ماذا يحصل في سوريا عندما تتفق أميركا وإيران؟
الاتفاقية النووية بين إيران ومجموعة دول خمسة زائد واحد على وشك الإبرام لكنها تنتظر موافقة الولايات المتحدة على رفع سريع للعقوبات الدولية المفروضة على طهران، وهو ما ألمح اليه مرشد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، في تصريح قبل أيام كشرط بناء ثقة بين البلدين، وهو ما يتوقع المسؤولون الاميركيون سماعه اثناء لقاء وزيري خارجية البلدين الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني جواد ظريف في جنيف الأربعاء.
وتقول الأوساط الأميركية ان كل الأطراف المعنية أفرغت ما في جعبتها وقالت ما لديها، وأن الاتفاقية القاضية بتحويل برنامج إيران النووي الى برنامج بحثي بحت، في مقابل رفع العقوبات عنها، صارت جاهزة، وهي اتفاقية تعارضها غالبية المحافظين في إيران، ويؤيدها فريق الرئيس حسن روحاني وظريف، الذي حقق نصراً سياسياً معنوياً، قبل أيام، بفوزه بتصويت تجديد الثقة في البرلمان الإيراني بعد اطلاع ظريف المشرعين على مجرى المفاوضات النووية.
أما صاحب الكلمة الفصل في قبول الاتفاقية فيبقى خامنئي وحده، الذي تعتقد الأوساط الأميركية أنه يحاول انتزاع أكبر كمية من التنازلات الأميركية، في ربع الساعة الأخير، مع بدء العد العكسي لنهاية ولاية الرئيس باراك أوباما الثانية وخروجه من الحكم مطلع العام 2017.
وعلى الرغم من خسارة حزب أوباما الديموقراطي للغالبية في مجلس الشيوخ، وتالياً انقلاب الكونغرس بغرفتيه الى غالبية جمهورية يمكنها أن تمارس ضغطاً سياسياً هائلاً ضد أي اتفاقية أميركية مع إيران، يجيز الدستور لأوباما أن يرفع بمفرده كل أنواع العقوبات الأميركية المفروضة حالياً على إيران بمرسوم اشتراعي، حتى من دون موافقة الكونغرس.
لكن سريان المرسوم الاشتراعي بعد خروج أوباما من الحكم يرتبط بهوية الرئيس المقبل، الذي قد يجد صعوبة في فرض العقوبات مجدداً على إيران، ما من شأنه ان يؤدي الى إعادة خلق أزمة بين البلدين، وهذه خطوة سياسية لا يمكن لرئيس القيام بها بسهولة، وأوباما يعرف ذلك، لذا فهو يعتقد أن المدة المتبقية لبقائه في الرئاسة كافية لرفع العقوبات وإعادة العلاقات بين البلدين. لكن ذلك يشترط، إلى جانب توقيع أوباما، توقيع خامنئي، وهذا إن حصل، يبرم اتفاقية تاريخية بين الطرفين.
كذلك، يعتقد فريق أوباما أن حتى رفعاً جزئياً أميركيا للعقوبات على إيران كفيل بضعضعة نظام العقوبات القائم حالياً، إذ من المتوقع ان تتسابق الشركات الأميركية والعالمية على السوق الإيرانية العذراء، وهو ما يجعل إمكانية إعادة العقوبات بعد خروج أوباما من الحكم أمراً أكثر صعوبة فعلياً منه نظرياً.
ماذا يحصل إذا ما توصلت واشنطن وطهران لاتفاق نووي يؤدي لتحسين العلاقات بين البلدين؟تعتقد غالبية المتابعين في واشنطن ان الأزمة السورية ستكون البند الأول على جدول اعمال البلدين. هذه المرة، لن تطلب أميركا من إيران، صديقتها الجديدة، الالتزام بشروط معينة – من قبيل ضرورة رحيل بشار الأسد عن الحكم – كشرط إقامة حكومة مؤقتة تشرف على العملية الانتقالية. واشنطن كانت أصلاً حاولت دعوة إيران الى مؤتمر "جنيف 2" لولا ردة فعل المعارضة السورية ضد الحضور. كذلك، كان مقرراً أن تحضر إيران "مؤتمر موسكو" المزمع عقده نهاية الشهر، والذي خسر مصداقيته بعد طعن المعارضة السورية فيه على الرغم من تأييد واشنطن له.
إذاً، لطالما وقفت واشنطن حتى الآن في صف إيران والأسد في الأزمة السورية، على الرغم من تأييدها اللفظي للثورة السورية ولرحيل الأسد عن الحكم. هذا الموقف الأميركي من شأنه أن يتحول، في حال التوصل الى اتفاق مع إيران يعيد العلاقات بين البلدين، الى موقف أميركي ديبلوماسي ضاغط على حلفاء أميركا العرب والمعارضة السورية لقبول السيناريو الإيراني للحل السلمي، الذي لا يفرض رحيل الأسد، أو بالأحرى يهديه الفوز في المواجهة المندلعة منذ أربعة أعوام.
ويقول أحد المتابعين الأميركيين أن العراق قد يكون النموذج الأفضل لفهم ما سيكون عليه التفاهم الأميركي – الإيراني في سوريا: أرجحية مطلقة لإيران ونفوذها ولسطوة حلفائها، مقابل تقهقر خصوم هؤلاء الذين سيجدون أنفسهم عرضة لحملة دولية دبلوماسية وسياسية وحتى أمنية عالمية ضدهم بتهم متعددة، منها مكافحة الإرهاب.
وضع العراق اليوم ليس بالشكل الذي تصوره مصممو الحرب الأميركية هناك، أي أركان الإدارة الجمهورية للرئيس السابق جورج بوش. والوضع في العراق اليوم ليس هو ما تطلعت اليه المؤسسة العسكرية الأميركية، التي أوكل بوش اليها مهمة تثبيت الوضع هناك في العام 2007، وهي نجحت في ذلك بمساعدة عشائر غرب وشمال غرب العراق.
وضع العراق اليوم هو من بنات أفكار أوباما وحده، الذي لطالما طالب بعراق "شبه مستقر" لا يكلف الاميركيين عناء السهر على استقراره، مع إمكانية التنسيق مع طرف واحد قوي – في هذه الحال إيران بعدما كان متوقعاً أن يلعب رئيس الحكومة السابق نوري المالكي هذا الدور – حول تثبيت الوضع فيه والقضاء على أي مجموعات مسلحة لا ترضى بالصيغة القائمة.
سيناريو العراق نفسه، يعتقد غالبية الخبراء الأميركيين، سيتكرر في سوريا في حال عادت العلاقات الأميركية الإيرانية الى سابق عهدها.
أما أكبر الخاسرين، حسب الخبراء أنفسهم، فسيكون حلفاء أميركا العرب. هؤلاء خسروا في الجولة الأولى عندما أهدت أميركا بوش، العراق لإيران، وهم عرضة اليوم لخسارة ثانية عندما تهدي أميركا أوباما سوريا لطهران كذلك.