على حافة المزبلة

رأي علي سعد
الأربعاء   2024/09/04
© Getty
ينطلق رئيس وزراء إسرائيل من قناعة أساسية يمكن عبرها فهم سيكولوجيته و"الفنتازم" الدموي الذي مارسه في قطاع غزة، وينقله الآن إلى الضفة الغربية. الموت يحل كل المشاكل. عبر هذه القاعدة، أصبح مقتل أكثر من 50 ألف فلسطيني، وسيلة "مشروعة" لبلوغ غاية سياسية إسرائيلية، قديمة متجددة.
والموت هنا لا يشمل الفلسطينيين فقط، بعض الإسرائيليين أفضل أن يموتواً أيضاً. عشرات الأسرى المحتجزين في قطاع غزة، يقفون حجر عثرة، يؤرق مشروعه النهائي. هكذا قام بقتلهم في 7 أكتوبر، ثم استهدفهم مع الفلسطينيين بالطيران الحربي، والباقون يدفع باتجاه التخلص منهم، ولو نزل كل الإسرائيليين إلى الشارع.

هكذا يبدو بنيامين نتنياهو، مخلوق هشّ بحمض وراثي غير إنساني، من غير لحم ودم. ليس له عائلة أو أصدقاء، إلا من شرب من كأس الدم نفسه، أو تنافس معه وإلى جانبه على قتل ما تبقى من فلسطينيين. مخلوق غير قادر على إشباع غريزة القتل لديه، بغض النظر عن الأسباب وأساليب الفتك، ونتائجها.
ينتمي نتنياهو إلى طائفة من القتلة المتسلسلين، يسمون زعماء إسرائيل، منظّرهم ثيودور هرتزل، وأول قادتهم دافيد ين غوريون ومناحيم بيغن وغولدا مائير، وصولاً إلى شيمون بيريز وأرييل شارون وإيهود أولمرت. طائفة تحدَّد مصير زعمائها في تاريخ إسرائيل الدموي، بين قادة عظماء، وبين منبوذين وُضعوا في مزبلة ذلك التاريخ نفسه.
والمقارنة بين النوعين لا تقوم على أي معيار إنساني، سياسياً كان أم عسكرياً. تجمع بينهم رغبة القتل وسفك الدماء، وتفصل بينهم النتائج. من "انتصر" منهم، بالمفهوم الصهيوني للانتصار، رُفع مقامه. ومن خسر، نُبذ وهُمّش، ونُشر على الملأ، عبرة.

يقف نتنياهو في الوسط. يحاول التوازن فيما يمشي مضطرباً على خيط رفيع. تشدّه المزبلة نحوها، بينما يحاول إمالة ثقله إلى الجهة الآخرى من "الزعماء". كلما اقترب من المزبلة، استشاظ غضباً، وتمكنت منه غريزة القتل أكثر، فيقتل المزيد من الفلسطينيين. وكلما مال إلى الجهة الثانية، وسّع مجال الرؤية لديه، لبنان وإيران وسوريا واليمن. لما لا يكون هو على رأس "قائمة الشرف الدموية".
تناوب زعماء إسرائيل على البطش بالفلسطينيين، قتلاً وتشريداً وسجناً وتعذيباً. بنوا دولة كاملة على أفكار إرهابية، ونزعات تفوّق آتية من حكايات خرافية. "دولة" كان نتنياهو زبدة إنتاجها. حولوا فلسطين التاريخية إلى سجن كبير، كل غرفة فيها سجن إفرادي، متخصص في هدم الإرادات مهما بلغت صلابتها، ولم ينجحوا بعد. كلما زاد إجرامهم، خرج من تلك الغرف طفل يحمل حجراً، أو شاب يمتشق سلاحاً، وأحبطوا بالدم أيضاً تلك المخططات. والفرق شاسع بين الرغبتين.
لكن نتنياهو في حيرته واضطرابه، يكاد يتفوق على أسلافه بينما يسير على الخط الرفيع ذلك. وهو وإن تلقى الصواريخ من كل الجبهات، لكن في لاوعيه إصرار على اجتياح كل الجبهات تلك. تراه يراكم أسباب الحرب في كل مكان، بشكل يحيّر الإسرائيليون أنفسهم، غير القادرين على استيعابه، رغم اقتناع أكثر من 40% به، بحسب ما تبين آخر إحصاءات الرأي المنشورة.

وإذا كانت شعبيته عادت للارتفاع، بفعل التغير النوعي والمكاني في طبيعة الاستهدافات، فإن الزعامة لم تستكِن له بعد. سجله لا يزال خالياً من "انتصار" حقيقي، يصرفه في صندوق الانتخابات ولاية إضافية وأخيرة ربما، يتوج في نهايتها ملكاً لإسرائيل. هو يعرف ذلك الطريق جيداً، ويخترع كل الأسباب الموجبة لسلوكه.
في نهاية النفق الذي تسير فيه المنطقة، ينظر نتنياهو بعيداً إلى إيران، يمر بصره على كامل المحور الذي شكلته. يرى الكثير من الصواريخ، لكنه يرى أيضاً الكثير الكثير من الدماء، وهو شرِه.