صرخة نائمة

عباس بيضون
الخميس   2024/10/24
"الحرب" للفنان الروسي الفرنسي مارك شاغال
كأن النهار ضرير
نصف ساعة عمياء غير مسموعة
تدقّ بانتظام
نصف نهار بلا عينين
معلق على الحافة
ضباب ليس ألا
ثرثرة في نهايتها
كل ذلك كان اسمالا
بقعة دم لا تزال حية
ماءً محجوزاً لا يتحرك
بقية وداع
عباءة وحيدة، شجرة بدون أغصان
وبذراع مرفوعة 
السر يحتاج إلى موعد
لقد تركوا أرديتهم وعيونهم
للثامن من كل وقت
تركوا أثراً من تحت العينين
من تحت اللحى 
تركوا أسماء لا تزال توشوش
نهرا يزداد ظلمة
لكن ليس للفراق ساعة
ليس هناك من يتذكّر
كيف دار كل ذلك
كيف ابتلعه الماء
كيف ألقي أمام الجميع
واجتازوه من دون أن يدركوا أين
يمكنه أن يعود واقفاً
يمكنه أن يتحرّر من كلمته
أن يعير اسمه
كان ذلك صمت أحصنة ومعارك
مجرد ديباجة تبحث عن قافية
الفراق أمام الباب
إننا نسمع بكاءه
نقترب من هذا الوداع الطويل
الذي قسم لنا
ذلك الفراق الذي نسيناه في الشمس
لا نعرف بأي ثوب نصل
ماذا سيكون اسمنا انذاك
اذ لا شيء يستمر
نسيانٌ يتسلسل دقيقة دقيقة
ذكرى واحدة تتقدّم من آخر الوقت
نسلم هذه البقية لأول الزمن
نفوسنا التي انتظرتنا هناك 
والفراق الكبير الذي لم يعدّها لنا
منذ متى خرجنا، منذ متى صرنا على الضفّة
أرسلنا ذلك الوحي، أرسلتنا تلك الومضة
وصلنا قمصان وعباءات
وصلنا قبل النهار، قبل الفسحة
اشجاراً بحجم الكف، هواءً قديماً، حطاماً فحسب
لحقتنا تلك الكلمات إلى مأوينا
كانت كبيرة علينا
أعمارنا كانت سأمنا المقيم
نفثنا ضجرنا في وجوه القوافل
كان لنا أيضا تاريخ
احجار ثقيلة سبقتنا إلى هناك
كانت فيها أيام الأسبوع
حروب كبيرة بقيت نائمة
أسماء من صخر
وليس هنا سوى هذا الرقاد غير المسموع
لكن الصمت وحده انفجر
وحده نقل هذه الموقعة
الصمت وحده ما فعلته القرون
التي ظلّت تكرره حتى مات
وها هو يلقي بأثقاله
كنا جزءاً منه وها نحن نصرخ
تلك المعركة التي لا تزال تتحطّم
مع صراخها
أين أنت أيتها الرسالة التي نسمعها
من داخلنا، هل تحتاجين إلى وقت وإلى صوت
هل يمكن أن يستمر الطلاق بالكلام
هل يحتاج الأمر إلى دم جديد
إذا توقفت الحفرة عن الغطيط
إذا بقي ظل أو ضوء للبقعة
إذا انجرح الصمت بدون نجيع
اذن يمكن لهذا الدمار أن يتكلم عنا
لهذه الحياة المسروقة وذلك العمر الأبكم
أن يكون لهما صوت
هل الدم وحده يملك ما يقول 
ربما نسمعه بدون أن يكون شجياً
ولن يغني لنا
ربما يمكن لبقعة قانية أن تستمر في السطوع
ربما يبقى لنا أن نحمل مجد هذا الصمت
في طريقه لأن يصبح تاريخاً
أن نعطي حجراً تلك القوة التي تنقصنا
أن نجعل من الفراق جرحاً
أن نجد له حقيقة
أن ننزفه من جديد
ان نجعله معادلاً لقصتنا
ربما لن يكون العنوان كبيراً هذه المرة
ربما لن نكون بعد ذلك المجد النائم
ربما لن تقتلنا جملة واحدة
لن نغفو من حكم أو قافية
ليس هناك من يوافينا في هذه المعركة
الدم يضيء نفسه فقط
الدم يتسمى بعد السقوط