الحوامل وحديثو الولادة بمراكز الإيواء: معاناة يومية وغياب المستلزمات

نغم ربيع
الأربعاء   2024/10/30
لا خصوصية في مراكز الإيواء للنساء ولا مكان مخصص لإرضاع الطفل الحديث الولادة (Getty)
"كنت مجهزة أحلى جهاز لبنتي. تركتن وفليت". بهذه العبارة تلخص نزهة حالتها وهي التي تستعد لاستقبال مولودتها الأولى بعد شهر من اليوم. نزحت من شارع رويس في الضاحية الجنوبية إلى مبنى العازرية في وسط بيروت، بحثًا عن مكان أكثر أمانًا في ظل القصف الإسرائيلي المستمر.
نزهة التي بلغت الثلاثين من عمرها ينتابها الخوف الكبير على مولودتها التي ستبصر النور في مركز ايواء. تعبر عن بالغ قلقها من أن تواجه الطفلة حديثة الولادة مصيراً بائساً، فتفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الإنسانية الكريمة، وإلى الرعايا الصحية والطبية الواجب توافرها للوالدة والمولودة بعد الأسابيع التي تلي الولادة. بحسرة تفضحها نبرة صوتها، تفصح عن أولى أمنياتها كأم مستقبلية: "يا ريت بفلّ من غرفة العمليات على بيتي".

بين الخوف والقلق
تستحضر نزهة مشاهد الحرب في قطاع غزة، وينتابها الخوف الشديد من رؤية طفلتها تُواجه المصير نفسه الذي يعيشه أطفال غزة. فكل رجائها اليوم أن تُحقق لابنتها الحياة التي خططت لها سابقاً، وأن تتمكن من حمايتها من تبعات الحرب وآثارها المدمرة. 
قلق عميق يساور السيدات الحوامل اللواتي نزحن من منازلهن المهددة بفعل الحرب الإسرائيلية إلى مراكز الإيواء. تستعدّن لإستقبال مواليدهن في ظروف بالغة الصعوبة، صحياً وبيئياً واجتماعياً. واتجاه هذا الواقع، أعرب صندوق الأمم المتحدة للسكان عن قلقه البالغ إزاء سلامة 520 ألف امرأة وفتاة تأثرن بالحرب في لبنان منذ 27 أيلول، من بينهن أكثر من 11 ألف امرأة حامل بحاجة ماسة إلى الرعاية الصحية. 

ولا تخفف المساعدات أو الإعلانات الرسمية عن مساعدة هذه الفئات الضعيفة من المجتمع في مراكز الإيواء، من قلق النساء الحوامل. فقد سبق وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية أنها خصصت خطاً ساخناً (1787-1214) لمرضى غسيل الكلى والسرطان والحوامل للحصول على الاستشفاء اللازم بتغطية تصل إلى 100 بالمئة. لكن الأمر أبعد من فكرة الاستشفاء.

وتعبر جمانة دندش، النازحة من منطقة الليلكي، عن المعاناة والصعوبات التي تواجهها كامرأة حامل في الشهر السادس في مركز إيواء، وتقول: "الوضع صعب جدًا بشكل عام، لكنه يصبح أصعب بكثير بالنسبة لي كامرأة حبلى، خاصةً فيما يتعلق بالنوم والتدفئة. كما أن المراحيض المشتركة، مع عدد كبير من النازحين في المركز، تزيد من تفاقم المشكلة".

غياب أدنى المستلزمات
تشعر جمانة بالقلق والتوتر اليومي نتيجة الظروف المحيطة بها، حيث يؤثر ذلك سلبًا على صحتها النفسية وعلى الجنين. وتضيف: "من المفترض أن أقوم بفحوصات دورية وأن أزور الطبيب بانتظام، لكن للأسف لم أتمكن من زيارة الطبيب هذا الشهر بسبب الظروف الصعبة".

ولا تقتصر الأمور على معاناة نفسية وقلق من الوضع في مركز الإيواء، بل يذهب القلق إلى كيفية تأمين المستلزمات الأساسية للعناية بالمولود الجديد. فالنازحة دلال من برج البراجنة في الضاحية الجنوبية، وضعت ابنتها زينب في 25 تشرين الأول في مستشفى الزهراء. ثم عادت إلى مركز الإيواء الكائن في العازرية، وتؤكد أن المركز يفتقر إلى العديد من المستلزمات الضرورية للنساء الحوامل أو اللواتي وضعن حديثًا، وكذلك الأمر بالنسبة لحديثي الولادة أو حتى للأجنة التي تحتاج إلى متابعة وخدمات ومعدات معينة. وتقول دلال: "لم أتمكن من جلب كل جهاز العناية بالطفلة معي، لكن الأيادي الخيرة مدت لي العون. وقدم لي الكثيرون المساعدة من تأمين الملابس، والحليب، والأدوية، والحفاضات".

تتحدث عن وضع مركز الإيواء الذي "يفترق إلى مستلزمات للنساء اللواتي وضعن مولدهن". تشهق للحظات، يختنق صوتها، ثم تواصل حديثها: "منذ قليل، تمكنت من الحصول على فرشة مضغوطة قليلاً كي أتمكن من الجلوس على الأرض، وهو أمر بالغ الصعوبة  نتيجة العملية القيصرية التي خضعت لها".

مراكز الإيواء موطأ الرأس
أما الاعتناء بحديثي الولادة فأمر دونه تعب وقلق وحرج. ذاك أن غرف مراكز الإيواء تأوي عائلات عدة. فلا خصوصية ولا مكان مخصص لإرضاع الطفل. وتشرح دلال أنها تحاول إيجاد وسائل لتأمين غرفة خالية من الأبواب، لتجنب وصول الهواء البارد إليها ولتبقي ابنتها دافئة. وبما يتعلق بإطعام طفلتها ونومها فتقول: "لا يوجد سرير مخصص للبنت. تعودت وباتت تنام بجانبي على هذا الفراش الإسفنجي المسجى في الأرض. أما عندما أريد إرضاع الطفلة فيغادر الرجال إلى الخارج".

لقصص هؤلاء النساء وأطفالهن سوابق في حروب لبنان. فشيماء سرور، التي تنحدر من بلدة المنصوري (جنوب لبنان)، ولدت في 30 تموز 2006 في مركز إيواء في مدينة زغرتا حينها، نزحت عائلتها إلى زغرتا بسبب الحرب آنذاك، وكانت والدتها حاملًا بها. ولدت وتسجلت على إخراج قيدها أنها من مواليد زغرتا.

شاءت مأساة الحرب الحالية أن تعود شيماء إلى زغرتا نازحة هاربة من الحرب. غدت شابة وعادت إلى المدرسة التي ولدت فيها قبل 18 عاماً. عودة ليس طوعية لزيارة مسقط رأسها، بل بسبب ويلات الحرب... على أمل ألا يضطر الأطفال الذين يولدون حالياً في مراكز الإيواء للعودة إليها مستقبلاً كنازحين.