واشنطن : مسؤولو ملف سوريا يتركون مناصبهم تباعا
في أقل من أسبوع، شغر أرفع منصبين مسؤولين عن ملف سوريا في إدارة الرئيس باراك أوباما. في "مجلس الأمن القومي"، أعلنت رئيسته سوزان رايس انتقال مسؤول "إيران، والعراق، وسوريا، ودول الخليج" روبرت مالي ليصبح مسؤولا عن عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي وزارة الخارجية، سرت انباء عن ترشيح مسؤول سوريا، دانيال روبنستين، لمنصب سفير أميركا في تونس، حسب موقع انباء بولمبيرغ. أما الجنرال جون آلن، المبعوث الرئاسي للتحالف الدولي للحرب ضد "تنظيم الدولة الإسلامية"، فأعلن مراراً ان اهتمامه ينصب على الشق العراقي من دون السوري.
هكذا، أصبحت المسألة السورية، كما في العالم كذلك في العاصمة الأميركية، يتيمة، ومن دون مسؤولين ذوي نفوذ في الإدارة يتابعونها، او يهتمون بتطوراتها، او يلفتون نظر الرئيس باراك أوباما وكبار مساعديه اليها. وهكذا، اكتملت عملية تلزيم ملف الازمة السورية الى روسيا وإيران، ومن دون أي خجل او وجل أميركي.
سبب نقص الاهتمام الأميركي ينبع من أوباما نفسه، الذي تسببت لا مبالاته بالمعاناة السورية برحيل الرعيل الأول من الديبلوماسيين الأكثر حنكة وتأثيراً في الرأي الأميركي داخل واشنطن، ففرد هوف، الذي عينه المبعوث الرئاسي لمفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، جورج ميتشل، مسؤولاً للمسار السوري، وجد نفسه فجأة من دون مسار وأمام ثورة شعبية اندلعت في وجه الرئيس السوري بشار الأسد وحكمه، فتحول هوف الى ديبلوماسي مسؤول عن ضبط الإيقاع الأوروبي تجاه سوريا، ونجح بدعم من وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في استصدار عقوبات على الأسد وقطاعه النفطي.
إلى جانب هوف، عمل مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، جيفري فيلتمان، على ضبط إيقاع الدول العربية وتوحيد صفوفها، فنجحت الأخيرة في طرد الأسد من "جامعة الدول العربية"، وأطلقت مبادرات بالاشتراك مع الأمم المتحدة للتوصل الى وقف إطلاق نار كمقدمة لانتقال سياسي يؤدي الى خروج الأسد من الحكم.
ومع هوف وفيلتمان عمل السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد، الذي قام بنشاط قارب المجازفة بأمنه عندما زار حماة المنتفضة، فرماه الحمويون بالورود. كما زار مجلس عزاء غياث مطر في دمشق في تحد للأسد ونظامه، قبل ان تجبره وكالات الاستخبارات الأميركية على الخروج من سوريا خوفاً على أمنه.
وهوف كان من المخضرمين في المسألة اللبنانية والسورية، بينما سبق لفيلتمان أن عمل سفيراً أميركياً في لبنان، فضلاً عن عمله في عواصم عربية متعددة قبل ذلك. أما فورد، فهو من المستعربين في وزارة الخارجية ممن لعبوا دوراً محورياً في مواكبة عملية "زيادة القوات" في العراق وبناء "قوات الصحوة" من عشائر غرب العراق، حيث نجح التحالف بين الاثنين في القضاء على "تنظيم القاعدة في العراق"، وأنهى الحرب الأهلية هناك.
وحمل الديبلوماسيون المخضرمون الثلاثة هوف وفيلتمان وفورد لقب سفير، وتمتعوا برصيد داخلي وخارجي، ونجحوا في إجبار الأسد على "الوقوف على قدمه الخلفية"، حسب التعبير السائد هنا. لكن جهود هؤلاء الثلاثة، مقترنة بتوصيات كلينتون ومن بعدها خلفها جون كيري – ونجم حرب العراق ومدير "وكالة الاستخبارات المركزية" (سي آي ايه) آنذاك دايفيد بترايوس – لتسليح ثوار سوريا، اصطدمت بعناد أوباما، الذي أصر على تبني المقاربات الروسية والإيرانية لحل سياسي مزعوم.
في وجه الجدار الأوبامي، أصاب الإحباط كل العاملين على الأزمة السورية، فخرجوا الى التقاعد على التوالي. وبعد خروجهم، تحول هوف وفورد الى أكبر مؤيدَين لثوار سوريا ولتسليحهم، مهاجمين إدارة أوباما وسياسات سبق ان اجبروا ان يدافعوا عنها بحكم وظيفتهم. وحده فيلتمان، الذي أصبح مستشار أمين عام الأمم المتحدة للشؤون السياسية، بقي أميناً على تنفيذ سياسة أوباما، فزار طهران والتقى مرشد الثورة علي خامنئي، ولعب دوراً محورياً في تدبير دعوة أممية الى إيران لحضورها مؤتمر جنيف الثاني، وهو حضور لم يحصل بسبب رفض المعارضة السورية للأمر.
على أن من يعرفون فيلتمان يعرفون ان قلبه وعقله مع الثوار، وان الدور الذي يقوم به هو امانة لمنصبه. ربما بعد تقاعده، يتحول فيلتمان، مثل هوف وفورد من قبله، الى مؤيد لثوار سوريا وتسليحهم، ولكن بعد فقدانه أي دور مؤثر في صناعة السياستين الأممية والأميركية.
وبعد خروج ثلاثي هوف – فيلتمان – فورد، حل مكانهم جيل من الديبلوماسيين الاميركيين الأحدث عهداً والأقل وزناً، فجاء مكان فورد، الديبلوماسي المستعرب دانيال روبنستين مسؤولاً عن سوريا. لكن روبنستين لا يحمل صفة سفير، والخارجية ككل دورها مهمش منذ خروج كلينتون لمصلحة مجلس الأمن القومي، حيث حل صديق الأسد روبرت مالي مسؤولاً عن الملف السوري.
وفيما كان كيري يسلم ملف سوريا الى نظيره الروسي سيرغي لافروف، كان مالي يشارك في المفاوضات النووية مع إيران ليسلم ما تبقى من ملف سوريا الى إيران. ويبدو أن منصب سفير في تونس لاح في الأفق، فرأى روبنستين فرصة في اغتنامه بدلاً من بقائه من دون دور في الشأن السوري. أما مالي، الذي من المفترض ان يكون أنهى دور تسليمه سوريا الى إيران مع حلول نهاية الشهر الحالي، موعد توقيع اتفاقية مضمرة او معلنة مع طهران، فيصبح مسؤولاً عن ملف مفاوضات السلام بدءاً من السادس من الشهر المقبل.
هكذا، يصبح الملف السوري في الحكومة الأميركية من دون مسؤولين عنه، بعدما تم تخفيض درجة المسؤولين في مرحلة سابقة. وهكذا، لا عجب أن لا سياسة أميركية – أو عربية أو عالمية – تجاه الأزمة السورية، ما يجعل مصير الثوار في مهب الرياح، ويجعله في أيديهم وحدهم امام قوة إيران وروسيا وحلفائهما السوريين واللبنانيين المقاتلين على الأرض السورية.