مشروع موازنة سوريا لعام 2025: مؤشرات إيجابية معلّقة

إياد الجعفري
الثلاثاء   2024/10/15
يحاول النظام لملمة آثار سياساته في 2023 و2024 (Getty)
في ظل حالة عدم اليقين السياسي والأمني في سوريا وجوارها، يبدو من المستغرب أن تُصدِر حكومة النظام السوري مشروع موازنة توسعية للعام 2025، تركّز على زيادة الإنفاق العام، الاستثماري منه، بصورة خاصة.

لكن رئيس مجلس الوزراء التابع للنظام، محمد غازي الجلالي، ردّ على ما سبق، في تصريحاته حين الإعلان عن مشروع الموازنة، بالإشارة إلى أهمية التخطيط، "خلافاً لما قد يظنه البعض بأنه قد يتراجع أو ينكفئ في أوضاع عدم الاستقرار وفي بيئة يسودها الكثير من عدم اليقين".

أما الملمح الأبرز للرؤية الاقتصادية للفترة المقبلة، وفق ما تكشفه الأرقام الأولية المتوافرة عن مشروع موازنة 2025، هو إدراك النظام لمدى عمق القاع الذي وصلت إليه القدرة الإنتاجية في سوريا، جراء السياسات التقشفية والتقييدية والضرائبية، في السنتين الأخيرتين. فجاءت موازنة العام المقبل لتقدم رؤية معاكسة، ومسعىً لتدارك هذا الواقع والتخفيف من وطأته. وهذا تحوّل إيجابي، يجب الإقرار به.

وبالانتقال إلى الأرقام، فقد جاءت الاعتمادات الأولية لمشروع موازنة 2025، بقيمة 52.6 تريليون ليرة سورية، أي ما يعادل 3.5 مليار دولار، وفق سعر الصرف الرائج. أي بزيادة 34% (مقومّة بالدولار) مقارنة بموازنة 2024 التي قُدّرت حين إعدادها بنحو 2.6 مليار دولار. وهذه أول موازنة توسعية بعد موازنتين تقشفيتين للعامين 2023 و2024. وقبل أن يدفعنا ذلك للتفاؤل، نذكّر بقيود الواقع ومفاجآته. ففي موازنات العقد السابق للعام 2022، كانت القيمة الحقيقية (محتسبة بالدولار)، تتراجع، سنوياً. باستثناء موازنة 2022، التي عبّرت -حين إقرارها في خريف 2021- عن تفاؤل واضعي الخطط الاقتصادية حيال المسار المرتقب في العام التالي. وكان مرد ذلك التفاؤل حينها، يرجع إلى موجة الانفتاح السياسي من جانب دول إقليمية، على النظام، والرهان على انعكاسات اقتصادية لذلك الانفتاح. وهو ما لم يتحقق خلال العام 2022. وانعكس سلباً على صورة سياسات تقشفية قاسية على السوريين في العامين التاليين لذلك العام.

لكن، في الوقت نفسه، من المستبعد أن يكون النظام في معرض الرهان على انفراج سياسي ينعكس إيجاباً على الاقتصاد في العام المقبل. مما يطرح تساؤلات عن مصدر تمويل التوسع في الإنفاق المزمع في موازنة العام القادم. خصوصاً مع إشارة وزير المالية بحكومة النظام إلى تخفيض نسبة العجز في مشروع موازنة العام المقبل إلى 21%، مقارنة بـ 26% في موازنة العام الحالي. أي أن الاستعانة بالتمويل بالعجز من المصرف المركزي، ونتائجه التضخمية السلبية، ستنحصر في العام المقبل، وفق مخططات حكومة النظام. بل حتى إن اعتمادات الدعم الاجتماعي في مشروع الموازنة، ارتفعت بنسبة 23% -مقوّمة بالدولار- مقارنة بنظيرتها في موازنة 2024، لتصل إلى نحو 560 مليون دولار. أكثر من 90% منها مخصصة لدعم رغيف الخبز، والمشتقات النفطية. فكيف توفّرت إيرادات هذا التوسّع في الإنفاق؟

لا تجيب حكومة النظام على ذلك. بل حتى أن السؤال لم يُطرح في اجتماع المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي، الذي شهد إعلان مشروع الموازنة العامة، وخلا من أية نقاشات أو جدل بين ممثلي النقابات والاتحادات، وبين مسؤولي الشأن الاقتصادي بحكومة النظام. لذا، يبقى الجواب منحصراً في نتائج السياسات التقشفية التي اتبعها النظام في عامَي 2023 و2024، والتي شهدت نشاطاً مكثّفاً في جمع الضرائب والرسوم، تسبب بـ"تطفيش" الكثير من رؤوس الأموال المحلية، وإخراجها من عملية الإنتاج، أو حتى من عموم البلاد. لذا، كان ملفتاً تأكيد وزير المالية بأن مشروع موازنة العام 2025 لا يتضمن أي إضافات جديدة في الضرائب. ودعمتها إشارة رئيس مجلس الوزراء التي قال فيها، إن مشروع موازنة العام المقبل "يعطي رسالة مباشرة وواضحة إلى الشركاء الوطنيين، ولا سيما في القطاع الخاص الوطني بأن الحكومة تنظر بعين الشراكة الواسعة والبناءة مع هؤلاء الشركاء كافة..".

وبذلك، يحاول النظام لملمة آثار سياساته في 2023 و2024، وطمأنة القطاع الخاص، بأن سياسة لمّ الضرائب بعشوائية -من دون احتساب للعواقب، وفقط بغاية ملء الخزينة- لن تكون موجودة في العام 2025. وقد تكون تلك واحدة من نتائج عزل عقيلة رأس النظام، أسماء الأسد، ومكتبها الخاص، عن المشهد الاقتصادي. إذ أن "المكتب الاقتصادي" ذاك، كان رأس الحربة في عملية "بلطجة" على القطاع الخاص المتبقي في سوريا، ميّزت السنتين الأخيرتين بصورة فاقعة للغاية.

لكن تبقى مثالب أخرى لسياسات النظام الاقتصادية في السنتين الأخيرتين، من دون معالجة. إذ لم تكن السياسة الضريبية وحدها، السبب في انحدار الإنتاج في البلاد إلى قاعٍ غير مسبوق. فهناك السياسات التقييدية على صعيد سحب السيولة من البنوك ونقلها عبر المحافظات. وهناك القيود المبالغ بها على الاستيراد، وأثر ذلك على مدخلات عملية الإنتاج. ونتائج تجارة الكبتاغون على صادرات البلاد التي تتعرّض لتفتيش صارم على الحدود الأردنية. لذا تبقى المؤشرات الإيجابية التي احتواها مشروع موازنة العام الجديد، معلّقة، بانتظار انقلاب كاملٍ، وليس جزئياً، في عقلية الإدارة الاقتصادية، ومن خلفها، السياسية، في سوريا.