المخيمات تخلو من سكانها: هل بدأ موسم تهجير الفلسطينيين؟

أحمد الحاج علي
الأربعاء   2024/10/09
لم يبق من سكان برج البراجنة سوى 400 نسمة من أصل نحو خمسين ألفاً (المدن)

اطمأن المجتمعون حين أنهوا لقاءً ضم أكثر من عشرين مؤسسة وجمعية في مخيم برج البراجنة، بالضاحية الجنوبية لبيروت؛ فقد جرى تحديد مهمة كل جهة في حال اندلاع حرب واسعة، ما بين تأمين الطعام، والنظافة، والدعم النفسي، والإحصاء، والإسعافات الأولية، والخدمات الصحية، والمازوت وتشغيل آبار المياه. لكن لم يلحظوا شيئاً أساسياً، أنه لن يبقى هناك سكان في اليوم التالي للاجتماع ليختبر المجتمعون مدى نجاعة خطتهم.

 فقد دوّى انفجار أدى إلى استشهاد أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، في المنطقة الشمالية الملاصقة تماماً للمخيم، فتفسخت البيوت، وانتشرت رائحة البارود في كل منزل حدّ الاختناق، فهام الناس ليلتها في طرقات بيروت، ولم يبق من السكان سوى 400 نسمة، أي أقل من 1 بالمائة من العدد الكلي الذي يبلغ ما يقارب خمسين ألفاً، كما تقول الناشطة الاجتماعية، ومديرة مطعم سفرة، مريم الشعار في حديثها لـ "المدن".

وقبل الخوض في تخوفات الفلسطينيين من تهجير جديد، ربما تريده (إسرائيل) نهائياً، لا بدّ من وقفة مع الديمغرافية الجديدة للمخيمات الفلسطينية في لبنان، بعد أقل من أسبوعين من بدء العدوان الواسع على لبنان، من خلال رصد قامت به "المدن".

تبعثر السكان
في مدينة صور يوجد ثلاثة مخيمات: البرج الشمالي، والرشيدية، والبص. استُهدف محيطهم بشكل متكرر، قبل أن يُغتال قائد حركة حماس في لبنان فتح شريف وعائلته نهاية شهر أيلول. أعقب ذلك طلب الناطق باسم جيش الاحتلال باللغة العربية أفيخاي أدرعي من المناطق التي توجد فيها المخيمات بالرحيل إلى شمال الأولي، من دون أن يسمي المخيمات، مع أنه كان واضحاً بقصده إياها.
يقول أحد سكان مخيم البص الإعلامي توفيق سليم إن من بقوا في المخيم لا تتجاوز نسبتهم 5 بالمائة من عموم السكان البالغ حوالي 12 ألفاً، والنسبة مقاربة في مخيم البرج الشمالي الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 20 ألفاً. أما في مخيم الرشيدية الذي يقارب عدد قاطنيه 35 ألفاً، فلم يبق أكثر من 6 آلاف نسمة على أبعد تقدير. ويرى أن نسبة النزوح قريبة من ذلك بتجمعات الساحل في القاسمية وأبو الأسود والشبريحا وجل البحر. ويشدد على أن من أسباب النزوح خشية الناس من تكرار المآسي التي رافقت الاجتياح الإسرائيلي، وخصوصاً المجازر التي ما زال سكان تلك المخيمات يحيون ذكراها كل عام "وأيضاً فإن الذاكرة نابضة بصور اقتياد آلاف الشبان إلى معسكر أنصار بعد الاجتياح مباشرة".

أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، مخيم عين الحلوة، لم يشهد نسبة نزوح عالية، بل اقتصر الأمر على عشرات العائلات فقط، وفق الناشط أيهم الشهابي، واستقبل المخيم مئات العائلات النازحة من مخيمات صور، وبعض العائلات اللبنانية، وقد سكنوا جميعاً في بيوت بالمخيم، فليس هناك مراكز إيواء، وهذا ما يشير إلى خشية الأونروا من استهداف المخيم. ومع ذلك، فإن استهداف حسن المقدح داخل المخيم، في الأول من تشرين الأول، واستشهاده وخمسة آخرين، رفع من وتيرة الخوف من بداية الاستهداف الواسع للمخيم الذي يضم حوالي 70 ألف فلسطيني إضافة للنازحين.
مخيم شاتيلا لم يشهد تغيراً كبيراً في عدد سكانه الفلسطينيين واللبنانيين، لكن نسبة تقارب الأربعين بالمائة من سكانه السوريين، والذين يشكلون الغالبية، غادروا المخيم. أما مخيم الجليل فمن أصل 880 عائلة لم يبق سوى 270 عائلة، وفق الناشط سعيد عدوان.
كثر من الفلسطينيين نزحوا إلى شمال لبنان، ويُقدر الناشط الإعلامي والاجتماعي وسام محمد أعداد العائلات النازحة إلى مخيم نهر البارد بحوالي 3000 عائلة، 1400 منهم اختاروا المدارس مأوى لهم، بينما استطاعت 1600 عائلة أن تعثر على منازل أو استضافها أقارب في بيوتهم. وإلى مخيم البداوي نزحت حوالي 1200 عائلة.

لماذا المخاوف من تهجير المخيمات؟
الحديث عن تهجير المخيمات الفلسطينية في لبنان، أو بعضها، قد لا يبدو بعيداً عن الواقع إذا ما اقترن بعدد من المعطيات. فالفلسطينيون يدركون أن العوامل التي ساهمت بتحييد المخيمات الفلسطينية عن الاستهداف عام 2006 قد سقط معظمها. ومن أبرز هذه العوامل وجود إيهود أولمرت الأقل تطرفاً وتهوراً والأكثر حساسية تجاه الرأي العام العالمي من بنيامين نتنياهو والمجموعة المتطرفة المحيطة به. كما أن إسرائيل، بعد 7 أكتوبر، تتصرف بروح ثأرية تسبق السياسة نفسها في كثير من الأحيان، أو تكون محركاً لها.
منذ عدة سنوات وإسرائيل تحاول أن تصنع صورة للمخيمات الفلسطينية بأنها مراكز للتدريب والتحريض ضدها. وفي عدة مناسبات عرضت خرائط أظهرت من خلالها ما زعمت أنها مواقع لحركات المقاومة الفلسطينية، كما نشرت صوراً قالت إنها لقيادات بالعمل المسلّح تعمل ضدها. وعندما وقع انفجار في مخيم البرج الشمالي في شهر كانون الأول 2021، وأدى إلى مقتل عدد الأشخاص، ألمحت صحف عبرية بمسؤولية إسرائيل عن العملية. يُضاف إلى ذلك التقارير الإسرائيلية التي كانت تتحدث عن بنية المقاومة الفلسطينية في لبنان، وعن دعم مسلح لبعض الشخصيات الفلسطينية فيه للمجموعات المقاومة في الضفة الغربية، وخصوصاً من مخيم عين الحلوة.

يتضاعف قلق الفلسطينيين مع وجود حكومة إسرائيلية لا تُخفي نيتها ورغبتها باستهداف قضية اللاجئين الفلسطينيين، وكل ما يتصل بها، أو يشير إليها، كوجود المخيمات، وبقاء الأونروا. فالجيش الإسرائيلي لم يكن عابثاً باستهداف مخيمات غزة من جباليا إلى رفح، ومخيمات الضفة بمناطق انتشارها كافة تقريباً.

أما الأونروا، فقرارات حظرها بالقدس، والتضييق على أنشطتها في الضفة، وتدمير مقراتها ومدارسها وقتل العديد من موظفيها في غزة شاهد على استهداف قضية اللاجئين. ويُضاف إلى ذلك أن صفقة القرن التي أُعلن عنها عام 2020 تتحدث بصراحة عن إزالة المخيمات، وإنهاء عمل وكالة الأونروا، واعتبار أن وجودها فاقم مشكلة اللاجئين. وقد يكون من التجني ما ذهب إليه البعض أن صفقة القرن دُفنت بانتهاء ولاية ترامب وخروج عراب الصفقة صهره جاريد كوشنر من دائرة المؤثرين في الإدارة الأميركية، فالناظر إلى الصفقة يرى تطبيقها بالمفرّق بعدما عُرضت بالجملة.
إن نتنياهو المسكون بالتاريخ، ونصوصه المقدسة، والذي لا تنقصه كل مشاعر الثأر والانتقام، قد لا ينسى أن مخيمي برج الشمالي والرشيدية احتاجا لفرقة كاملة لإخضاعهما، بعدما أبديا مقاومة شرسة خلال الاجتياح عام 1982، ومخيم عين الحلوة صمد لأسبوعين تقريباً، حتى سُمّي إسرائيلياً بـ "ماسادا" الفلسطينية، نسبة إلى القلعة الأسطورية في تاريخ اليهود. وقد تكون هذه المحطة دافعاً إضافياً للتهجير، الذي هو أمنية إسرائيلية، وليس حتمية، فإسرائيل ليست لاعباً وحيداً، وإن كانت مؤثراً.

الديمقراطية: هاجس استهداف المخيمات
مسؤول الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في لبنان يوسف أحمد يرى في حديثه لـ"المدن" أن "المخيمات الفلسطينية في لبنان كانت عرضة للاستهداف خلال كل الحروب الإسرائيلية التي شُنت على لبنان، وقد تعرض بعضها للتدمير الكامل كما هو حال مخيم النبطية في منتصف السبعينات. كما تعرضت الكثير من المخيمات إلى التدمير خلال فترة الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، إلى جانب استهداف قوات الثورة الفلسطينية آنذاك. وكان الاحتلال يهدف إلى التخلص من المخيمات الفلسطينية لما تمثّله من شاهد على جريمة التهجير".
أضاف "نحن معنيون بصمود المخيمات والحفاظ عليها، ودائما لدينا الهواجس من استهدافها لما تشكله، وشكلته، من بيئة حاضنة للمقاومة وعنواناً لحق العودة الذي يسعى الاحتلال لتصفيته بالوسائل كافة. ولهذا رفضنا قرار وكالة الأونروا بإغلاق مراكزها وعياداتها، خصوصاً في مخيمات صور، وبعض مخيمات بيروت، واعتبرناها خطوة ترفع الحماية عن المخيمات. خصوصاً أن هناك حوالي 25 ألف نسمة ما زالوا صامدين في هذه المخيمات، والأونروا مطالبة بتأمين الحماية".
ودعا "منظمة التحرير الفلسطينية، والقيادة الفلسطينية في لبنان، لوضع خطة وطنية تعزز صمود أهلنا في المخيمات. ومع ذلك نؤكد أنه كما صمدت المخيمات سابقاً ستصمد اليوم لتبقى شاهدة على اللجوء وحق العودة".

نتيجة ظروف محلية وإقليمية أصدرت قيادة الجيش في 22 أيلول 1955 أمراً عسكرياً تمنع سكن وتجول جميع "الغرباء" من المنطقة الواقعة على طول خطوط الحدود، وعلى مسافة عشرة كيلومترات ضمن الأراضي اللبنانية. كان المقصود الفلسطينيين، الذين بقوا في تلك المساحة القريبة من حدود بلادهم، حتى لا تُنهكهم رحلة العودة. بموجب القرار تم نقل 8800 فلسطيني إلى مخيمي تل الزعتر والبرج الشمالي بشكل خاص. ومنذ ذلك التاريخ لم يعودوا. والخشية جدية اليوم من أن يكون نهر الأولي هو الخط الجديد، لكنه ليس خطاً قدرياً، كما يردد فلسطينيون.