مدير "مبادرة الإصلاح العربي" لـ"المدن":النخب اللبنانية أسيرة عقلية الصفقة

رشا الأطرش
الجمعة   2024/10/18
نديم حوري: "فشلت الدول العربية ما بعد الاستقلال في إيجاد نموذج اقتصادي والاستجابة لشعوبها وإدارة التنوع"

الحوار مع المدير التنفيذي لـ"مبادرة الإصلاح العربي"، نديم حوري(*)، في مكتبه المتواضع في باريس، يبدأ قبل تشغيل آلة التسجيل. السلام والتحية ينسابان إلى الشأن العام تلقائياً وبسلاسة تكاد تكون بديهية. مأساة لبنان وفلسطين تؤجج العاطفة، لكنها سرعان ما تحفّز الكثير من الأفكار والرؤى التي نبدو جميعاً بحاجة ماسّة إليها، اليوم قبل الغد. ونديم حوري، المحامي والباحث ذو الخبرة الطويلة والعميقة بالمنطقة، فيّاضٌ بتلك الأفكار والرؤى، الاستعادي التاريخي منها، والعمَليّ. هكذا، بدأ حوار "المدن" مع نديم وكأنما على غفلة، بربط ما يحصل في غزة ولبنان والمنطقة، مع تشخيص تركيبة الدول العربية المستقلة منذ الثمانينات، فسارعتُ إلى استمهاله ريثما أشغّل مسجّلتي...

- كنت بدأت بالحديث عن الدول العربية ما بعد الاستقلال...

* نعم، إذا أخذنا خطوة للوراء واستعدنا ما حصل منذ أواخر الثمانينات إلى اليوم، نرى أن الأزمة الحقيقية البنيوية بدأت في بلادنا والمشرق العربي مع فشل النموذج الأول من الدول المستقلة بعد الاستعمار والانتداب، كمشروع نهضوي اقتصادي. نتذكر مثلاً العراق وصدام حسين الذي، ليزيد نفوذه، فتح حرباً على إيران. ثمة أسئلة لم تستطع تلك الدول الإجابة عليها، دور الإسلاميين في الجزائر مثلاً، كما أنها لم تأتِ بنموذج اقتصادي، وهنا نستعيد مشاكل نموذج الاقتصاد السوري في الثمانينات. لم تستطع المنطقة ايجاد حل للقضية الفلسطينية، للحرب الأهلية اللبنانية،... كانت هناك إشارات إلى أن شيئاً ما في المنظومة يجعلها لا تستجيب لشعوبها، للتحديات الإقليمية. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، باتت هناك دول يتيمة بلا نموذج اقتصادي فاعل، حاولت إجراء إصلاحات اقتصادية لم تنجح، كما في مصر حسني مبارك (بعد أنواع أخرى من الفشل في عهدَي عبد الناصر والسادات)، ففي مصر، كل خمس أو ست سنوات، ثمة برنامج جديد لصندوق النقد الدولي، وكذلك في سوريا الأسد. هذا ما أوصلنا إلى الثورات العربية العام 2011، رغم التباين في الأوضاع الاقتصادية بين البلدان. فالوضع في تونس مثلاً لم يكن سيئاً، لكن رغم بعض الإصلاحات، لم تُلبِّ الدول تلبي آمال واحتياجات شعوبها. اكتشفنا أننا بحاجة لبديل.

- لماذا فشلوا؟ خطاب رؤوس الدول مدجج بكلمات مثل الحصار والامبريالية والمؤامرات...

* أسباب الانكسار متعددة، خارجية وداخلية. خارجياً، كان المشروع الصهيوني الإسرائيلي، خصوصاً بالنسبة إلى دول الجوار، تحدياً كبيراً لبلدان ما زالت تستقل وتبني اقتصادها، فدفعها في اتجاهات لم تستطع استيعابها، ومُنيت بخسارات 1948 و1967.. ثم جاء تحدٍّ جديد، أعني اللاعبين المُوازين للدولة أو غير المنتمين إليها  (non state actors). قبل العام 1967، كانت القضية الفلسطينية، قضية دول عربية، وبعد هزيمة 1967، قال الفلسطينيون سننظم أنفسنا، فأنشأوا منظمة التحرير الفلسطينية وغيرها، ومنذئذٍ دخل هذا النموذج إلى منطقتنا. صعدت منظمة التحرير في السبعينات، وواكبها فشل الدولة اللبنانية والدول العربية في الحد من مشروع اسرائيل العام 1982، ما أدى إلى صعود "حزب الله". ثم انتقل النموذج إلى سوريا والعراق واليمن. مجدداً، فشِل المشروع النهضوي المفترض أن تمثله الدول المستقلة، في الجزائر، ومع البعثيين في سوريا والعراق، وغيرها

- دول عسكر...

* نعم، وفشلت على المستوى الاقتصادي، لو استطاعوا أن يكونوا متل سنغافورة أو كوريا الجنوبية، ربما لم نكن هنا اليوم.

- في رأيك، الاقتصاد أهم هنا من الحريات والديموقراطية؟

* لا، كلها تسير معاً، لأن المشكلة في منطقتنا ليست فقط عسكرة المجتمع، بل تحولها إلى حُكم أمني للمجتمع، وهذا أسوأ، نراه في مصر اليوم. في سوريا، كان العسكر يحكمون في السبعينات، لكن عندما بات حافظ الأسد خائفاً، صارت المخابرات هي الحاكمة. العسكر لم يعد لديهم حتى مشروع عسكري يخوضون به حروباً ومعارك عظمى مثلاً، بل أصبحوا مشروعاً داخلياً، أي حكم المخابرات. في سوريا مؤخراً، ليس العسكر هو الذي قاتَل، بل كان المقاتلون فاعِلين مُوازين للدولة، شبّيحة وميليشيات. وهناك أيضاً سببان داخليان لانكسار دول ما بعد الاستقلال. أولاً، الإيديولوجيات التي أتت مع الاستقلال كانت إقصائية، لم تُدِر التنوع والغنى الموجود، وهذا نراه في المشرق والمغرب العربيَين. بعد 600 عام من الوجود العثماني، وفسيفساء، وإثنيات ولغات وطوائف، انتقلوا من الإدارة العثمانية التي، مع طغيانها، أعطت مساحة للأقليات، إلى أطُر أخرى، من بينها العروبة البحتة حيث لا مكان مثلاً للأكراد وتنوع الأديان، بل هوية مُسقَطة من فوق، ورأينا في شمال إفريقيا صعود حركات الأمازيغ وغيرهم، ولما بدأت هذه الدولة تفشل داخلياً، زاد القمع.

أما السبب الثاني فيتعلق بالإجابة على علاقة الدين بالدولة، وهذا التحدي الكبير برز بعد الثورة الإسلامية في إيران العام 1979، والتي دخلت على هذا السؤال الكبير من الباب الشيعي، وأعادت إحياء هذه الفكرة بعد فشل العروبة واليسار، فصعد الإسلام السياسي والإخوان المسلمون. حتى الحركة الفلسطينية التحريرية، انتقلت من يسار علماني، من حركة وطنية تحررية في سياق حركات التحرر العالمثالثية، إلى صعود حركات مثل حزب الله وحماس والحوثيين، خطابها تحرري لكن مرجعيتها دينية. ولا ننسى هنا مفصلية الاجتياح الأميركي للعراق في 2003. لذلك، كان العام 2011 لحظة يقظة ومطالَبة بأطُر أخرى. للأسف، كانت التحديات كبيرة، ثورات مضادة كبيرة، وأيضاً كانت حركات المعارضة ضعيفة بنيوياً، لم تُنظّم نفسها، وعُدنا ورأينا ذلك في أماكن أخرى في العالم مثل أميركا اللاتينية و"السترات الصفر" في فرنسا وحركة "حيوات السود مهمة" في أميركا. حركات قوية في التعبئة وطرح المشكلة، من دون أن تستطيع أن تكون البديل. نحن اليوم في مأزق وفراغ كبير. يقول غرامشي: "العالم القديم يموت، عالَم جديد يولَد، وبينهما تتكاثر الوحوش". نحن في البَين بَين.

- حسناً، لبنان مثلاً يحتوي على هذا التنوع، ورغم طريقته الطائفية المرتبكة والمعطوبة في إدارة هذا التنوع، إلا أنه وجد طريقة ما لإدارته، ومع ذلك لم يَسلَم...

* في رأيي، جزء من المشكلة يتمثل في اتفاق الطائف ودور النخب اللبنانية بعد انتهاء الحرب الأهلية

- تقصد بالنخبة أمراء الحرب؟

* ليس هؤلاء وحدهم. فبعد الاستقلال، كانت لدينا نخب سياسية تعمل بعقليّة الصفقات، يتصادمون ثم يجدون صيغة للتصالُح المصلحيّ. وهذا سمح للبنان بتجاوز بعض الأزمات، مثل حرب 1958. لكنه وصل أخيراً إلى تحديات أكبر، استعصت على الصيغة اللبنانية، مثل دخول القضية الفلسطينية إلى لبنان. بعد الحرب الأهلية، جاء أمراء الحرب الذين استمروا في ثقافة الصفقة أو الـdeal على أساس السَّحب من المركز، من دون أن ترافقها ثقافة بناء مشروع معين. كان الحُكم مبنياً على أن يتولى الوجود السوري العسكري بتّ الخلافات. بعد الخروج السوري في 2005، لم يتوافر بديل. بلد منقسم بين 14 و8 آذار، لم يتلاق أبناؤه على صيغة لإدارة الانقسام حول أسئلة جوهرية مثل دور سلاح حزب الله. أخيراً في 7 أيار 2008، فرَض حزب الله السلاح بالسلاح. غير أن لبنان الدولة لم يستطع التعايش بشكل كامل مع حزب الله. حتى عندما جاء حليف الحزب إلى سدة الرئاسة، العسكري ميشال عون، لم يتم التوصل لصيغة. بقيت المعضلة الأساسية: ما هي مقومات إعادة بناء الدولة في المشرق؟ وما دور المليشيات التي أصبحت دولاً داخل الدولة، في لبنان وفي العراق وسوريا وغيرها.

من جهة أخرى، هناك فراغ على المستوى الدولي. بعد العام 2003، ظهرت أميركا كقوة عظمى. بين العامين 2005 و2006، كان الكل يخشى الأميركيين، مبارك قام بإصلاحات، حتى بشار الأسد بدأ ينفتح. ثم فشل المشروع الأميركي، وآخر إشارة على ذلك كانت تهديد باراك أوباما بـ"الخط الأحمر" للكيماوي في سوريا، ومن بعدها بدأوا الانسحاب ودخل الروس. ويكتشف الأميركيون الآن أنهم لا يمكنهم الانسحاب كلياً، مهما أرادوا ذلك. لكن فعلياً، لا قوة ناظمة للمنطقة.

وإقليمياً أيضاً هناك فراغ، فالدول الثلاث النافذة في المنطقة هي دول غير عربية: إيران وتركيا وإسرائيل. وهناك فراغ في الساحات المحلية، كما في لبنان، سوريا...أحزاب فارغة، أزمات اقتصادية أدت إلى موجات تهجير، مجتمعات مرهَقة، معارك متتالية، وصارت النجاة فردية. لدى دخول أي وزارة لبنانية، يشعر المرء أنه ليس في وزارة، بل في مقر منظمة غير حكومية NGO. إذا توافر التمويل، ننفذ هذا المشروع أو ذاك. صارت المساعدات الإنسانية بديلاً عن بناء سياسة، وسياسات عامة واضحة، واقتصاد.

- تحدثت عن فشل النخب في أداء دور بنّاء بعد اتفاق الطائف، أو حتى بعد الاستقلال، اليوم نراها تتحرك مجدداً بحيوية مختلفة، إذا صح التعبير، وأحياناً بأصوات جديدة او بأصوات قديمة تعدّل خطابها، مثل الدفع في اتجاه القرارَين 1701 و1559 اللذين كانا، حتى وقت قريب، مصدراً للتخوين... ما رأيك في أداء النخب اللبنانية الآن، سواء الطبقة السياسية أو الفاعلين الآخرين؟

* لا شك في أننا نشهد الآن كيف أوصَلَنا فشل هذه النخب إلى هنا، وهي في تحركاتها الأخيرة ما زالت تطبق الأدوات نفسها، تتذاكى، تتلاعب، ما زالت بعقلية الصفقة. يتحدثون عن تنفيذ القرارات الدولية، لكنهم لا يخوضون في الأسئلة الصعبة: 1701 لم يطبق إلى اليوم، ماذا سيتغير ليُطبّق بالكامل وكيف؟ أي سياسة دفاعية؟ هل لدى أي من القوى السياسية تصوّر لطمأنة النازحين، أو البيئة الشيعية التي احتضنت المقاومة؟ ومن جهة أخرى، لطمأنة باقي مكونات البلد أيضاً، والتي ما عادت مستعدة لدفع ثمن حروب كهذه؟ لم أسمع أحداً من الطبقة السياسية، ومعهم بعض التغييريين، يقارب هذه الأسئلة: أي دور للشيعية السياسية اليوم؟ هل حزب الله هو مثل أحزاب لبنانية في الماضي امتلكت السلاح وسلّمته؟ أم أنه، بحُكم إيديولوجيته وإيمانه بولاية الفقيه، سيكون مختلفاً؟ ما هو نوع الحوار المتاح اليوم؟ يُحكى عن دور أساسي للجيش، لكننا نتذكر أن كل التعيينات تمّت بعقلية الصفقات الطائفية والزبائنية المعهودة. وماذا عن سؤال: أي جيش يمكننا أن نبني في ظل اقتصاد لا يستطيع دفع رواتب الجنود أو حتى نقلياتهم؟ أعتقد، للأسف، أنهم واعون بأنهم غير قادرين على معالجة هذه الواضيع، فيقولون إن الحل آتٍ بعد الانتخابات الأميركية، أو غيرها.. دائماً في انتظار "غودو" وحدث آخر يأتي بالحل، رغم أنه بات واضحاً لأي عاقل أن الانتخابات الأميركية لن تحل الأزمة، ولا حتى اتفاق ما بين الإيرانيين والإسرائيليين. ربما هذه أحداث تسهّل بعض الأمور، لكن هل هم مستعدون لمعالجة الأزمات الداخلية؟

التحدي الكبير أن العالم الخارجي يرى تلك الخزعبلات اللبنانية ويفهمها. ربما اللاعب الوحيد الذي كانت لديه خطة سياسية هو حزب الله، والآن سياسياً وداخلياً الحزب في مكان آخر، عنده معارك كبيرة جداً مع اسرائيل. لذلك أسمّي النخب اللبنانية، نخب الشعارات التي وصلت بدورها إلى بعض القوى التغييرية، وكنا قد رأيناها في مرحلة 14 آذار، كثقافة اللافتات في الطرق، ولمسناها في الانتخابات النيابية الأخيرة. نخب تتلفّظ بكلمات مثل سيادة وقرارات دولية، في حين أن مسؤوليتها هي الخوض في الأسئلة الأعمق وبلورة طروحات أوضح لتبني حولها اتفاقاً لبنانياً بالحد الأدنى.

- ما التأثير الأبرز داخلياَ، في رأيك، للحرب الحالية؟ تحدثتَ عن اقتصاد المساعدات الإنسانية والوزارات المتحولة إلى NGOs، هل يمكننا القول أن هذه الحرب بنازحيها وخرابها تكرّس ذلك أكثر؟ وهل من تأثيرات جذرية أخرى بالمعنى السياسي والاجتماعي؟ هل هي فرصة لاستعادة السياسة بعيداً من سطوة الميليشيات؟ أم أننا إزاء شرارة حرب أهلية جديدة؟

* سؤال مهم وصعب لأننا في عز حرب ضارية، وواضح أن إسرائيل هذه المرة لا تستهدف فقط المقاومة المسلحة لحزب الله، بل قررت ضرب ما تعتبره البيئة الحاضنة للحزب، مثل المؤسسات الطبية و"القرض الحسن" والتعاونيات، الخ...وهذا يمثل قطاعاً كبيراً من المجتمع اللبناني اليوم، وكان قد توسع بسبب ضعف الدولة اللبنانية وبأثر من مساعدات إيران، وبعض الدراسات يقول أن حزب الله بات مؤخراً ثاني أكبر مُشغّل أو رب عمل في لبنان بعد الدولة اللبنانية. هل نحن متجهون إلى مجتمع لبناني معتمد كلياً على المساعدات ويقوم على شكل الـNGO؟ أم أن هذه اللحظة تسمح بمشروع إعادة السياسة، أو سياسة التفكير في الدولة التي نريد بناءها؟ لا إجابة نهائية الآن، إنما هناك تصور أوّلي للسيناريو الأفضل، لن أقول أنه الأفضل لبناء دولة، بل سأستعير عبارة قالها لي الصديق الدكتور غسان سلامة أعجبتني كثيراً: "تكثيف الدولة" (densification of the state). فحزب الله الآن، وإلى حد ما الأحزاب الأخرى، في مأزق، لأسباب عديدة، ربما يسمحون، ليس بمشروع متكامل لبناء الدولة، بل بجُزُر داخل هذه الدولة، وهنا يجب أن ينصبّ تركيز المجتمع المدني والأشخاص الذين آمنوا بحراك 17 تشرين والذي يُحتفل هذه الأيام بذكراه السنوية الخامسة. بدلاً من الحديث عن بناء دولة من الأعلى للأسفل، لعلنا نسأل أنفسنا: ماذا بقي لنا من هذه الدولة؟ ماذا تبقى من قطاعات يمكن أن نحصّنها في ظل هذه الأزمة، لنبرهن أن الدولة في استطاعتها لعب دور أساسي؟

هناك في رأيي قطاعات ثلاثة: أولاً الصحة، وهو القطاع الذي بيّن، منذ أزمة كورونا وصولاً إلى الحرب الراهنة، أن الوزارة والوزير استطاعا لعب دور إيجابي، ومبنيّ باتأكيد على تعاون كبير مع قطاع الـNGOs والقطاع الدولي، ولعلهم نالوا ثقة المانحين الكبار واستطاعوا تقديم نتائج، وقد استطاع القطاع العام الصحي إشراك القطاع الخاص في لحظات الأزمات. أرى هنا ما هو مهم ويمكن البناء عليه، خصوصاً أن قطاع الصحة سيكون أولوية اليوم وغداً، ليس فقط في ما يتعلق بجرحى الحرب، لكن أيضاً لمَن يحتاجون علاجات طويلة ومتابعات صحية.

القطاع الثاني الذي أعتقد يجب التركيز عليه الآن، كخطوة لتحصين الدولة بما هو ممكن، هو قطاع التربية. للأسف في هذا القطاع، فوّتنا على أنفسنا فرصاً كثيرة، القطاع التربوي العام وضعه مُزرٍ، ضعف كثيراً، الأرجح أن تبقى مدارسه مراكز إيواء لفترة طويلة، ولم ينَل ثقة الجهات المانحة، بل على العكس فإن التجربة في ملف اللاجئين السوريين كانت سلبية. أعتقد أن هذا القطاع يمثل تحدياً، لكن من الممكن إحراز نجاح فيه حسبما تدل تجارب مصغّرة في المجتمع اللبناني وبالتعاون مع المغتربين، لكن المطلوب اليوم من الطبقة السياسية الحالية أن تسحب يدها، وهذا قابل للتحقيق تحت ضغط شعبي سياسي. هنا يمكن للدولة أن تؤمّن استجابة رسمية مع دعم الـNGOs والمبادرات الفردية والأهلية.

أما القطاع الثالث، فهو قطاع الإغاثة، والدولة في هذا المجال أمام امتحان كبير. حينما نتحدث عن السيادة، هذا هو المطلوب، وليس مثلما حصل العام 2006، حينما وزّع حزب الله الأموال نقداً على النازحين. في النهاية، على الدولة أن تقول: أنا موجودة، وأعتقد أننا الآن بصدد لحظة يمكن البناء عليها. نحن مُقبِلون على فترة معقدة جداً، تحديات داخلية وخارجية. أرى أن السيناريو الأفضل هو بناء قطاعات معينة، تحصين الدولة وتكثيفها قدر الإمكان، ثم نرى ما يُفتَح من مجال سياسي مختلف.

السؤال الكبير المطروح: ماذا سيكون الدور الداخلي لحزب الله بعد هذه الحرب؟ وهو سؤال لا أعتقد أن أحداً يملك الإجابة عليه الآن، لأننا لا نعرف بعد كيف ستنتهي هذه الحرب، وبأي مزاج سيخرج منها الحزب. الأمل ربما في قرار تاريخي من حزب الله، لن أقول "العودة إلى الدولة" وقد أصبحت المقولة شعاراً مُستهلَكاً، بل الأمل في أن تكون مكوّنات حزب الله مستعدة للمشاركة في بناء أو تحصين هذه الدولة. لن يكون ذلك سهلاً. ما البديل؟ لا أعرف إذا كانت الحرب الأهلية هي البديل المحتمل. لكن المؤكد، في حال الفشل، هو تقوقع مجتمعي، مع نوع من الأمن الذاتي، وعودة العصبيات. لا أعتقد أنها ستكون حرباً أهلية، لكننا قد نشهد حساسيات أمنية، وأعتقد أن هناك وعياً في لبنان لعدم الذهاب في هذا الاتجاه، لكن بشرطَين اثنَين: أن يستوعب المجتمع اللبناني الشيعية السياسية في مكان ما، وفي الوقت نفسه أن تستوعب الشيعية السياسية مخاوف باقي الفئات اللبنانية.

- أشرتَ قبل قليل إلى فراغ إقليمي، إلى جانب الفراغ الدولي والمحلي، وأن الدول الثلاث النافذة في المنطقة حالياً هي دول غير عربية: إيران وتركيا وإسرائيل. فهل  المشكلة هي في أنها غير عربية؟ أم في أجنداتها؟

* طبعاً المشكلة في أجنداتها، كل منها تعمل لمصلحتها.

- مثلاً، كانت سوريا دولة إقليمية نافذة ذات يوم، ولم يكن الوضع أفضل..

* تماماً، وكنا نقول أن مشروعها بدأ يفشل في الثمانينات، وهذا يعني أنهم غير قادرين على إعطاء شيء، حتى لشعوبهم. لا أقول أن الحل هو تقوية الدول العربية الحالية، لكني أشخّص الوضع. فشل الدول العربية في التصدي لموضوع إسرائيل، خلق الفاعلين المُوزاين للدولة، كما قلنا قبل قليل. منظمة التحرير صارت دولة داخل الدولة، المشروع الإيراني الشيعي القوي استُنسخ في العراق واليمن، وخُلق نموذج شبيه عند الإسلام السني وصل جنونه إلى "داعش". كل فكرة "تنجح" يتم تقليدها، لكن التقليد لا يكون طبق الأصل، يضاف إليه ويتغير السياق ونصل إلى مُنتج هجين. هل تذكرين خطاب "داعش" عن تدمير سايكس بيكو؟ هذا أتى من المخيلة الشعبية. والحال أنه دمّر سايكس بيكو، لا ليخلق دولاً أفضل، بل ليؤسس دولة إسلامية. أنا أرى كل هذه الأفكار مترابطة، فيما الاقتصاد يتعولم، والعالم المتطور يستثمر في التعليم، في الذكاء الاصطناعي، كل هذه العوامل المتنافرة تجعل المشهد أقرب إلى الخيال العلمي.

- نحن الآن، في الجهة المقابلة، ضحايا الخيال العلمي، نتلقى مصائبه، مثل الاختراقات الإسرائيلية الأخيرة، تفجيرات البيجر والاغتيالات..

* طبعاً، نعيش الآن الديستوبيا!

- أو نستورد التكنولوجيا للقمع الداخلي والرقابة..

* أكيد، وهذه الهشاشة مثلاً في لبنان تؤدي بالناس إلى التحصن بقبائلهم. التحدي هو: من أين نعيد البناء، وعلى أي أساس فكري، وبأي تحالفات؟ لا إجابة سهلة. ثمة من يقول أننا لا نستطيع فعل شيء قبل سقوط المشروع الصهيوني، وآخر يقول ننتظر سقوط المشروع الإيراني، نسمعهم كثيراً في لبنان. طيب ماذا عن الإصلاح؟ محاسبة رياض سلامة مثلاً؟ هنا الفشل الحقيقي للنخب، أي العجز عن تخيّل خط بديل. أي من هذين المشروعين لن يوصلنا إلى أي نهضة. أشبّه هذه اللحظة ببدايات انهيار الامبراطورية العثمانية. كانت هناك مجموعة فكرت في بديل عن العثمانيين والغرب.

- وقتها كان المشروع العروبي، وفشل..

* صح، لكني هنا لا أبشر بالنوستالجيا، العروبة السياسية صارت فارغة من محتواها. علينا إعادة البناء من مكان ما، وثمة بعض المعالم الواضحة لهذا المشروع، بمعنى أن يضع الإنسان في مركزه، لا القضايا الكبرى فحسب. ماذا نستفيد من تحرير فلسطين إذا مات كل الفلسطينيين؟ يجب أن نفهم ما يريده الفلسطينيون، وما يريده اللبنانيون. هذا لا يعني التخلي عن الصمود والمقاومة، لكن مع تحديد الهدف العملي لذلك. العروبة السياسية فشلت، لكن ماذا عن التكافل والتكامل على أسس وطنية، مثلما فعلت أوروبا؟ المنطقة العربية هي الأدنى مرتبة حالياً في ما يتعلق بالتجارة والروابط ضمن المنطقة الواحدة، ناهيك عن الخلافات والاحتكاكات المسلّحة أحياناً. نحتاج الفكرة أولاً. دولة تفكر في معنى إدارة التنوع، في معنى المواطنية. في لبنان، ثمة أشخاص من أصول فلسطينية أو سورية، ولدوا في لبنان ولا يعرفون غيره، ما مكانهم من الإعراب؟ هل فكّرنا؟ لا يكفي أن نقول أننا ضد التوطين، وماذا يعني ذلك فعلياً؟ لا يمكننا التفكير في مشروع لأربعة أو خمسة ملايين، فيما مليونان خارجه، وهم في لبنان. لا أطالب بالتوطين، لكن كيف أتعامل معهم كمجموعة بشرية مُقيمة؟ ماذا عن العدالة الاجتماعية؟ عدم المساواة تنتج الأزمات.

رأينا في 2016، في حراك "طلعت ريحتكم" اللبناني، أهمية الاهتمام بالبيئة. أنا أعتبر أن أهم ما في لبنان، ليس تاريخه، بل جغرافيته. التاريخ مرتبط بالجغرافيا. كل المتخيل اللبناني هو الجبل والبحر، والجبل كان معقل الأقليات، وفي الساحل ألوان أخرى، وبالتالي تاريخ التنوع والغنى. يلفتني مثلاً أنه رغم كل ما حصل في لبنان، لم نر أحداً يرفع علماً وطنياً غير العلم اللبناني، حتى الذين يسوّقون للفيدرالية! وذلك خلافاً لما حصل في بلدان أخرى كنا نراها وحدوية، مثل سوريا والعراق ومناطق الأكراد الخ...لا أقول أني أملك الحل، لكن يجب أن نفكر.

- هنا نأتي إلى المهمة التي تأخذها "مبادرة الإصلاح العربي" على عاتقها. كنت أتصفح برامجكم، والحقيقة أن كل ما تحدثت عنه يرتبط ببرامج في "المبادرة": الدور السياسي للشباب، مشاركة النساء، السياسة البيئية. ما هو دوركم العملي؟ تشبيك، أبحاث، ربط أكاديميين مع ناشطين وفاعلين سياسيين؟

* نقطة انطلاقنا بسيطة. وفي لحظة الفراغ هذه، كمركز أبحاث، دورنا أن نكون مساحة للتفكير في حلول للوصول إلى حوكمة سليمة وديموقراطية ودامجة للشباب والنساء وطاقات المجتمع. نقاربها بأسئلة ثلاث: أولاً، في ظل الفراغ كيف يمكننا إيجاد أفكار لبناء حوكمة صالحة، على مستوى بلدية، أحزاب سياسية، الخ...؟

ثانياً، أحد اسباب فشل الدولة هو أنها ما عادت تؤمن العدالة الاجتماعية للمجتمع، وكان ذلك أحد شعارات 2011. في الوقت نفسه، بعد 2011، حتى حيث نجحت الثورات في تغيير النظام، فإن الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية التي برزت، لم تقدم بدائل وسياسات. اليوم نجلس مع أحزاب ونسألهم مثلاً عن برنامجهم للضرائب، ولا نلقى إجابة. طيب كيف تتحدث عن عدالة اجتماعية من دون التفكير في القطاعات التي تريد بناءها؟ ما النموذج الاقتصادي الذي تريده؟ كيف ستبنيه، ومع من؟

ثالثاً، تاريخ المنطقة مرتبط بجغرافيتها. لا نستطيع التفكير في مصر من دون النيل، والعراق كبلاد ما بين النهرين، ولبنان والجبل والبحر. إذا قتلنا هذه البيئة، ماذا يبقى من البلد؟ لا بد من عدالة بيئية، البيئة كمشروع سياسي جزء من الهوية والاقتصاد.

نحن مساحة للأبحاث والتفكير. ربما لأكاديميين يمتلكون أفكاراً ويودون أيصالها لنشطاء أو مسؤولين سياسيين، وأيضاً نخلق مساحة لنشطاء حاولوا وربما فشلوا ويسعون للتفكير في الدروس المستفادة. نواكبهم ليقوموا بأبحاثهم أيضاً. مثلاً، استضفنا قبل فترة طبيباً سودانياً، كزميل غير مقيم، وهو كان ناطقاً بإسم تجمع النقابات المستقلة الذي لعب دوراً أساسياً وفاوض العسكر. أمضى سنة معنا، ونظمنا له لقاءات مع منظمات شبيهة، للتفكير في التجربة وتقييم النجاح والفشل. لدينا أيضاً شراكات أيضاً مع إعلام مستقل. في المجتمع المُتوخى، المرأة شريكة 100%. عبر أجندتنا البحثية ننظر مثلاً إلى العراق، حيث زادت نسب حضور النساء في البرلمان، لكنهن لم يأتين كمستقلات. الأحزاب السياسية زاد فيها حضور النساء، لكن هل أعطين سلطة حقيقية؟ هل تتخذ النساء قرارات أم أنهن فقط صف ثالث ورابع للتصويت؟ معنا أيضاً زميلة غير مقيمة، كانت وزيرة في تونس، وأتت من حزب "النهضة"(الإسلامي)، تحاول تفكيك التحديات االتي واجهتها داخل الحزب وفي السلطة. الأمر نفسه ينسحب على دور الشباب..

لكن الفكرة في حاجة إلى مَن يحملها، نحن لسنا حزباً ولا حركة اجتماعية. نعتبر دورنا الثاني هو خلق مساحات لمناقشة الأفكار بين الفاعلين ليبنوا على أساسها تحالفات محلية وإقليمية. مثلاً، ما الدروس المستفادة في لبنان والمغرب وتونس والعراق؟ هل يمكن تبادل التجارب لبناء تحالفات جديدة لتحصين بعضهم البعض؟ وعلى مستوى محلي، نحفّز تحالفات لتغيير سياسات. "سدّ بسري" في لبنان، نجح ناشطون في إسقاطه...بأي تحالفات؟ هل نستطيع البناء عليها لصالح قضايا أخرى؟

ومن جهة ثالثة، نحاول الاستفادة من وجودنا في أوروبا (باريس)، لإيصال الصوت. سياسات كثيرة في منطقتنا ترتبط بمؤسسات دولية كالاتحاد الأوروبي وصندوق النقد أو البنك الدولي. نحاول تقديم توصيات لهذه الجهات.

- لكن أليس ذلك كله في حاجة إلى حد أدنى من الاستقرار؟

* بخصوص بلدان تشهد حروباً مثل لبنان، أو حاجاتها كبيرة مثل الأردن، نخوض نقاشات موسعة مع منظمات الإغاثة الدولية الأبرز، وكالات الأمم المتحدة، مجلس اللاجئين النروجي والهولندي، وغيرها. نقول لهم: تنفقون الكثير على مشاريع، لكن ماذا تتركون خلفكم؟ المجتمعات تعتمد عليكم، لكن بلا بُنية تحتية أو حوكمة. إذا انسحبتم بسبب أزمة في بلد آخر، مَن في الدولة الأردنية أو اللبنانية قادر على استكمال العمل؟ نشتغل معهم، ونفكر معاً في كيفية ربط الخدمات بمشاريع تعاضد وتنمية بدلاً من الاقتصار على الإعاشات. في لبنان مثلاً، كلما نشبت حرب، يتصرف الجميع كأنهم فوجئوا بها، في حين أنهم في بلد يستلزم بناء السياسات على رمال متحركة. مثلاً، نظام تربوي يواكب بلداً في أزمة قد تستمر سنوات. ماذا لو أن المساعدات الإنسانية للتربية، استُخدمت بشكل فعال وحوكمة سليمة؟ حتى مع العدوان الاسرائيلي وأزمات اللجوء والنزوح المتكرة، كان يمكن للبنان أن يحظى بنظام تربوي قادر على التأقلم بطريقة افضل.

- نعم، لو أن المساعدات لم تُهدَر أو تبتلع أقنية الفساد جزءاً كبيراً منها...

* صحيح، مثلاً الأموال التي أُنفقت على الطلاب السوريين، ماذا لو أُنفقت على إنعاش القطاع العام التربوي؟ لاستيعاب الطلاب السوريين، لأن لهم الحق في التعليم في لبنان، لكن أيضاً لإعادة بناء القطاع كله. مخيف حجم الأموال التي تبخرت هدراً، واليوم حتى مراكز الإيواء تشكل تحدياً.

- المشكلة أن الفساد، بمواجهة المشاريع، أقرب للتسونامي الدائم منه إلى رمال متحركة

* لذلك، التغيير صعب، حجم التحديات هائل، والأمر بحاجة إلى حلفاء ضمن المجتمع المدني والمسؤولين. مثلاً في ملف التربية، أين دور لنقابة المعلمين؟ للحلفاء داخل الوزارة؟ الأحزاب السياسية التي تعتبر نفسها تقدمية أو إصلاحية؟ الإعلام؟.. كلها "بازل"، التشبيك يتيح لهؤلاء جميعاً الضغط. "مبادرة الإصلاح العربي" وحدها لا تستطيع أن تجمع الكل، لكنها تخلق لهم مساحات للكلام ومعاينة تجارب أخرى.

نشهد اليوم أزمة بنيوية، خصوصاً في لبنان وسوريا وفلسطين واليمن... في لبنان كنا في أزمة اقتصادية، والآن الحرب تهز الجميع، تتعب حتى فريقنا والشبكات، لكني دائماً أقول لهم أن علينا التفكير على طريقة ألعاب الفيديو، الفشل لا يجب أن يعيدنا إلى نقطة البداية، بل إلى المستوى السابق. ربما نفقد جزءاً مما أنجزناه، بحسب مسار الحرب الراهنة وخواتيمها، لكننا لا نريد العودة إلى الصفر.

- والآن في الذكرى الخامسة للحراك، نرى نوستالجيا شباب 17 تشرين الذين لم يتعافوا من الصفعة، يشعرون أنهم عادوا إلى الصفر

* صحيح، لكن لا بد من إجراء مراجعة للتعلّم. لسنا في وارد التنظير، عليهم هم الكلام عن أنفسهم، لتحديد مكامن النجاح والفشل. منذ أيام "طلعت ريحتكن"(2016)، وسعوا التحالفات وتوسعوا، إلى أن انقسم الحراك حول موضوع حزب الله. لم يتمكنوا من القول أنهم يختلفون هنا، لكنهم يتفقون على أمور أخرى، ولم تكن هناك رؤية اقتصادية، تجادلوا حول اليبرالية وغيرها... هل كانوا مجبرين على حل تلك العُقَد في تلك اللحظة؟ لم يقولوا: نحن متفقون على أننا مختلفين في هذه النقطة أو تلك، لكننا متفقون الآن على بناء دولة، قطاع تربوي مثلاً، لسنا مضطرين للاتفاق على اليسار واليمين الآن، يفترض أن الجميع ضد الفساد ويمتلك تصوراً للاصلاح، فلتقُم تحالفات على المتفق عليه راهناً. هذا ما منحاول العمل عليه كـ"مبادرة إصلاح عربي" لديها أحلام للعالم العربي، ولبناء دولة عصرية. الثورات العربية وصلت إلى حائط سدّ الطريق، لكن التشخيص كان صائباً. التغيير أكثر تعقيداً بكثير من تطيير مبارك أو بن علي.
_________________________

(*) نديم حوري هو المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي. قبل الاتحاق بالمبادرة، عمل في منظمة "هيومن رايتس ووتش" لمدة 13 سنة، السنوات العشر الأولى قضاها في تأسيس وإدارة مكتبها في بيروت، ثم تولى مهام مدير برنامج مكافحة الإرهاب. أثناء عمله في "هيومن رايتس ووتش"، اشتغل على مواضيع تهم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا سيما لبنان وسوريا ومصر والعراق والأردن،  كحرية التعبير، حقوق العمال، وانتهاكات أجهزة الأمن. أنجز حوري العديد من البحوث في مناطق النزاع، وركّز على مواضيع الحوكمة والمساءلة. وقبل "هيومن رايتس ووتش"، عمل حوري في الأمم المتحدة كنائب مستشار في لجنة "فولكر" التي قامت بتحقيقات بخصوص تهم الفساد ضمن برنامج "النفط مقابل الغذاء" في العراق.