الخطر على حزب الله ومنه

يوسف بزي
الخميس   2024/10/24
الاعتراض على مواجهات "الإسناد" تحول إلى غضب لبناني شامل (Getty)

مع ابتداء مناوشات "الإسناد" و"المشاغلة"، التي قررها حزب الله، ربما اضطراراً وحرجاً أو حتى على مضض، أُجريت ونُشرت استطلاعات رأي في لبنان، منها ما ركّز على رأي المجموعات والكتل الطائفية، وأخرى استمزجت الشرائح الاجتماعية المختلطة، وبعضها اهتم تحديداً بوجهة نظر الجمهور الشيعي المتفاوت الصلة والقرب والتأييد لحزب الله. وأظهرت تلك الاستطلاعات أغلبية كاسحة معارضة لهذه المناوشات تحديداً، بما في ذلك ضمن الجمهور الشيعي.

وأكدت تلك الاستطلاعات ذاتها، الأغلبية المطلقة في معاداة إسرائيل، والانحياز إلى القضية الفلسطينية. لكن النسب تنخفض جداً تجاه "حماس" أو "الحوثيين".

مع ابتداء الحرب الفعلية منتصف أيلول الماضي، لم ينشر أي استطلاع رأي. لكن انفجار السجالات عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل يمنحنا تصوراً واضحاً جداً عن الرأي العام الغالب، يمكن اختصاره بجملة: العداوة لإسرائيل والخصومة لحزب الله. وهذا لبّ المأزق اللبناني.

ويمكن تشريح هذا الرأي العام، أولاً بوجود تأييد سياسي مبدئي لحزب الله من قبل معظم الشيعة. فضلاً عن تأييد مبدئي لـ"المقاومة" من قبل نسبة معتبرة عابرة للطوائف. إلا أن المسيحيين والسنّة والدروز، مضاف إليهم نخب اجتماعية واقتصادية وثقافية، يعبرون عن معارضة مزمنة تجاه الحزب وسياسته، وأثر سلاحه على الحياة العامة ودوره المؤذي للنظام السياسي وتوازناته.

ثانياً، بات واضحاً منذ منتصف أيلول، أي بعد فتح أبواب جهنم، أن الاعتراض على مواجهات "الإسناد" تحول إلى غضب شامل من "المأزق" الذي وقع فيه الحزب ولبنان. مأزق كارثي ومدمر. ولا يُستثنى من هذا الغضب معظم الشيعة، الذين هم في طليعة الذي تضرروا وتأذوا وذاقوا ويلات الغارات والتهجير والقتل.

في أقل من شهر، خسر الحزب الركائز التي استند إليها لشرعنة سلاحه: ردع إسرائيل عن أي عدوان، حماية الحدود (أو حماية لبنان). فيما ابتعد جداً مبرر تحرير مزارع شبعا (عدا الطريق نحو القدس)، وفشلت تماماً مهمة "الإسناد". أما الحجة التقليدية لوجود سلاح المقاومة في أن الجيش اللبناني ليس مسلحاً كفاية، أو ممنوع من الاقتدار على الردع، فقد سقطت أيضاً، بعدما برهنت إسرائيل (ومعها الولايات المتحدة) مجدداً أنها تتفوق عسكرياً على مجموع الجيوش العربية، وحالياً مضاف إلى هذه الجيوش الجيش الإيراني والحرس الثوري أيضاً، وسائر ميليشيات المشرق العربي واليمن. أما شعار "السلاح لحماية السلاح" المرفوع بعد العام 2008، فاستقر على نقيضه.

وأسوأ ما أصاب مجمل معادلات حزب الله، كمقاومة، التفريط بإنجاز التحرير عام 2000، والتفريط بالانتصار السياسي عام 2006. وهما الإنجازان اللذان منحا الحزب قوة معنوية وسياسية هائلة. وكذلك، انكشفت (ولو على نحو متأخر) فداحة خطيئة التدخل في الحرب السورية.
ولعل الأداء الإيراني، تجاه غزة أولاً ثم تجاه لبنان ثانياً، والذي تراوح بين التخلي والخذلان ثم المتاجرة، فالتدخل الوقح والمخزي الذي بدا وكأنه يسعى لتقديم الفلسطينيين واللبنانيين كأضاحي على مذبح الدفاع عن إيران.. أصاب سردية حزب الله بأضرار شديدة.

بمعنى آخر، يخوض حزب الله الحرب بلا حد أدنى من التأييد الوطني، خصوصاً أنه لم يستطع تسويق مقولة أن إسرائيل هي التي فرضت الحرب هذه المرة. ومقابل حال الحزب، نجد أن شعبية الحرب على لبنان عند الإسرائيليين بمختلف أطيافهم أعلى حتى من تأييدهم للحرب على غزة. وأيضاً، إذا كان هناك تعاطف أممي وعربي مع أهل غزة واستياء شديد تجاه إسرائيل نتيجة جرائمها في غزة، إلا أن هذا الرأي العام لا يبدي الانفعال ذاته تجاه لبنان، وأقرب لتصديق الرواية الإسرائيلية بأن الحرب ضد الحزب وليست ضد اللبنانيين. خصوصاً وأن الشطر الأوسع من الطيف السياسي اللبناني (وحتى على المستوى الرسمي) ينأى بنفسه عن حزب الله.

وربما لهذا السبب، يُظهر مسؤولو الحزب كما منصاته الإعلامية غيظاً متواصلاً تجاه الداخل اللبناني، ويبطنون الوعيد والتهديد ويلمّحون إلى التخوين على نحو مستمر. وهذا من دون إغفال جنوح فئات لبنانية وانحرافها في المخاصمة إلى حد الرهان على إسرائيل لـ"إنجاز مهمة التخلص من حزب الله".

لهذه الأسباب هناك خطر فعلي على الحزب، شبه المعزول. لكنه خطر قد يحوّله هو إلى تهديد جدي باستدارة السلاح نحو الداخل تحديداً، لعله بذلك يستعيد عصبية طائفية وبيئة خائفة تستشرس بالقتال إلى جانبه ضد العصبيات الأخرى.
وهذه استراتيجية جُربت مراراً، وللأسف كان نجاحها باهراً.