بقاء الأسد.. مبادرة إيرانية للحل في سوريا

حسين عبد الحسين
الثلاثاء   2014/05/20
صور للرئيس السوري بشار الأسد في شوارع العاصمة دمشق (أ ف ب)
 قدمت طهران مبادرة الى باريس وواشنطن لحل الأزمة في سوريا. أسمتها "المبادرة الإيرانية" وقالت انها تهدف من ورائها لوضع حد لإراقة الدماء السورية، وان الأطراف التي لن تتعاون هي التي تتحمل مسؤولية المزيد من الدماء المسالة. المبعوث الفرنسي الذي يزور طهران قال ان المبادرة يمكن البناء عليها. الاميركيون يعولون أصلاً على مصالحتهم مع الإيرانيين للتوصل الى حل سوري، لأن الازمة هناك ليست حول سوريا، على حد تعبير رئيس الأركان مارتن ديمبسي الأسبوع الماضي، بل هي أزمة "من بيروت الى دمشق الى بغداد".
 
وحتى يسيل لعاب الاميركيين، تصدرت النقاط الإيرانية الأربع لازمة "مكافحة الإرهاب". تقول طهران انه بعد وقف إطلاق النار في سوريا، يتحول انتباه الطرفين المتقاتلين الى مواجهة الإرهاب والإرهابيين هناك. النقطتان الثالثة والرابعة تبدوان سهلتين: تشكيل حكومة مؤقتة موسعة بين المعارضة والنظام، حسب ما تنص اتفاقية جنيف، ثم تنظم الحكومة الموسعة انتخابات رئاسية وبرلمانية بمشاركة جميع الأطراف السياسية، وليفز الطرف الأقوى.
 
طبعاً لا تتطرق الخطة الإيرانية الى مصير الرئيس السوري بشار الأسد، لكن الحديث عن مشاركة الجميع يشي بأن إيران تعتقد ان من حق الأسد الترشح لولاية ثالثة والبقاء في منصبه في حال فاز في الانتخابات. حتى فوزه، يحتفظ الأسد بقواه الأمنية والاستخباراتية، وكذلك يحتفظ بجزء يسير من الحكومة المؤقتة، ربما نصفها، فضلا عن سيطرته على معظم مقدرات الدولة.
 
بكلام مختصر، يقول مراقبون اميركيون اطلعوا على فحوى المبادرة الإيرانية، ان طهران تعتقد انه يمكن بقاء الأسد حاكماً أوحد لسوريا، على ان يتحول حاكماً كالمالكي، يسيطر على الدولة ومقدراتها فيفوز بالانتخابات إثر الانتخابات، ولكنه في الوقت نفسه يجاري ويساير ويشارك في أمور الحكم الداخلية، وخصوصاً غير المتعلقة بسياسات الامن والخارجية.
 
والاقتراح الإيراني حول سوريا يشبه الاقتراحات الإيرانية في لبنان، والتي قدمها "حزب الله" الى معارضيه في "تحالف 14 آذار"، إذ قدم امين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، مراراً وعلناً، عرضاً الى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، بأن يشغل الأخير نفسه في شؤون "إعادة الاعمار" والاقتصاد، وان يترك المقاومة، أي السياسات الأمنية والخارجية في لبنان، في ايدي الحزب منفرداً.
 
وعرض إيران–"حزب الله"، للحريري، مازال قائماً، وأعاد تقديمه النائب ميشال عون اثناء لقاء، الاثنين، في باريس، طالباً من الحريري انتخابه رئيساً، في مقابل عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، فيهتم الاثنان في شؤون الاقتصاد والاجتماع، بمشاركة على طريق المثالثة مع رئيس البرلمان نبيه بري، ويبتعد الثلاثة عن شؤون الامن والخارجية، بل يهللون للحزب في أي خطوة يخطيها، أو في أي أمر يفعله في هذا الإطار، ومن دون مساءلة.
 
ذلك كان تصور الحزب لدخوله في تحالف مع الحريري ووليد جنبلاط، وحتى سمير جعجع، في العام 2005، وذلك كان تصور الحزب عندما وافق على تعيين الحريري رئيساً للحكومة، وعدم قبول الحريري بالترتيب المذكور هو الذي أدى الى فرط عقد حكومته واجبره على مغادرة البلاد في ما بعد.
إذاً، في سوريا كما في لبنان، مواضيع الحكم الداخلية، كالاقتصاد والاجتماع، هي للقوى السياسية المتنوعة جميعها، فيما مواضيع السياسات الخارجية والأمنية هي حكر على محور المقاومة، الذي يضم طهران و"حزب الله" والأسد، وأي إخلال بهذا الترتيب، يؤدي الى قيام المحور المذكور بفرضه عنوة حتى إعادته.
 
في الماضي، وافقت باريس وواشنطن على هذا الترتيب في لبنان بعد الحرب الاهلية، وعلى إثر الانسحاب السوري في العام 2005، وفي اتفاقية الدوحة في العام 2008، ويبدو ان العاصمتين مستعدتان لقبوله مجدداّ الآن، في لبنان وفي سوريا.
 
المشكلة الوحيدة لباريس وواشنطن تكمن في شخص بشار الأسد نفسه، واثارته للانقسام في سوريا، كما في لبنان وباقي دول المنطقة، وسابقة استخدامه للأسلحة الكيماوية، وتحويل نفسه ونظامه الى مشاكس يصعب غفران ما قام به ويجبر كل من العاصمتين على الإصرار على محاكمته بتهم جرائم حرب.
 
لكن، اذا خرج الأسد، حتى لو بقي كل نظامه، تنقلب الصورة، وهو ما تأمل واشنطن أن تفعله طهران، وأن تتخلى عن بشار في مقابل حصولها على الترتيب الذي ترتضيه في سوريا، كما حصل في لبنان والعراق.
 
طهران ليست معروفة بتخليها عن أصدقائها، ولكنها تدرك استحالة احتفاظها بسوريا مع بقاء الأسد فيها، فتحاول تغيير حسابات الغرب بتغيير الواقع العسكري على الأرض، فهل يؤدي ذلك الى تراجع أميركا، المتراجعة دوماً، وتحول باريس، المتقلبة يومياً؟