مصر: لا معايير تحكم المواقف
من كانوا يدعون للتظاهر ها هم اليوم يعلنون الموقف تلو الآخر الرافض له. ومن كانوا يرفضون هذا الحق، تحولوا إلى أبرز المنادين به.
تحول ليس سوى عينة من تحولات عديدة تطرأ على مواقف الكثيرين تجاه مجريات الأحداث المتسارعة في مصر، ما يجري مع الناشط علاء عبد الفتاح ليس بعيداً عن هذا السياق.
تنظر نيابة مصرية، الأحد، في تجديد حبس عبد الفتاح احتياطياً بعدما اتهم بالدعوة لتظاهرة دون إخطار والاعتداء على رجال أمن وسرقة جهاز اللاسلكي الخاص به.
أثارت هذه الاتهامات وبالأخص سرق اللاسلكي موجة سخرية، مما اعتبره ناشطون تقصداً من أجهزة التحقيق ضده، ولاسيما أن تم اقتحام منزله واعتقاله رغم أنه لم يتسلم أمر استدعاء، بل وعد بتسليم نفسه على غرار أحمد ماهر، أحد مؤسسي حركة 6 أبريل التي خاضت مظاهرات مناهضة لنظام مبارك، بالأخص قبيل انتفاضة 2011 الشعبية والتي انتهت بتنحيه.
الدهشة أيضاً جاءت مما علق به محمد عبد العزيز، أحد مؤسسي حركة "تمرد" التي نادت بإسقاط الرئيس المصري المعزول عبر التوقيعات لسحب الثقة عنه والتظاهر في النصف الأول من هذا العام، حيث قال إن "عبد الفتاح وأسرته يريدون هدم الدولة والاعتداء على الشرطة". وكان عبد الفتاح قد أعرب عن سعادته غير مرة عبر حسابه على موقع التغريدات المصغرة (تويتر) بمقتل بعض رجال الشرطة.
في المقابل نقل عن حزب الحرية والعدالة (الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة قانوناً) أن القبض على عبد الفتاح، الذي لم يعلن عن مكان احتجازه، ولا سمح بعلاج جرح أصابه خلال اشتباك مع قوات الأمن التي أخذته من منزله حيث اعتدوا بالضرب على زوجته أيضا بحسب أسرته، هو استهداف لرموز ثورة 25 يناير.
أمام مديرية أمن القاهرة حيث انتقلت النيابة لاستجوابه، وهو ما يخالف القانون، وقف نفر قليل من المتضامنين مع عبد الفتاح بعضهم من حركة "لا للمحاكمات العسكرية" و"مُصرّين"ومنهم سلمى سعيد، التي تقول إن القبضة الأمنية الأخيرة لم تثنهم عن مواصلة التظاهر لرفض المحاكمات العسكرية للمدنيين (وهناك بند في الدستور يفصل هذه الحالات بما يسمح بها ضمناً) وضد قانون التظاهر الجديد الذي أصدره الرئيس المؤقت. سعيد ورفيقاتها كن ينتظرن أمام المبنى بينما لم يمض سوى أيام على احتجازهن والتعدي عليهن بالضرب والتحرش وصولاً لرميهن في الصحراء.
نسألها عما صرح به مسؤول بالداخلية أنه تم إطلاق سراح الفتيات من أقسام الشرطة وتوصيلهن لمنازلهن بسياراتها "لا أسكن في الصحراء.. عنواني مكتوب في البطاقة".
ورغم بيانات الإدانة وبعض الغضب فإن كثيراً من المنظمات الحقوقية التزمت الصمت تجاه هذا التصعيد.
تبدل المواقف في مصر ليس محدوداً بهذه الحادثة فقط، فمقتل طالب لم يبلغ العشرين بكلية الهندسة جامعة القاهرة الخميس الماضي، ولد موجة من التعليقات المفاجئة ممن يحسبون على القوى الوطنية والثورية.
وزير التعليم العالي حسام عيسى، مثلًا نقل ما قاله وزير الداخلية (محل الجدل منذ عهد مرسي) أن الخرطوش الذي وجد في جسد المغدور لا تستخدمه قوات الأمن المصرية، وقال إن الأمن استخدم "طلقات بتلسع" مما جعل تصريحه وتبدل موقفه مادة للانتقاد وللتندر أيضاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كما انه أعلن في برنامج تلفزيوني عدم استبعاده تورط(الإخوان) في مقتل الطالب الذي لا ينتمي لأي تيار بحسب أسرته ومقربين منه.
الغريب أن السلطات تحقق بالفعل مع 4 طلاب في هذه الواقعة رغم أن شهوداً ومقاطع مصورة توضح إطلاق قوات الأمن للغاز والخرطوش حتى وصل بعضها لداخل الحرم الجامعي، حيث قتل الطالب وجرح آخرون.
في المقابل طالب رئيس جامعة القاهرة جابر نصار بالتحقيق في مقتل الطالب واستنكر ما قاله عيسى، فيما رحب مستشار الرئيس مصطفى حجازي، وهو الأكاديمي الذي رحب بقدومه للمنصب كثيرون، بقانون التظاهر الذي انتقدته قوى ومنظمات حقوقية محلية ودولية. ورحبت به أيضاً أسماء من ناشطي التظاهر ونجوم الكلام في الإعلام الفضائي خلال نهاية عهد حسني مبارك وعهد مرسي على السواء، ملتمسين العذر للدولة في إصداره بالقول إنه موجه ضد الإخوان، رغم أن القوانين لا تفصل لطرف ولا تخاطب فئة باسمها.
الحاصل أن الفترة الحالية في مصر على ما بها من أحداث متسارعة قد تفقد البعض معيار الحكم على الأمور بدرجات، وتدارك ذلك وارد دوماً، لكن التحول الحاد في المواقف لا تخطئه ذاكرة حيث يسجلها الإعلام التقليدي منه والجديد بكل حروف والتفاتة.