قراءة روسية في اغتيال السنوار

بسام مقداد
السبت   2024/10/19
اغتيال السنوار أثار قلق الكرملين "الجدّي" (Getty)
اغتيال يحيى السنوار على يد الجيش الإسرائيلي أثار قلق الكرملين "الجدّي" من أعمال إسرائيل في الشرق الأوسط، لما تمثله من مخاطر على السكان المدنيين. فقد نقلت المواقع الروسية عن الناطق بإسم الكرملين دمتري بيسكوف إشارته إلى أن "إسرائيل تنفذ عملياتها"، والمهم "بالنسبة لنا" هنا، هي العواقب على السكان المدنيين التي تثير قلقه "الجدي". وفي رده على سؤال صحافي عن تعليقه على أن الاغتيال جرى على الهواء عملياً، قال بيسكوف بأن الإعلام الروسي يبث مثل هذا يومياً على الهواء مباشرة، وأرجع ذلك إلى التطور التكنولوجي. وسبق للمواقع الروسية هذه أن نقلت عن بيسكوف في 10 الجاري تحذيره من أن توسع جغرافية الصراع ستنقلب كارثة على الشرق الأوسط.

من الصعب أن تجد في كلام بيسكوف ما يميزه عن المواقف الأميركية المعلنة طيلة السنة التي مرت على حرب إسرائيل على غزة، والتي كانت تعبر دائماً عن "القلق" على مصير المدنيين الفلسطينيين الذين يقتلون بالأسلحة الأميركية التي تتواصل إمداداتها، وتدينها روسيا بشدة.

وكالة تاس نقلت في 18 الجاري عن خبير روسي قوله بأن اغتيال السنوار قد يدفع "القيادة المتبقية" لمنظمة حماس إلى الجلوس على طاولة المفاوضات مع الدولة العبرية. فقد رأى مستشار مدير المعهد الروسي للأبحاث الإستراتيجية Vladimir Fitin أنه، إذا صح ما أعلنته إسرائيل عن تمكنها من تصفية السنوار، فمن المرجح أن يوجه ذلك ضربة قوية لحماس التي فقدت بالتتابع عددًا من قادتها. ويرى أنه من غير المرجح أن تتمكن حماس الآن من توجيه أي رد عسكري جدي على إسرائيل بسبب جريمة القتل. فقدرة حماس العسكرية قد انخفضت بشكل كبير، وبوسعها شن هجمات فردية، "لكن ليس أكثر من ذلك".

وعن رد فعل الأطراف الإقليميين، رأى المستشار أنه سيكون تقليدياً، إذ أن "الجميع سيلعبون أدوارهم" المعهودة. فالعالم الإسلامي بأسره سيدين الاغتيال بشدة. والإدانة الأشد ستكون من جانب قطر وإيران. أما مصر ودول الخليج فقد تدين شفهياً، لكن من دون الإتيان بأي فعل، بل محاولة اتخاذ موقف حيادي ما.

صحيفة الكرملين VZ نشرت في 18 الجاري نصين متتالين، نقلت في الأول الذي نشرته ظهراً عن خبير روسي وصفه اغتيال السنوار بأنه "صدفة موفقة" لإسرائيل. وتساءلت في الثاني مساءً لماذا اغتيالات إسرائيل لقادة حماس لا تسفر عن شيء.

في النص الأول نقلت الصحيفة عن الخبير الإسرائيلي في العلاقات الدولية Simon Tsipis قوله بأن يحيى السنوار كان ملاحقاً من قبل العسكريين الإسرائيليين، إلا أن تصفيته كانت بمحض الصدفة، "وإن كانت صدفة موفقة" من وجهة النظر التكتيكية. فلم يجر التخطيط للعملية، ولم تكن هناك معلومات إستخبارية. وتصريح بايدن بأن المخابرات الأميركية ساعدت في البحث عن السنوار وتصفيته، "كان مبالغاً به بعض الشيء". ويقول الخبير أن المخابرات الأميركية تتعاون دائماً مع الإسرائيلية، وتتبادل واشنطن المعلومات مع إسرائيل "بقدر ما تسمح الإمكانيات". ولذلك، من جهة، لم يكذب الرئيس الأميركي، لكن، من جهة ثانية، عملية تصفية السنوار لم تكن نتيجة تعاون الطرفين، واستعجل بايدن في تسجيل العملية في قائمة إنجازاته.

ينفي الخبير الإسرائيلي إمكانية أن يخلف خالد مشعل يحيى السنوار في قيادة حماس لوجوده خارج قطاع غزة. ويتوقع له بعد سنوات أن يلحق به مصير سابقيه من قادة المنظمة. ويرى أن تصفية السنوار ستنعكس سلباً على مصير المفاوضات بين إسرائيل وحماس. ويعتبر أن الدولة العبرية تميل إلى الرأي القائل بأن المفاوضات التي لم تفض إلى نتيجة خلال سنة، لن تؤدي إلى أي نتيجة الآن. ويفترض أن الأركان العامة الإسرائيلية سوف تعمل على أن تتوقف حماس عن مقاومتها وتستسلم. كما ستقوم بمحاولات جديدة للعثور على أكبر عدد من الرهائن المدنيين والعسكرين لدى حماس.

نصوص الصحيفة تحظى بعشرات، بل مئات التعليقات أحياناً من قبل القراء. لكن النص الراهن لم يحظ سوى بتعليقين فقط. الأول سخر من الخبير، وتساءل ما إن كانت تصفية الرئيس الإيراني صدفة أيضاً. وقال بأن الصدفة حين تتكرر تتحول إلى نهج عمل. الثاني قال بأن الصدفة ليست عرضية.

نص الصحيفة المسائي تساءلت فيه لماذا لا تسفر تصفية قادة حماس عن نتيجة بالنسبة لإسرائيل. قالت الصحيفة بأن إسرائيل، تاريخياً كانت تستخدم ثلاثة طرق لتصفية زعماء أعدائها. الكلاسيكية منها تستخدم العملاء وتلجأ إلى وسائط مختلفة، من تفجير سماعة الهاتف إلى دسم السم، تلك هي طريقة الموساد. وتستشهد الصحيفة على هذه الطريقة بمحاولة الموساد تسميم خالد مشعل في شوارع مدينة عمان، وكيف انتهت غلى فشل ذريع.

أما الجيش الإسرائيلي، وعلى عكس المخابرات، لا يميل إلى هذه الوسائل. بل يستخدم الوسائل عالية التقنية لملاحقة تحركات الهدف، ومن ثم القضاء عليه بمتفجرة أو صاروخ أو الطيران العسكري.

بعد أن تشير الصحيفة إلى انتظار الصدفة كطريقة ثالثة في تصفية القادة الفلسطينيين، كما بالنسبة لتصفية السنوار، تنتهي بعد إسهاب طويل إلى الاستنتاج بأنه لو قتلت إسرائيل بضع عشرات من قادة حماس، لن يتغير شيء استراتيجي لصالحها. فالقناعات الفكرية والدينية الخاصة التي يعتنقها اليمينيون في المجتمع الإسرائيلي، تدفعهم مرة تلو الأخرى إلى قتل أعدائهم بدل العودة إلى المفاوضات.

موقع قناة التلفزة الأميركية currenttime التي تبث من براغ نشرت في 18 الجاري نصاً استعرضت فيه آراء عدد من الخبراء بشأن اغتيال يحيى السينوار. Lucas Webber، الاختصاصي بتقييم المخاطر في منظمة Tech Against Terrorism، قال بأن مقتل السنوار يشير إلى سرعة التبدل في الكادرات رفيعة المستوى في حماس، كما يشير إلى عمق العمليات الإسرائيلية في مجال الاستخبارات والسرعة في توجيه الضربات لدى العثور على الأهداف القيمة.

وقال الاختصاصي أن تصفية السنوار جاءت في الوقت الذي كانت تجدد فيه إسرائيل الهجوم على شمال غزة وتوسع العملية ضد حزب الله في جنوب لبنان. ويعتبره نجاحاً تكتيكياً لإسرائيل، حين تتم تصفية هدف على أهمية خاصة في الوقت الذي تحتاج فيه إلى الدعم الداخلي لتوسيع الحملة العسكرية. ويشكك في أن يترك مقتل السنوار تأثيراً على وقف الحرب في غزة. وعلى الرغم من أن السنوار كان يتمتع بخبرة كبيرة ويتبوء مكانة رفيعة داخل صفوف حماس وبين مؤيديها، لكنه لا يعتقد أن مقتله سيغير مسار الصراع راديكالياً. فحماس تواصل الحرب بعد مرور سنة على غزو قطاع غزة من قبل إسرائيل، والانتصار عليها لن يكون سهلاً. وقد يتطلب موت السنوار من حماس "بعض التغيير" في التوجه، لكن ذلك لن يترك تأثيره على سعي إسرائيل لتحقيق نصر حاسم في الحرب.

مدير  المركز التحليلي Century Foundation ومقره في الولايات المتحدة Thanasis Kambanis رأى أن من الصعب تقدير كيف سيؤثر موت السنوار على قدرة حماس البقاء في السلطة في غزة. قال بأنه لم تكن حماس وإسرائيل حتى الآن معنيتان جدياً بوقف الحرب. فالطرفان يعتبران أن من مصلحتهما مواصلة الصراع. وموت السنوار قد يغير الدينامية إلى الأفضل، إذ ستخلق بالنسبة لحماس إمكانية إما أن تستسلم، وإما أن تتوصل إلى تسوية ما عن طريق المفاوضات، التي لم تكن قيادتها معنية كثيراً بها حتى الآن.