ماذا لو أصبحت هيلاري كلينتون رئيسة؟
تعود وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون الى الأضواء هذا الأسبوع مع إطلاق كتابها "خيارات صعبة"، الذي تتحدث فيه عن مرحلة عملها في إدارة الرئيس باراك أوباما. لكن على عكس نظرائها من المسؤولين السابقين، الذين غالباً ما تشكل كتب مذكراتهم خاتمة حياتهم السياسية، يجمع الخبراء الأميركيون على أن كتاب هيلاري، هو أولى بوادر ترشحها للرئاسة عن الحزب الديموقراطي، خلفاً لأوباما في العام 2016.
ويبدو أن كتاب كلينتون يؤكد فرضية ترشحها، فهي تتبنى فيه الإنجازات المعدودة للرئيس الحالي، مثل قراره قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، فتكتب عن الدقائق الخمسة عشر التي سبقت تأكيد الفريق الأميركي في باكستان نيله من عدو أميركا الأول، وتضيف أنها شعرت بفخر كبير لكونها في عداد فريق أوباما الذي نجح في تصفية بن لادن.
لكن كلينتون لا تشعر بالفخر في مواقع أخرى، بل هي تؤكد التباين مع الرئيس الأميركي، ولكن من دون أن تقدم الكثير من التفاصيل، احتراماً للرئيس الذي تستمر ولايته حتى سنتين ونصف من اليوم.
أما أبرز نقاط الاختلاف بين كلينتون وأوباما، بحسب الكتاب، فتتمحور حول سوريا ومصر، وحتى روسيا.
ولا تكشف كلينتون سراً عندما تقول إنها تعتقد ان تسليح الثوار منذ اليوم الأول للثورة السورية في مارس 2011 كان ضرورة، وانه كان يمكن للتسليح ان يسمح بتفوق الثوار على الرئيس السوري بشار الأسد وقواته، وهو ما يتناسب ومصالح الامن القومي الاميركي. وتقول المسؤولة السابقة في كتابها إن "لا أحد يرغب في أن يخسر نقاشاً"، ولكن في حالة تسليح ثوار سوريا، كانت الكلمة الفصل للرئيس.
وبتشديدها على ان الارتباك الأميركي في سوريا هو من فعل أوباما وحده، على عكس رأي وزيرة خارجيته، تنفصل كلينتون عن أوباما وتنأى بنفسها عن السياسة الأميركية التي صارت مصدراً للانتقاد، الذي يكيله الديموقراطيون والجمهوريون على حد سواء، بحق الرئيس الأميركي وسياسته الخارجية عموماً. هذا يعني انه في حال وصول كلينتون الى البيت الأبيض، فهي ستعمل في الغالب على قلب الموازين العسكرية على الأرض السورية، وذلك بتقديمها برامج تسليح وتدريب جدية للثوار السوريين، وربما تذهب إلى أبعد من ذلك، ببنائها تحالفاً دولياً، يفرض منطقة حظر جوي على مقاتلات الأسد ومروحياته، وهو سيناريو سبق ان اقترحه زوجها، الرئيس السابق بيل كلينتون، اثناء محاضرة له في مركز السيناتور الجمهوري وأكبر مؤيدي ثوار سوريا جون ماكين.
وعلى عكس دعمها للثورة ضد الأسد، لا تعتقد كلينتون ان التعجيل في الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك كان أمراً حكيماً. وهي تكشف عن قيام أوباما بتأنيبها شخصياً على إثر قيام أحد مسؤولي وزارة الخارجية بإطلاق تصريح في مصر، قال فيه إن واشنطن ليست مستعجلة لرحيل مبارك، وهو الأمر الذي أثار بلبلة داخل العاصمة الأميركية، ودفع بأوباما إلى الاتصال بكلينتون والطلب منها ومن وزارتها التزام خط البيت الأبيض، الذي كان يصر على التسريع في رحيل الرئيس المصري.
على أن التباين في مصر لا يحمل عواقب كالاختلاف في سوريا، فالعلاقة مع مصر – من وجهة النظر الأميركية – مبنية على الجيش الذي يحفظ مصالح أميركا الاستراتيجية الثلاث، المتمثلة باتفاقية السلام مع إسرائيل وأمن الحدود المصرية معها، وإبقاء الملاحة مفتوحة في قناة السويس والمجال الجوي المصري مفتوحاً أمام الطائرات العسكرية الأميركية. أما الاختلاف في ما إذا كان مبارك أو محمد مرسي، أو حتى عبدالفتاح السيسي، رئيساً لمصر، فهو لا يدخل في الحسابات الأميركية الجدية.
حول روسيا، تقول كلينتون إنها عارضت سياسة "التصفير" مع موسكو التي أطلقها أوباما، مع أنها قامت بتطبيق هذه السياسة على أكمل وجه، وهي سياسة استمرت حتى يوم إعلان روسيا ضمها لشبه جزيرة القرم الأوكرانية.
والوقوف في وجه بوتين هو من الأمور التي تمتع بتأييد شعبي في أميركا، في وقت تعتقد غالبية الاميركيين ان أوباما اظهر ضعفاً في هذا المضمار. كذلك، من مصلحة كلينتون أن تتخلى عن سياسة "التصفير" التي تنعكس سلباً على صورة زوجها، الذي يحمله أوباما وفريقه مسؤولية الوصول إلى الأزمة الحالية مع الروس، بسبب قيام كلينتون بتوسيع "تحالف الأطلسي" شرقاً.
في كل الأحوال، تبدو كلينتون متمسكة بتسليح ثوار سوريا ضد عدو واشنطن بشار الأسد، والحفاظ على حلفاء أميركا مثل مبارك، ومواجهة العدو اللدود روسيا، وهذه مجموعة من السياسات تتناقض تماماً مع سياسة أوباما الخارجية الحالية، وتضع كلينتون في مصاف "الصقور".
وإن كان لا بد من بناء الاستنتاجات حول سياسة كلينتون الخارجية، في حال انتخابها رئيسة في العام 2016، فيمكن إضافة أنها ستكون أكثر تشدداً في وجه الإيرانيين، وأكثر قرباً من حلفاء أميركا العرب. بكلام آخر، ستتخلى كلينتون عن فكرة أوباما المركزية، والمبنية على تحميل سياسات أميركا الماضية مسؤولية الازمات الدولية الحالية، وستعود الى السياسة الأميركية التقليدية، المبنية على مواجهة الخصوم والوقوف إلى جانب الحلفاء، وهي عودة تنقل الولايات المتحدة إلى الضفة الأخرى دولياً.