في حرب عالمية ثالثة

شادي لويس
الأربعاء   2024/10/02
تثبت إسرائيل كفاءتها كوكيل استعماري في المنطقة (Getty)
الأحداث المتسارعة في المنطقة، بشكل لا يسمح حتى بالتقاط الأنفاس، تجعل من التحليل أو الاستشراف مهمات عسيرة. ولعل ما قد يعيننا ولو قليلاً، هو انتزاع أنفسنا من سخونة اللحظة الآنية والرجوع إلى الوراء قليلاً. وبالمثل، توسيع زاوية النظر فلا تكون مقتصرة على حدود الإقليم.

قبل أيام، قامت روسيا بتعديل عقيدتها النووية، لتشمل الرد بسلاح الدمار الشامل على تهديدات أوكرانيا باستخدام أسلحة حلف الناتو لضرب الداخل الروسي. الخطوة رمزية حتى الآن، حيث لم ترصد أي تحركات توحي بوضع الترسانة النووية في وضع الاستعداد. لكن الحسابات الخاطئة لطرف من الأطراف (على الأغلب الطرف الروسي)، في لحظة يأس أو لحظة هلع، قد تعني الضغط على زر يوم القيامة، مرة واحدة وقد تكون الأخيرة. الواقع أن الجحيم النووي ليس مجرد سيناريو افتراضي، الغرض منه التمرين النظري على قواعد الاحتمالات في السياسة الدولية. فبالفعل تعرضت المحطات النووية في منطقة الحرب الروسية-الأوكرانية، لقصف متبادل عدة مرات، بينما تبادلت الأيادي السيطرة عليها. ثمة حرب عالمية تدور، حتى وإن لم يقرّ أحد بذلك بعد. من جانب، يقف حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، وعلى الجانب الآخر، روسيا على خط النار المباشر، والصين التهديد الأكبر اقتصادياً يتم الاشتباك معها على أرضية حرب باردة متوقع لها أن تكون جيلية، ثم حلقة من الدول "المارقة" الأخف وزناً: كوريا الشمالية وإيران وبيلاروسيا. وهي جميعاً دول متهمة بشكل مباشر بمساعدة روسيا عسكرياً.

إلى جانب هذا كله، شكلت الدول الواقفة على السياج معضلة ولو معنوية للولايات المتحدة وحلفها. والحال أن دولاً كبرى تعتبر حليفة تقليدية للغرب، مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، رفضت المساهمة في عزل موسكو، سواء اقتصادياً أو دبلوماسياً. وبالمثل، في منطقتنا، انتهجت دول الخليج سياسة تسير على الحبلين. من جانبها، قدمت مجموعة البريكس بادرة لتحدي النظام المالي العالمي القائم. ولأول مرة يبدو ذلك التحدي واقعياً وممكناً، وإن كان يستلزم عقوداً لتفعيله. في أفريقيا جنوب الصحراء، انفتحت جبهة حقيقية للحرب في دول الساحل، فبفعل سلسلة متسارعة من الانقلابات العسكرية، تم إحلال القوات الفرنسية والقواعد الأميركية بحضور روسي عسكري شبه رسمي. أما توسع النفوذ الصيني اقتصادياً، فسابق على هذا كله.

بالضرورة تكون الحروب العالمية متعددة الجبهات. وبقصد أو من دون قصد، فتحتْ حماس بطوفان الأقصى جبهة شرق أوسطية للحرب المعولمة الدائرة في أوروبا، والممتدة ساحاتها إلى أفريقيا وآسيا بدرجات وصور شتى. على الأغلب، سعت حماس لاستدعاء حلف المقاومة إلى حرب على جميع الجبهات مع إسرائيل، أو تمنت ذلك. وهو ما بدى غير واقعي في البداية، لكنه تحول إلى حقيقة تدريجياً. والحال أن الانجرار لتلك الحرب الهرمجدونية، لم يكن بفضل حماسة محور المقاومة للقتال، بل على العكس راجع إلى حماسة الجانب الإسرائيلي للحرب، وهو المستعد لها جيداً، كما اتضح بجلاء في الساحة اللبنانية.

على خلفية التصريحات الأميركية الهزلية المحذرة من حرب إقليمية، ثمة حرب شاملة ومتعددة الساحات دائرة بالفعل منذ شهور وتتوسع وضحاياها بمئات الألوف بين قتلى وجرحى ومهجرين، تضم مع غزة والضفة ولبنان وإسرائيل، اليمن والعراق وسوريا وإيران. القصف شبه يومي على معظم تلك الساحات وفي بعضها على مدار الساعة. تشترك الولايات المتحدة بشكل مباشر وعلني في المعارك، في العراق واليمن على سبيل المثال، وبشكل غير معلن أو غير مباشر في جبهات أخرى. وتشارك بريطانيا، ضمن تحالف غربي في المعارك ضد الحوثيين.

في خضم تلك المعارك، تثبت إسرائيل كفاءتها كوكيل استعماري في المنطقة، وتطلق لها إدارة بايدن العنان، لا بقصد إعادة تشكيل الشرق الأوسط فقط، بل في إطار محاولة أميركية أوسع لضبط العالم الموشك على الانفلات، ولاستعادة هيبتها. وذلك باستخدام قوة مفرطة ومهرجانات من القسوة الاستعراضية. تغلق واشنطن الباب على سياسة الهيمنة عبر التوازنات الإقليمية، لصالح العنف العاري، بهدف إخضاع الحلفاء قبل الخصوم. ليس من المضمون أن تحقق تلك المحاولة أهدافها، ولعلها تقود إلى نتائج عكسية، لكن الأكيد أن الخراب الذي ستخلفه في المنطقة سيكون رهيباً.