أميركا تستكمل انحيازها ضد الثورة السورية
لمن لا يدري، فإن "وكالة الاستخبارات المركزية" الأميركية (سي آي أي) كانت تخصص مبلغ مليار دولار سنوياً لتدريب مقاتلين سوريين، على مدى الأعوام الثلاثة الماضية. لكن بسبب انهيار قوات الرئيس السوري بشار الأسد امام التنظيمات الإسلامية، التي تعتبر واشنطن بعضها إرهابية، سيقوم الكونغرس بخفض موازنة الاستخبارات المخصصة لسوريا، وتالياً إغلاق برنامج التدريب المذكور.
خطوة إنهاء هذا البرنامج المتعثر هو ما عكف المشرعون من الحزبين على تسريبه للصحافيين على مدى الأسبوع الماضي. على أن هذا الإعلان الخافت من الكونغرس يحمل في طياته حزمة من المشاكل التي تعصف بالرؤية الأميركية المأزومة تجاه سوريا.
أولاً، ان تكاليف الدعم الأميركي لأي مجهود عسكري، خصوصاً غير المباشر على طراز تدريب وتسليح وتمويل مجموعات مسلحة، هي تكاليف عالية بشكل غير مبرر، فأعضاء الكونغرس تحدثوا عن تدريب السي آي أي لعشرة الاف مقاتل منذ العام 2012، وإنفاق 3 مليارات دولار على تدريب هؤلاء يعني ان المقاتل الواحد كلّف واشنطن 300 ألف دولار، وهذا مبلغ يغطي نفقة ارسال المقاتل الواحد الى جامعة "وست بوينت" العسكرية المرموقة لتدريبه – على مدى ثلاث سنوات – وتخريجه ضابطاً ممتازاً يتمتع بعلوم عسكرية وخبرة عليا تؤهله للعمل ضابطاً في قوات النخبة الأميركية.
ثانياً، هناك عدد من الدول الإقليمية – منها إيران – التي ترعى تجنيد وتدريب وتسليح وتمويل تنظيمات عسكرية تبلي بلاء حسناً على أرض المعركة السورية بتكلفة أقل بكثير من المبلغ الأميركي المذكور، ما يعني انه اما ان المدربين الاميركيين هم الأسوأ في انشاء مجموعات قتالية غير نظامية، أو ان الأموال التي يرصدها الكونغرس لتدريب ثوار سوريين يصل الفتات منها الى هدفها النهائي، فيما تمتص الوكالات الحكومية الأميركية المعنية بالشأن السوري الجزء الأكبر من هذه الأموال، والسيناريو الثاني هو المرجح.
ثالثاً، تبرز مشكلة حقيقية في الربط بين المشكلة والأسباب عند الكونغرس وفي واشنطن عموما، فالقول إن انهيار قوات الأسد هو سبب انهاء تمويل تدريب ثوار سوريين يعني فعليا ان أميركا كانت تأمل في ان تؤدي برامجها التدريبية الفاشلة هذه الى صمود قوات الأسد.
ختاماً، يشكل انهاء تمويل برنامج تدريب الثوار المتعثر واغلاقه الحلقة الأخيرة في الاستدارة الأميركية في الأزمة السورية من مطالبة خجولة للأسد "بإفساح المجال امام الإصلاح" الى تأييد بقاء الأسد تماماً حتى يدخل في شراكة متخيلة مع ثوار أكثر خيالاً، فلا الثوار المعتدلين على الطراز الأميركي موجودون على ارض الواقع، ولا الشراكة، التي كانت تطالب بها اميركا ويبدو انها تناستها اليوم، واقعية.
في الأشهر القليلة الأولى للثورة السورية في ربيع العام 2011، كانت أميركا ما تزال أكثر عدوانية تجاه إيران، وتالياً أكثر قرباً من معارضي الأسد. هكذا، كان يبدو جون كيري، الذي كان ما يزال يشغل منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، يشن هجمات لاذعة ضد الإدارة الأميركية لتجاهلها قيام رئيس حكومة العراق السابق نوري المالكي بالسماح لطائرات إيرانية محملة بالمال والسلاح، والمتوجهة الى بشار الأسد، بالمرور بالأجواء العراقية.
اليوم، صارت المواقع الإعلامية الموالية لإيران تزدحم بصور قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري الإيراني" قاسم سليماني، وهو يجول في مدن غرب العراق، في وقت ترفع ميليشيا "الحشد الشعبي" رايتها، الذي يحمل شعاراً شبيها للباسدران الإيراني و"حزب الله" اللبناني، على دبابات أبرامز الأميركية التي زودتها واشنطن يوما للجيش النظامي العراقي.
في أول سنتين من الثورة السورية، لم تصدق الولايات المتحدة روايات الأسد القائلة بأنه يحارب الإرهاب، بل انحازت – وان من دون أفعال – لمصلحة معارضيه وتظاهراتهم السلمية، وحتى دفاعهم عن أنفسهم بشكل عسكري بدائي في وجه دمويته المفرطة. لكن صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" صادق على نبوءة الأسد وأعاد واشنطن الى ضفته. وإذا كانت واشنطن غير قادرة سياسياً على التواصل مع الأسد، فهي لا شك قادرة على وقف مساهمتها – على بساطتها – في دعم معارضيه.
كذلك، لواشنطن المقدرة على تعزيز قدرات حلفاء الأسد، وما موافقة واشنطن على تولي "الحشد الشعبي" قيادة المعارك في العراق الا تمهيد لموافقتها على تأييد معارك هذه الميليشيات و"حزب الله" في سوريا، ووقف تمويل الكونغرس هو تأكيد رمزي لانتقال الولايات المتحدة من ضفة الثوار الى ضفة حلفاء الأسد، وهو ما يستكمل تقريباً انحياز أميركا ضد الثورة السورية.