صفقة غزة: بوتين يتململ في مقعده

بسام مقداد
السبت   2024/09/07
إسرائيليون روس ينفذون اعتصاماً في تل أبيب للمطالبة بصفقة تعيد أسراهم (Getty)
يحبس الشرق الأوسط أنفاسه منذ حوالي أحد عشر شهراً بانتظار الصيغة النهائية لما أصبح يعرف بـ"صفقة غزة"، والتي يفترض بها أن توقف حرب إسرائيل على القطاع. وأصبحت أطراف الحرب كافة، المباشرة وغير المباشرة، "محرجة" أمام شعوب المنطقة التي تطالبهم بالإسراع في التوافق على صيغة ما للصفقة الموعودة. لكن حماس وإسرائيل رأتا في كل الصيغ التي اقترحتها الولايات المتحدة حتى الآن، أنها تقدم لكل منهما ما هو أدنى بكثير من الكلفة البشرية والمادية والسياسية التي تكبدها كل منهما. أما إيران والولايات المتحدة، راعيتا حماس وإسرائيل، فيبقى إحراجهما في الإطار السياسي والمادي، ولا علاقة مباشرة له بالخسائر البشرية: فلا الإيرانيون يقتلون في غزة، ولا الأميركيون يقتلون في إسرائيل. إيران محرجَة بتدبر أمر الرد على إغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية في عقر دارها، والولايات المتحدة يتزايد إحراجها مع اقتراب الإنتخابات الرئاسية.

أما روسيا، الطرف الخارجي الآخر الفاعل في المنطقة، فهي أيضاً "محرجة" من بقائها طيلة هذه المدة في مقاعد المتفرجين على الحريق الملتهب في المنطقة. وفي محاولة لمغادرة موقعها هذا، استدعت إلى موسكو خلال الأشهر المنصرمة، الفصائل الفلسطينية وبشار الأسد، وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس آخر من استدعتهم أواسط الشهر المنصرم.

بقيت روسيا تشجع اللاعب المشاكس إيران، وتدافع عن مواقفه طيلة هذه الفترة، إلى أن أتاحت لها الصدف، منذ أيام، فرصة لم تكن تتوقعها. فمن بين القنلى الستة الذين عثرت إسرائيل على جثثهم في أحد أنفاق حماس، كانت واحدة منها تعود لأحد رعاياها. وفي إطار حرص نتنياهو على التواصل مع ذوي القتلى للإلتفاف على تحركاتهم، أرسل إلى موسكو مستشاره العسكري الجنرال Roman Hoffman الذي ينتمي إلى "الشارع الروسي" الإسرائيلي للقيام بهذه المهمة.

تلقف الإعلام الروسي مهمة الجنرال الإسرائيلي في موسكو بترحيب واسع، وبنى عليها فرضيات، أقل ما يقال فيها بأنها مستغربة. فقد رأى فيها موقع mpsh.ru الروسي، دليلاً واضحاً على الفشل الدبلوماسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وأشار إلى أن إسرائيل، ولأول مرة بعد بدء الصراع في الشرق الأوسط، تلجأ إلى روسيا طلباً للمساعدة.

استهل الموقع نصه بالتوقف عند ما يعتبره حالات الفشل الأميركي في المنطقة. فرأى أن عملية "حراس الإزدهار" التي يقوم بها الإئتلاف الغربي بقيادة الولايات المتحدة ضد الحوثيين في اليمن، انتهت بفشل ذريع، إذ "لا سفينة أميركية واحدة في البحر الأحمر" الآن. وكان من المتعذر تصور مثل هذا الوضع قبل عشر سنوات. فمن كان ليصدق حينها أن يعجز الأسطول الحربي الأميركي على مدى عام عن قمع مقاومة الحوثيين.

ويشير الموقع إلى حشد "ثلث" القوات البحرية الأميركية في المياه القريبة من إسرائيل ولبنان في استعراض قوة تستهدف إيران وحزب الله وحماس، لكن "دبلوماسية البوارج" كشفت عن قصورها هنا أيضاً. فالغارات الإسرائيلية تتواصل، والجهود الدبلوماسية الأميركية لا تؤدي سوى إلى مزيد من التصعيد.

ويقول الموقع أنه، على خلفية الضغوط الخارجية غير المسبوقة على إسرائيل والنقاشات السياسية الداخلية حامية الوطيس، وصل الجنرال الإسرائيلي Roman Hoffman إلى موسكو مطلع الشهر الجاري. وينسب الموقع إلى "مصادر مختلفة" لا يذكر طبيعتها وهويتها، قولها بأن الإسرائيليين فقدوا الثقة في الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الولايات المتحدة ومصر وقطر. ويستدرك بأن هذا لا يعني أنهم شديدو الثقة بروسيا، لكن وقوفها جانباً وامتناعها عن الإدانات مرتفعة الصوت وعلاقاتها الوثيقة مع إيران، جعل تل أبيب تأمل في المساعدة في تحرير ولو قسم من الرهائن.

بعد أن يؤكد الموقع بأن روسيا وإسرائيل لم تتخذا خطوات فاقعة العداء تجاه بعضهما البعض، يقول بأن إسرائيل هي عميل أميركي نموذجي، والمساعدة الأميركية شرط أساسي لوجودها بذاته. ولذا، إذا "قدمنا" المساعدة، فستكون مشروطة بألا تتعارض مع مواقف إيران التي "نخطط" لإقامة حلف عسكري وإقتصادي وثيق معها. وتنفيذ هذا الشرط فائق الصعوبة، لكن إسرائيل خطت الخطوة من جانبها، و"الكرة في ملعبنا الآن".

وكالة "نوفوستي"، لم تذهب بعيداً في تفسير زيارة الجنرال الإسرائيلي، فنقلت عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إعلانه أن الجنرال Hoffman زار موسكو في عطلة نهاية الأسبوع للتحدث (مع من؟) عن صفقة إطلاق الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة. وكان نتنياهو قد أطلع ذوي الرهينة الروسي القتيل في إتصال هاتفي معهم، على زيارة الجنرال الإسرائيلي إلى موسكو لإطلاعهم على عملية تحرير الرهائن الآخرين.

الفرصة الأخرى التي أتاحت لروسيا إثبات وجودها في الإستعصاء الراهن في المنطقة، جاءت عن طريق الفلسطينيين. فقد نقلت وكالة تاس في 26 المنصرم، عن السفير الفلسطيني في موسكو عبد الحفيظ نوفل، قوله في مؤتمر صحافي، أن السلطة الفلسطينية طلبت من موسكو المساعدة في الإعداد لزيارة محمود عباس المفترضة إلى قطاع غزة. وتنقل الوكالة عن السفير الفلسطيني قوله بأن زيارة عباس، هي محاولة لبذل جهود جدية لوقف إطلاق النار في غزة. وأشار نوفل إلى أن الفلسطينيين طلبوا من جميع الشعوب "الشقيقة والصديقة"، بمن فيهم روسيا، إبداء الدعم لهذه الزيارة. كما توجه الفلسطينيون بطلب المساعدة إلى كل من مجلس الأمن الدولي والهيئة العامة للمنظمة الدولية (والإتحاد الأوروبي)، وشكلوا لجنة خاصة للإعداد للزيارة.

موقع Kasparov الروسي المعارض نشر في 4 الجاري، نصاً لأحد المدوّنين المعارضين، سخر فيه مما أشاعه إعلام الكرملين عن طلب إسرائيل مساعدة روسيا في تحرير الرهائن المتبقين لدى حماس. وفي النص الذي كرسه المدون Alfred Koch للحديث عن القصف الروسي لمدينة بولتافا الأوكرانية، وأسفر عن عشرات القتلى والجرحى المدنيين، خصص قسماً ضئيلاً منه للتعليق على ما ذهب إليه بعض إعلام الكرملين عن طلب إسرائيل مساعدة روسيا.

وتناول المدون ما يشاع عن أن نتنياهو، وعلى خلفية الإحتجاجات الواسعة ضد سياسته المتعنتة تجاه حماس، والتي تؤدي إلى مقتل الرهائن، توجه إلى بوتين بطلب المساعدة في تحرير الرهائن. وقال أن احوال نتنياهو سيئة للغاية، طالما أنه توجه إلى الشخص المتحالف علناً مع إيران وحماس. ويقول Koch أن من الصعب عليه أن يتصور أن بوسع بوتين المساعدة في هذه القضية، متسائلاً عن الوسائل التي بحوزته للضغط عل حماس وسواها. وقال بأن الأمور ستتوضح قريباً، وما إن كان التوجه إلى بوتين خطوة صائبة، أم أنه "إذلال لا معنى له ومضيعة للوقت".

موقع Detaly الإسرائيلي الناطق بالروسية نشر نصاً رأى فيه أن نتنياهو كان بوسعه الإعلان عن النصر الآن. وقال أن نتنياهو وقع في الفخ الذي نصبته له حماس وراعيتها إيران، ويواصل السير على طريق الفشل الإستراتيجي.

ينقل الموقع عن مقالة نشرها في مجلة Foreign Affairs الأميركية، كلٌّ من القائد السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية Amos Yadlin وGraham Allison من جامعة هارفرد، قالا فيها أن عقد "صفقة غزة" الآن من شأنه أن يكون نصراً إستراتيجياً لإسرائيل. ويعدد الكاتبان ما يعتبران أن نتنياهو حققه من نجاحات خلال الفترة الماضية، تكفي لإعلان النصر الآن. لكن بدلاً من ذلك، وقع نتنياهو في فخ حماس وإيران. واعتبرا أن إستراتيجية نتنياهو "النصر الكامل" تخدم أهداف إيران في جر سرائيل إلى حرب إستنزاف طويلة ومتعددة الجبهات.