قاليباف يستعجل تعديل النظام اللبناني

نور الهاشم
الجمعة   2024/10/18
قاليباف في موقع الغارة الإسرائيلية على منطقة البسطة في بيروت (غيتي)
يتخطى النقاش حول ما أدلى به رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، صحة ما نُقل عنه أو التثبت من دقته، وهو جدل تلا مجموعة مواقف حاسمة، كان أبرزها من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مما استدعى توضيحاً من مسؤولين إيرانيين، نفوا فيه ما نُقل عن قاليباف...
 

فالتصريح المنسوب له علناً، لا يخالف المعمول به من نقاشات تنخرط فيها الدول المؤثرة في الشأن اللبناني، ويُفترض أن تبقى تحت الطاولة، منعاً لإثارة جدل شبيه بما جرى الجمعة، حين نقلت "لوفيغارو" عن قاليباف قوله إن طهران مستعدة للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1701. وتالياً، فإن أي نقاشات دولية، تجري خارج تغطية العدسات أو التسريبات، يجب أن تبقى "خارج التداول"، وخارج التغطية الاعلامية. 

جاء الرفض الواسع للتصريح المنسوب إلى قاليباف (قبل نفيه)، من اعتباره مساساً بالسيادة اللبنانية أولاً، وتدخلاً في الشؤون اللبنانية ثانياً، بما يعني "وصاية مقنّعة"، حسب تصريحات قوى المعارضة اللبنانية. وجرى إحباطها ببيان رئيس الحكومة، واستدعاء القائم بأعمال السفارة الايرانية الى وزارة الخارجية، حيث تم تطويق الأزمة. 

لكن اقتصار الرفض على ملفي السيادة والتدخل والوصاية، يعد إجتزاءً من صورة كلية لها مدلولاتها السياسية، تبدأ من الوصاية على "حزب الله" أولاً، وعلى الطائفة الشيعية، استطراداً، ثم، ثانياً، القفز فوق ممثلي الطائفة الشيعية في المؤسسات اللبنانية، وفي صدارتها القفز فوق دور رئيس مجلس النواب نبيه بري.. أما ثالثاً، فهو استعجال في الملف السياسي، عبر اقتياد نظام الحكم في لبنان، رجوعاً، إلى نظام "حكم القناصل" (1860 – 1918)، وذلك بطرح وصاية أجنبية مقنّعة (أو مكشوفة) على الطوائف اللبنانية، بالحديث المنسوب الى قاليباف حول "التفاوض مع فرنسا"!

ومع أنه لم يصدر أي موقف شيعي قبل احتواء التصريح المزعوم، رفضاً له أو تنديداً به، إلا أن رد ميقاتي، يتضمن حُكماً موقفاً شيعياً، كون "الثنائي الشيعي" ممثلاً في الحكومة، ذلك أن الموقف السياسي الشيعي اليوم، مؤيد لحراك الحكومة ومبادراتها، بدليل دعم بري لمبادرة ميقاتي في اجتماعات الهيئة العام للأمم المتحدة، كما أن "حزب الله" أكد تفويض بري بالتفاوض. 

ودعم موقف الحكومة حيال التصريح المزعوم، الذي يمكن أن يُقرأ على أنه رسالة، ينطلق من رفض شيعي بالتأكيد لإبعاد الطائفة اللبنانية عن المفاوضات، ووضع مستقبلها في عهدة طهران.

والحال أنه بمعزل عن دور بري الدبلوماسي، لا يمكن استثناؤه من تقرير المصير في لحظة حرجة وضبابية، وهو الذي يرأس أيضاً "حركة أمل"، الشريكة في تداعيات الحرب، من خلال معاناة ناسها، وعدد شهدائها من مقاتلين ومسعفين في الجبهة، فضلاً عن أن كتلتها النيابية في البرلمان، تكاد توازي كتلة "حزب الله"، وتعادل حصته في الحكومة... وتالياً، فإن القفز فوق تلك الوقائع، سيكون تدخلاً غير مبرر، وسيخلق الشقاق بين الطائفة وإيران، وهو ما يحاذره الطرفان منذ ثلاثة عقود على الأقل، سراً وعلانية. 

على أن تأويل التصريح المزعوم بالسياسة، يفضي الى أن هناك استعجالاً إيرانياً للتعامل مع تداعيات الحرب في الداخل اللبناني، عبر مقاسمة النفوذ، بالاتفاق مع دول أجنبية لا تزال تعتبر أن لها نفوذاً هنا، مثل فرنسا. علماً أن أي مقاربة من هذا النوع، تقود إلى إحياء مرحلة "حُكم القناصل" في القرن التاسع عشر، حين تبّنت فرنسا الموارنة، وانكلترا تبنّت الدروز، وروسيا القيصرية تبنّت الروم الأرثوذكس، وكانت السلطنة العثمانية تتبنى السنّة، فيما كان الشيعة بعيدين عن التأثير، لعدم وجود كتلة بشرية وازنة في متصرفية جبل لبنان. 

ومع غرابة هذه المقاربة لمعالجة الأزمة السياسية الداخلية في لبنان، في مرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية عليه، إلا أنها ليست جديدة، فقد ظهرت مؤشراتها بعد اشتعال الأزمة المعيشية والاقتصادية في لبنان في 2019، وتضخمت بعد المساعدات التي أُغدقت على لبنان بعد انفجار المرفأ، وما زال بعضها سارياً حتى الآن من خلال المساعدات الطبية والتربوية. 

وحتى تتبلور الصورة اللبنانية، في ظل استحالة تعديل "الطائف"، واستحالة اقتراح "مثالثة" على ضوء التوازنات الدولية والإقليمية والمحلية، يُنظر الى التفاوض على تنسيق دور الشيعة ما بعد الحرب، كأولوية كانت طهران تسعى للتعامل معها كـ"مهمة إيرانية"، قبل الرفض اللبناني الذي أعاد التفاوض الى المربع الحكومي الداخلي... رغم أن هذا التفاوض/التنسيق، في الواقع، لن يتخطى أي طرف دولي مؤثر، بما في ذلك طهران نفسها.