إيران تغرق في المستنقع العراقي
إيران في مستنقع العراق، او هكذا على الأقل يعتقد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، وهو اعتقاد عززه اعلان طهران تشييعها للعقيد الطيار في "الحرس الثوري الإيراني"، شجاعة علمداري مرجاني، ورفيقه كمال شيرخاني، اللذين قتلا في سامراء.
وفي جلسة مغلقة في العاصمة الاميركية، قدم أحد المسؤولين مطالعة تفصيلية للعتاد الإيراني الذي يتم ارساله الى العراق، وتحدث عن وصول سبعة مقاتلات "سوخوي 25" روسية الصنع الى قاعدة "علي بن ابي طالب" الجوية، قرب مدينة الناصرية الجنوبية.
والمقاتلات هذه ملك العراق أصلاً، وانتقلت الى إيران اثناء حرب الخليج الأولى مطلع التسعينات. ويقول المسؤول الأميركي إن طيارين في "الحرس الثوري الإيراني" هما الذين يقودان هذه المقاتلات ويقومان بالغارات الجوية على مناطق في شمال وغرب العراق خارجة عن سيطرة القوات الحكومية.
كذلك، يعتقد المسؤولون في واشنطن أن إيران زودت القوات الحكومية العراقية بعشر طائرات استطلاع من دون طيار، إيرانية الصنع من طراز "مهاجر 4"، يصل مداها الى 150 كيلومترا، وهي اقل تطورا من 12 طائرة استطلاع من طراز "ابابيل"، كانت طهران قد زودت حزب الله اللبناني بها، ويصل مداها الى 250 كيلومترا.
وعن طريق ميناء ام قصر الجنوبي، زوّدت إيران القوات الحكومية العراقية والميليشيات المتحالفة معها، مثل "عصائب اهل الحق" التي سلمت مواقعها في سوريا لمقاتلي "حزب الله" وانسحبت الى العراق، بسيارات عسكرية من نوع "سفير"، بعضها يحمل قاذفات صواريخ من طراز "فجر 1"، وكميات صواريخ عيار 107 ملم إيرانية الصنع من نوع "حاسب"، وصواريخ "قاهر" ذات المدى الاطول، ورشاشات "أي كي أم" الإيرانية كذلك.
في موازاة ذلك، يقول المسؤولون الاميركيون إن إيران أرسلت المئات من مستشاريها العسكريين الذين عملوا، بالاشتراك مع الضباط العراقيين، على وضع خطط متعددة لحماية سلسلة من المواقع من ضمنها مبان حكومية، والمراقد الدينية، ومطار بغداد الدولي، والمنشآت النفطية.
أما في حال تكرر سيناريو انهيار القوات الحكومية العراقية، على غرار ما حصل في الموصل في 10 حزيران/يونيو الماضي، فقد أتمت إيران استعداداتها بحشدها مجموعة من "قوات النخبة" في سربول الذهب وقصر شيرين، القريبتين من الحدود مع العراق. ويمكن لهذه القوات دخول العراق عن طريق خانقين باتجاه سامراء، حيث مرقد الإمامين العسكريين، تحسباً لأي طارئ هناك.
أما عن موقف واشنطن من التورط الإيراني المتزايد عسكرياً في العراق، فيبدي المسؤولون الاميركيون قلقهم بادئ الأمر، ولكن لا يمكن للسامع إلا أن يخرج بانطباع مفاده أن الأميركيين سعيدون في قرارة أنفسهم أن إيران تجد نفسها مضطرة للانخراط في الوضع العراقي.
هذه المرة، لن يقف الإيرانيون وهم يتفرجون، بل يهللون، للمعارك التي كان يخوضها الجيش الأميركي في وجه خصومهم في العراق. هذه المرة، يقول المسؤولون الاميركيون، ستجد إيران نفسها مجبرة هي على التدخل، فأميركا لن تهدر دماءً أو أموالاً لحماية رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي وحلفائه، بل إيران هي التي ستفعل ذلك.
قرابة عشر سنوات أمضتها أميركا في العراق، تعلمت منها أن دخول المستنقع العراقي أسهل بكثير من الخروج منه، وان نتائج التورط تأتي متضاربة بأحسن الأحوال، من دون أن تنعكس إيجاباً على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
أما الحل الوحيد الذي تعلمته واشنطن، وبعد الكثير من التضحيات والتجارب الفاشلة، فيكمن بالانفتاح على الأطراف العراقية جميعها، والتراجع عن قانون اجتثاث البعض وقوانين مشابهة. ربما يكون الدرس الوحيد الذي استخلصته أميركا من حربها في العراق أن لا حل عسكرياً فيه من دون حل سياسي مواز، وهو الدرس الذي التزمت فيه واشنطن في سوريا، وبحذافيره.
بعكس إيران، التي يبدو أنها لم تستخلص من التجربة الأميركية أن أي حسم عسكري، إن كان في سوريا أو في العراق، لا يجدي، وان الحل الوحيد المتاح يقضي بمصالحة تفتح الباب لمشاركة فعلية في السلطة، في دمشق كما في بغداد، ويوما ما ربما في طهران نفسها.
واشنطن ليست قلقة، بل قد تكون مسرورة، فبدلاً من ان تقوم هي بما تطلق عليه اسم "العمل القذر" عن طريق تدخلها العسكري، جاء من يقوم ذلك بدلاً منها.
أما أبرز الدلائل على استفادة واشنطن من تدخل إيران العسكري في العراق، الى جانب غرق طهران في المستنقع العراقي واستنزاف قدراتها، فيكمن في محاولة إيران الدفاع عن أهداف أعلنت أميركا نفسها أن لها مصلحة في بقاء القوات المعادية للحكومة بعيدة عنها، مثل مطار بغداد والمنشآت النفطية.
ويبدو ان الماكينة العسكرية الإيرانية ستعمل على الدفاع عن استمرار ضخ النفط العراقي، وبثمن باهظ، ما يسعد واشنطن لأنه كلما تدفق النفط، كلما تراجع سعره، وكلما انعكس ذلك إيجابا على النمو الاقتصادي الأميركي.
أما المستشارون العسكريون الألف، الذين ارسلتهم واشنطن الى بغداد للتعاون مع حكومة المالكي، التي كانت اول من عملت على طردهم من أجهزة الاستخبارات العراقية وبمساعدة إيرانية، فسيقيمون في بغداد لفترة. ربما يجد بعضهم نفسه في حضرة مستشارين إيرانيين، على غرار ما كان يحصل اثناء الاحتلال الأميركي للعراق. لكن هذه المرة، الأميركيون هم الذين سيبتسمون في وجه الإيرانيين المنهكين، وقد يكررون: "نحن راحلون، أما أنتم فباقون"، وهي العبارة التي ينقل السياسيون العراقيون أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، كان يرددها مراراً في الماضي.