جنوب السودان: معارك المدن تُديم الحرب
ما أن استطاع متطوعو "أطباء بلا حدود" دخول مدينة بور في جنوب السودان بعد انتظار لثلاثة أيام حتى أعلنوا عن أول كشف، ٧٥ جثة أسكتها وللأبد الرصاص الحي، ووجدت أخيراً من يواريها التراب.
وكأن أكثر من ألف قتيل ونحو مئة وعشرين ألفاً من المشردين داخلياً في أيام لا يكفي، فمزيد من الشباب يتوافد منذ يومين وبدوافع مختلفة للانضمام لأحد قادة/ متمردي البلاد، رياك مشار، وبالاسم الذي عرفوا به "الجيش الأبيض" حيث يلطخون بالرماد أجسادهم حماية لها من الحشرات، وليس البارود بالطبع، مقدمين بانتمائهم العرقي لقبيلة النوير (على غرار مشار) بعداً جديداً ووقوداً لقتال المدن. قتال انتقل للاستيلاء على مدينة بور ولم يتوقف في ملكال، بعدما هدأ قليلاً في العاصمة جوبا، التي توافد عليها خلال الأسبوع الماضي مبعوثون من واشنطن والقاهرة ووزراء خارجية دول إفريقية.
وكأن أكثر من ألف قتيل ونحو مئة وعشرين ألفاً من المشردين داخلياً في أيام لا يكفي، فمزيد من الشباب يتوافد منذ يومين وبدوافع مختلفة للانضمام لأحد قادة/ متمردي البلاد، رياك مشار، وبالاسم الذي عرفوا به "الجيش الأبيض" حيث يلطخون بالرماد أجسادهم حماية لها من الحشرات، وليس البارود بالطبع، مقدمين بانتمائهم العرقي لقبيلة النوير (على غرار مشار) بعداً جديداً ووقوداً لقتال المدن. قتال انتقل للاستيلاء على مدينة بور ولم يتوقف في ملكال، بعدما هدأ قليلاً في العاصمة جوبا، التي توافد عليها خلال الأسبوع الماضي مبعوثون من واشنطن والقاهرة ووزراء خارجية دول إفريقية.
ورغم وصول طلائع من قوات حفظ السلام الدولي، وبعد موافقة رئيس البلاد سيلفا كير ميارديت، مبدئياً (وشكلياً) على وقف فوري لإطلاق النار، بعد وساطة اشترك فيها بالأساس وزراء دول شرق أفريقيا "ايغاد"، إلا أن المتحدث باسم جيش جنوب السودان، فيليب أجوير، قال السبت، إنه لم يتلق أي تعليمات بوقف إطلاق النار ضد قوات مشار.
الأخير علّق بتحفظ على الهدنة المفترضة. وفي اتصال من مكان غير معلوم عبر هاتف يعمل بالأقمار الصناعية مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، رأى أن الهدنة تفتقد الشروط، مشترطاً من جهته أن تكون "محل مراقبة". ولم يسم جهات بعينها للقيام بالمهمة، ربما لأنه لا يريدها هو الآخر. فالصراع على الأرض يتنقل بين بلدة والأخرى، ونصر وهزيمة، وقد يتفاقم لما هو أسوأ، فيما يخرج في هذه الأجواء بيان "مثالي" من منظمة العفو الدولية، يطالب فيه قوات حفظ السلام (وبوادرها عشرات فقط) بان تكون مهامها الحفاظ "حتماً" على حياة المدنيين.
عملياً لا تستطيع القبعات الزرقاء حماية أحد ما لم يكن هناك توازن قوى ورجاحة عقول وبعض ضمير يدفع الأطراف للتفاوض وترتيب حوار، لأنهم يرون الفاقد البشري اكبر من مكاسبهم المتوقعة، أو أن يحدث حسم عسكري يسمح لطرف بفرض صلح أو سلام أو إذعان. وهو قد يحمل في طياته إملاءات واقتناص غنائم لصالحه، بما يعني ضغائن ترحل لفترة لاحقة حتى يتمكن المهزوم من التقاط أنفاسه إن ظل يلتقطها.
يراهن الطرفان على حسابات عسكرية ومعطيات لوجستية متقاربة، لكن الأخطر هو التحشيد على أساس قبلي. عندها، وكما يردد كثيرون، ستكون الدولة الوليدة هي رواندا جديدة، ستستعاد أجواء مظلمة من تاريخ أفريقيا قبل عشرين عاماً إذا لم يحكم الطرفان العقل.
الباحث السوداني المقيم في لندن، عمار عوض، يرى ان الحل في قيادات أخرى معولاً على الأمين العام السابق للحركة الشعبية باقان اموم مثلاً، بتاريخه وعقلانيته مقارنة بغيره، رغم انه في خندق واحد الآن مع مشار. وبالطبع يرفض ميارديت الإفراج عن اموم ومعه أيضاً "دنق ألور"، القيادي البارز والذي كان مقرباً مثله من الزعيم الراحل جون قرنق.
رفض يأتي ربما لان حاكم جوبا لا يريد ان يحارب خصماً بعقلية مركبة، بل يفضل الشد والجذب وتبادل إطلاق الرصاص مع مشار بتاريخه ذي الثقوب السوداء، والذي رغم كونه قائداً ميدانياً يعرفه مقاتلو استقلال جنوب السودان، فإن انضباطه العسكري شابه الكثير على المستوى الشخصي مؤخراً. كما ان ولعه بالسلطة يجعل الكثيرين يتشككون في أنه قد يضحي بالآخرين لاحقا لو وصل لها بينما تعدى الستين.
تفضل دول الجوار الوقوف مع ميارديت، والتذكير بمبادئ وقرارات الاتحاد الأفريقي. وقد كرر رئيس كينيا في لقاء "ايغاد" القول إن الحل العسكري لا يمكن أن ينجح هنا، داعياً بالاسم الغريمين "كير ومشار" لاغتنام ما وصفه بــ"الفرصة المحدودة السانحة".
ويبدو ان خطوة الإفراج عن "كبار" المعتقلين بخلاف بعض الأسماء مقبولة لدى جوبا، ولقاء ميارديت مع أرملة قرنق، ريبيكا قرنق، ربما لم يحرك الأمور، لكن حدوثه هو خط قابل للبناء عليه وللتواصل لاحقاً.
المبعوث الأميركي دونالد بوث ووزراء خارجية أجانب اطمأنوا لكون المعتقلين أحياء، لكن هناك ألفاً وأكثر قد قتلوا، بحسب رئيسة بعثة الأمم المتحدة في السودان هيلدا جونسون.. فمَن مِن الطرفين يهمه حقا ألا يزيد العدد؟