السوق الإيرانية، وعقد سلسلة من اللقاءات مع اللوبي الإيراني-الأميركي، ومع أميركيين ممن يتسابقون كذلك على الفوز بجوائز ترضية مع انفتاح العالم على إيران.
غداء بعد غداء، وعشاء بعد عشاء، مرّت أربعة أيام ولم يبدُ أن القلق ساد روحاني، أو فريقه، بسب وقوع حادثة مكة.
ثم أعطى روحاني سلسلة من اللقاءات مع كبرى الوسائل الإعلامية، واستخدم المنابر الأميركية لشن هجوم ضد الحرب العربية في اليمن، ووصف كل المعارضين السوريين بالإرهابيين من صنف "نصف بشر أو لا بشر". ثم كلل الرئيس الإيراني رحلته الى أميركا بخطاب امام الجمعية العامة أشاد به بانتصار إيران الديبلوماسي في الاتفاقية النووية، وأشار فيه الى ان لا حل في سوريا غير بقاء بشار الأسد رئيساً.
على أن اعلان روحاني قطعه زيارته، وإلغاء عدد من الارتباطات السابقة له في نيويورك، لم يكن مبرراً بما فيه الكفاية. لكن موعد مغادرة الرئيس الإيراني – فور فراغه من القاء خطابه صباحاً وقبل موعد الغذاء – قد يشير الى سبب رحيله على عجل.
في كلّ عام، وفي اليوم الأول من افتتاح اعمال الجمعية، يستضيف الأمين العام وليمة غداء تقليدية يدعو إليها زعماء الدول المشاركة. الرئيس الأميركي غالبا ما يتغيب، ولكن في الأعوام الثلاثة الأخيرة، عمد الرئيس باراك أوباما على الحضور علّه يصادف رؤساء ممن يحاول مصافحتهم مثل روحاني.
هذا العام، اتجهت الأنظار الى وليمة الأمين العام، وتوقع الخبراء مصافحة، وان عابرة، بين روحاني وأوباما، خصوصاً بعدما تم التوصل الى الاتفاقية النووية. وتحدثت أوساط واشنطن عن اتصالات أجرتها الحكومة الأميركية مع إيرانيين، مباشرة وبالواسطة، لتنظيم "مصافحة عفوية" بين الرئيسين. وسمع الاميركيون من الإيرانيين "موافقة من حيث المبدأ"، إذ إن "إيران ليست على عداء مع أحد".
لكن عندما اقترب موعد المصافحة، تحجج روحاني بـ"أزمة الحجيج" ورحل. أما دور روحاني في التعامل مع أزمة الحجيج فغير مفهوم، فالحادثة وقعت، ولا اعمال متابعة مطلوبة، مثل في حالات الكوارث الطبيعية. على أن روحاني يبدو انه كان يحتاج الى أي عذر ممكن للرحيل، من دون ان يبدو وكأنه غير قادر على مصافحة يخشى قدوم موعدها منذ يوم توليه الرئاسة وخوضه المفاوضات النووية.
غير فراره من مصافحة أوباما، يبدو ان هروب الرئيس الإيراني من نيويورك جاء أيضاً بسبب الأضواء المسلطة على روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، خصوصاً لناحية المحادثات المتسارعة لمعالجة الأزمة السورية المندلعة منذ العام 2011. روحاني التقى بوتين، لكن لقاء الأخير مع أوباما هو الذي سرق الأضواء، وبدا الإيرانيون هامشيين في أزمة لطالما اعتبروها جزء من مصالحهم الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، او منطقة "الخليج الفارسي الأكبر" حسبما يحلو لوزير الخارجية الإيرانية جواد ظريف تسميتها.
فجأة تبددت أسطورة روحاني والتغيير المزعوم في إيران: لا روحاني يرغب في مصافحة أوباما، ولا إيران لاعب ذو وزن في سوريا عندما يبدأ الكبار، أي أميركا وروسيا، في الحوار.
فجأة انكشف الوجه الحقيقي لظاهرة روحاني كرئيس انفتاحي معتدل. روحاني يعرف محدودية صلاحياته وقدراته. مهمته هي اسباغ وجه لطيف على نظام متشدد. لذا يزور روحاني نيويورك سنوياً، يبتسم في لقاءات الكواليس مع أصدقاء اميركيين، يتوعد خصوم إيران في العلن على منبر الأمم المتحدة، ويهم بالرحيل عندما يبدأ الجد خوفاً من مصافحة أوباما، أو بدء الحديث حول سوريا وهو في جناح فندقه، لأن أحداً لم يوجه دعوة اليه للمشاركة في حوار سوري يسيطر عليه بوتين.
لو لم تقع حادثة مقتل الحجيج في مكة، لكان روحاني قطع زيارته على كل حال، ولكن وجد حججاً كثيرة غير الحجيج.