الخوف من انهيار الأسد
على الرغم من إصرار الرئيس باراك أوباما على دعوة الاميركيين الى الحكم على الاتفاقية مع إيران بناء على نتائجها النووية حصراً، إلا أنه يندر أن أعطى أوباما مقابلة، أو تحدث في مؤتمر صحافي حول الاتفاقية، من دون أن يستطرد هو إلى الشؤون الشرق اوسطية الأخرى كلها.
أوباما قال إنه يأمل في أن تؤدي الاتفاقية الى تحويل متطرفي ايران الى معتدلين، والى ان يؤدي رفع العقوبات الى اعادة شبك طهران واقتصادها بالعالم، ما من شأنه أن يدفعها الى تبني سياسات أكثر مسؤولية اقليمياً. وتابع أوباما أنه يتوقع أن تفتح المحادثات النووية الباب أمام محادثات غير نووية مع طهران، خصوصاً في الشأن السوري.
كذلك اعتبر أوباما ان أولى بوادر الانعكاسات الايجابية للاتفاقية النووية مع ايران تتمثل بمبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى الاتصال بواشنطن، ومفاتحة نظيره الأميركي في الموضوع السوري، للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة في العام ٢٠١١. وقال أوباما إنه يبدو أن بوتين قلق من اهتزاز الرئيس السوري بشار الأسد وقواته وامكانية انهياره، وهو ما حدا ببوتين الى محاولة تجديد الاتصال مع أميركا للدفع باتجاه تسوية سلمية تنقذ الأسد من المأزق، الذي صار أقرب حلفائه كبوتين يعتقدون انه محتم.
طبعاً أقوال أوباما هي مزيج من التناقضات التي تخفي السياسة الفعلية لادارته. فأوباما، وعلى الرغم من تكراره الممل ان لا مستقبل للأسد في سوريا، الا انه يعتقد بضرورة الحفاظ على الأسد ونظامه الى ان يتم التوصل لاتفاقية بين الرئيس السوري ومعارضيه. ويبدو أن تصور أوباما للاتفاقية هو غير واقعي على الاطلاق، ويقضي بأن يقوم الأسد بتسليم من يخلفه مفاتيح قصر المهاجرين قبل رحيله.
بوتين يعلم أن أوباما يرغب في بقاء الأسد، لذا اتصل به لتحذيره من إمكان انهيار قوات الرئيس السوري وحلفائه ووصول قوات المعارضة الى دمشق واستيلائها عليها. وكنا أشرنا في "المدن" قبل اسابيع الى ان واشنطن مارست ضغطاً هائلاً على حلفائها الاقليميين لوقف "هجوم الجنوب" الذي شنه الثوار ضد الأسد. ورفضت واشنطن السماح للثوار بوصل صفوفهم في الجنوب مع القوات المعارضة المتمركزة في ضواحي دمشق. وقامت ادارة أوباما لهذا الغرض بالايعاز الى بعض حلفائها باقفال باب الامدادات والتسليح عن بكرة أبيه، في حال استمر الثوار بهجومهم الجنوبي ضد الأسد وقواته.
إذاً ما يقوله أوباما حول استراتيجيته القاضية بـ"البناء" على الايجابية المتولدة عن الاتفاقية النووية للخوض في حوار مع ايرانيين للتوصل الى تسوية في سوريا هو حديث فارغ.
أما أبرز دليل على هرطقة أوباما حول اشراك ايران في الحل في سوريا، فيتمثل في أنه لطالما استماتت ايران للمشاركة في الحوار السياسي للتسوية السورية، على غرار ما حاوت فعله في مؤتمر "جنيف ٢" في بداية ٢٠١٤، الذي تلقت قبله دعوة من الأمم المتحدة -بإيعاز من واشنطن- لحضور المؤتمر المذكور بين الأسد ومعارضيه. لكن تهديد المعارضة وقتذاك بمقاطعة المؤتمر هو ما أجبر الأمم المتحدة على سحب الدعوة.
كموسكو وطهران، تخشى واشنطن انهيار الأسد، وترغب في بقائه. على ان التباين بين العواصم الثلاث يكمن في تصورهم لما يحدث بعد نجاة الأسد من مخالب الثوار، فأميركا تريد استبدال الأسد بشخص مطابق له سياسياً، يدّعي تشكيل حكومة وحدة وطنية على غرار الحل العراقي الباهر. أما روسيا، فهي تريد إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل ٢٠١١، وإعادة تأهيل الأسد، والحفاظ عليه كديكتاتور علماني حليف لها. إيران، بدورها، تستميت للمشاركة في المؤتمرات حول سوريا حتى تحوّل الأسد رسمياً إلى دمية بين يديها، بعدما نجحت في فعل ذلك على الأرض. فطهران، بعدما تسلمت زمام الأمور عسكريا في سوريا، تريد اعترافاً دولياً بأنها صاحبة الكلمة العليا في سوريا، وأن الأسد هو -مثل باقي ميليشياتها- قوة تابعة لها وتأتمر تماماً بأمرها.
أما التناقض الأخير في ما قاله أوباما حول سوريا فيتمثل في أن بوتين لم يتصل للتباحث في مصير الأسد بسبب التوصل لاتفاقية نووية مع ايران، بل هو اتصل لأنه قلق من ضغط الثوار عسكرياً على دمشق، وهو ضغط لا يحق لأوباما أن يتبجح أن سياساته الرعناء هي التي تسببت به.