"هيومن رايتس ووتش" توثق انتهاكات لبنانية وقبرصية بحق السوريين

بتول يزبك
الجمعة   2024/09/13
منذ مطلع الشهر الجاري، نفذ الجيش اللّبنانيّ عدداً من عمليات الدهم لمخيمات اللاجئين (Getty)

في تقريرٍ مكون من 90 صفحة، عنون بـ "لا أستطيع العودة إلى بلدي أو البقاء هنا أو الرحيل: صدّ وإرجاع اللاجئين السّوريّين من قبرص ولبنان" (نصّ التقرير)، وثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش Human Rights Watch" الحقوقيّة، أسباب سعيّ اللاجئين السّوريّين في لبنان إلى المغادرة ومحاولة الوصول إلى أوروبا (راجع "المدن"). وذكرت أن القوات المُسلّحة اللّبنانيّة والسّلطات القبرصيّة تتعاونان لمنع اللاجئين أثناء هذه المحاولة، وطردهم فورًا إلى سوريا حيث يواجهون خطر الإخفاء والقتل والتشرد والتجويع.

فحوى التقرير
التقرير المبني على مقابلات مع لاجئين سوريّين حاولوا السّفر بالقوراب عدّة مرات من لبنان بين آب العام 2021 وأيلول العام 2023، وجد أن السلطات اللّبنانيّة انتهكت حقوق السّوريّين المغادرين في عمليات إرجاعٍ تعسفيّة. وأشار إلى أن قبرص طردت جماعيًّا إلى لبنان السّوريّين الواصلين من دون منحهم حقّ الوصول إلى إجراءات اللجوء، وأنّ اللاجئين السّوريّين، سواء أرجعتهم القوات المسلّحة اللّبنانيّة أو طردتهم القوات القبرصيّة، تعرضوا لسوء المعاملة من قبل القوتين وطردهم لبنان فورًا إلى سوريا دون مراعاة لوضعهم كلاجئين. وقال أن لبنان ارتكب هذه الانتهاكات بينما كان يستفيد من التمويل الأوروبيّ الهائل الذي يهدف إلى تعزيز قدرته على الحدّ من الهجرة غير النظامّية، والذي يفتقر إلى مراقبة حقوق الإنسان الجادّة أو الضمانات اللازمة لاحتياجات حماية الناس.

وضمن التوثيق جرى استعراض ما حدث لبعض الحالات الّتي عادت إلى سوريا. وأشار إلى أنّ الانتهاكات ضدّ اللاجئين في لبنان وقبرص لم تطل الرجال فقط، بل شملت كذلك النساء والقاصرين، حيث أفادت "هيومن رايتس ووتش" بأن عناصر من الشرطة القبرصية قاموا بتقييد معصمي صبي يبلغ من العمر 15 عامًا، غير مصحوب بذويه، وأعادوه مباشرة إلى مرفأ بيروت على متن سفينة قبرصيّة. وعلى الفور، قام الجيش اللبناني بترحيله مع مجموعة من السّوريّين الآخرين عبر معبر المصنع الحدوديّ إلى سوريا. وأكّدت المنظمة الدوليّة أن عمليات طرد اللاجئين السوريين بإجراءات موجزة، تُعد انتهاكًا لالتزامات لبنان بموجب "اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب" وبموجب مبدأ القانون الدوليّ العرفيّ الذي يحظر الإعادة القسريّة للأشخاص إلى بلدان يواجهون فيها خطر التعذيب أو الاضطهاد. كما أن احتجاز الأطفال وإساءة معاملتهم وفصلهم عن أسرهم يشكل انتهاكًا لالتزامات لبنان في مجال حقوق الطفل. وفي قبرص، تعتبر عمليات الصدّ، وعمليات الطرد الجماعي محظورة بموجب "الاتفاقية الأوروبيّة لحقوق الإنسان"، حيث تنتهك حظر الإعادة القسريّة غير المباشرة أو المتسلسلة أو الثانوية.

ومن جملة التوصيات الّتي انضوى عليها هذا التقرير، هي دعوة الحكومتين اللّبنانيّة والقبرصيّة إلى وقف جميع عمليات الإرجاع والصدّ والطرد الفوريّ أو الجماعيّ غير القانونيّة. كما وحثّ الاتحاد الأوروبيّ والجهات المانحة الأوروبيّة الأخرى على إنشاء آليات مستقلة لمراقبة وربط تمويل مراقبة الهجرة بامتثال لبنان لمعايير حقوق الإنسان في العمليات الحدوديّة. وطالب جميع الحكومات إلى زيادة أماكن إعادة التوطين ومسارات الهجرة التكميليّة للاجئين السّوريين في لبنان.

ردّ السّلطات "المتورطة"
ما إن صدر التقرير منذ نحو الأسبوع، حتّى خرجت السّلطات القبرصيّة لـ "تنفي" صحّة ما ذُكر، حيث قال نائب وزير الهجرة القبرصيّ، نيكولاس يوانيدس، إن "المزاعم ضدّ قبرص بشأن سوء معاملة طالبي اللجوء غير صحيحة، وهي مجرد إدعاءات"، مؤكّدًا أن الإجراءات الّتي تتخذها جمهوريّة قبرص "قانونيّة تمامًا". وزعم المسؤول القبرصيّ أن بلاده "تدافع عن حقوق طالبي اللجوء، وكدليلٍ على ذلك، تلقت إشادات من الاتحاد الأوروبي لإدارتها لهؤلاء الأفراد".

أما المفارقة أن التقرير، الذي حاولت السّلطات القبرصيّة رسميًّا دحضه، صمتت عنه السّلطات اللّبنانيّة من دون أي تعليق أو تصريحٍ رسميّ يُذكر. وقد يكون ذلك لأنّها تُدرك أن أي محاولة لدحض الحقائق، غالبًا سينبثق بموازاتها سجلٌ طويل من الانتهاكات والعمليات والحملات الأمنيّة والسّياسيّة والإداريّة والشعبيّة، الّتي ستدينها. فإن كان ملف اللاجئين السّوريّين، قد حُيّد هنيهة من الزمن، بالتوازي مع اشتعال الجبهة الجنوبيّة بين حزب الله والجانب الإسرائيليّ، إلّا أنّه ومن غير شكّ، لا يزال أحد أكثر الملفات سخونةً الّتي تؤرق لبنان الرسميّ والشعبيّ في آنٍ معًا.

في هذا الوقت تستمر، وبصورةٍ شبه يوميّة، سلسلة المداهمات الأمنيّة والاعتقالات التعسفيّة والإخلاءات القسريّة، لمساكن اللاجئين السوريين في مختلف الأراضي اللّبنانيّة وتحديدًا في البقاع والشمال، ذلك ضمن الخطة الحكوميّة لـ"لتنظيم الوجود السّوريّ" الّتي أُقرّت مطلع شهر نيسان الفائت. هذه المداهمات والاخلاءات الّتي تُسفر دائمًا عن ترحيل العشرات قسريًّا، وقبع مئات اللاجئين من مساكنهم وهدم مخيماتهم وحرقها، أو تنظيم رحلات "عودة طوعيّة". وقد وثقت "المدن" وحدها عشرات من الحالات في تقاريرها السّابقة.

وقد حاولت "المدن" التواصل مع الأمن العامّ اللّبنانيّ، للاستفسار عن صحّة المعطيات الواردة، أو على الأقلّ للحصول على ردّ بما يتعلق بهذه المعلومات، إلّا أنها لم تحصل على أي جواب على اتصالاتها المتكرّرة.

عمليات الترحيل والإخلاء
يأتي هذا التقرير، في وقتٍ تستمر فيه السّلطات بممارساتها الموصوفة بالتعسفيّة تجاه اللاجئين السّوريّين، وتحديدًا بما يتعلق بالإخلاءات القسريّة لمساكنهم (راجع "المدن"). ومنذ مطلع الشهر الجاري، نفذت قوات الجيش اللّبنانيّ عدد من عمليات الدهم لمخيمات اللاجئين، وافادت تقارير حقوقيّة (وتحديدًا منظمة وصول لحقوق الإنسان)، أن مخابرات الجيش قد نفذت وبتاريخ 2 من أيلول الجاري، عملية دهم وإخلاء لكل من مخيم 017 و042 و008 في البقاع الغربيّ. وأسفرت هذه المداهمات عن اعتقال 29 لاجئًا سوريًّا، تمّ ترحيل 28 منهم قسريًّا إلى سوريا، وتسليمهم مباشرةً إلى السّلطات السّوريّة عبر معبر المصنع الحدوديّ.

كما وتمّ رصد عمليات دهم واسعة نفذتها قوة من الجيش بالتعاون مخابرات الجيش، على عدّة مخيمات لاجئين في قبّ إلياس – قضاء زحلة. ونقل التقرير، أن عمليات التفتيش جرت بطريقة عنيفة، حيث تمّ العبث بمحتويات الخيم، وتحطيم الأدوات المنزليّة ومصادرة أجهزة الانترنت والطاقة الشمسيّة بالإضافة إلى اتلاف الخيم. وذكر التقرير أن المداهمات أسفرت عن اعتقال ما لا يقل عن 15 لاجئًا تمّ ترحيلهم قسريًّا وتسليمهم إلى السّلطات السّوريّة. وامتدت المداهمات لتشمل عدّة مخميات أخرى في البلدة منها مخيم 029 و048 و072 و001 و004 وحوش الصيادة، ومخيمات 003 و006 وحوش قيصر.

وقد سبقت هذه العمليات بأيام، عملية أخرى نفذها جهاز أمن الدولة في مكتب الكورة – وفق التقارير هذه – حيث نُفذت عملية إخلاء للاجئين سوريين من بلدة بصرما في قضاء الكورة، بحجة عدم حيازتهم لأوراق ثبوتيّة. وفي 3 من أيلول الجاري، أعلنت المديريّة العامّة لأمن الدولة، أنّها قامت بإخلاء بلدة كرمسدة في قضاء زغرتا من لاجئين سوريّين "غير شرعيين". وتمّ ختم 12 مسكنًا بالشمع الأحمر وإخلاء 75 لاجئًا. كما وأعلنت المديريّة، عن إخلاء بلدتي كفرزينا وعرجس في قضاء زغرتا من نحو 50 لاجئًا سوريًّا، في تاريخ 5 من أيلول الجاري.