العراق: المنافسة بين الشركات.. تقلب حياة العمّال السوريين كابوساً

محمد الشيخ
الخميس   2024/09/05
تنشط العمالة السورية بعدد من القطاعات، أبرزها الأفران والمطاعم (Getty)
تحوّلت المنافسة بين الشركات والمصانع في العاصمة العراقية بغداد، إلى كابوس يقضّ مضاجع العاملين السوريين فيها ويهدّد حياتهم، وذلك بعدما صارت الحملات الأمنية للشرطة العراقية ضد العمالة غير القانونية، والتي تنتهي بالترحيل لمناطق النظام السوري، تقوم على "الإفساديات" من قبل أرباب الأعمال المتنافسين.

إفساديات أمنية
وتحتل العمالة السورية غير الشرعية، قائمة الأولويات لدى السلطات العراقية، والتي دقت في مطلع أب/أغسطس ناقوس الخطر من أجل مكافحتها. وبحسب مدير وزارة "الشؤون الاجتماعية والعمل العراقية" كاظم العطواني، فإن العمالة السورية تخلق تحديات كبيرة، معطياً مهلة لأرباب العمل حتى أيلول/سبتمبر حتى تصحيح أوضاعهم.
وبالرغم من تصريح المسؤول المكرر سابقاً من قبل مسؤولين في الحكومة العراقية، واصل أرباب العمل توظيف السوريين غير الشرعيين في شركاتهم، مستغلين وضعهم القانوني لعدم منحهم رواتب مجزية تقابل عدد الساعات الطويل لعملهم، وسط رفضهم الشروع لتصحيح أوضاعهم، لعدم دفع الغرامات الكبيرة.
وتنشط العمالة السورية بعدد من القطاعات، أبرزها الأفران والمطاعم. ويحتل السوريون مراتب متقدمة في عدد العمالة غير الشرعية في العراق، ولا توجد إحصائية دقيقة تخصهم، بينما يشير العدد العام للعمال الأجانب غير المسجلين لدى الحكومة العراقية، إلى زهاء المليون عامل.
ويقول مدير مخبز في بغداد، سوري الجنسية، إن الرشاوى التي كانت تدفع للشرطة العراقية من قبل أرباب العمل، لم تعد تجدي نفعاً لغض الطرف من قبلها عن العمالة غير الشرعية في الشركات والمصانع، وذلك بعدما تحول المشهد بين الأرباب المتنافسين العراقيين إلى "إفساديات" أمنية تصل للشرطة، تتبعها عمليات دهم أماكن نوم العمال السوريين واعتقالهم، ثم ترحيلهم.
ويضيف المدير لـ"المدن"، أن مشهد البلاغات الأمنية عن أماكن نوم العمال السوريين، "تحول إلى مشهد شبه عام"، يقوم به أرباب العمل المتنافسين ضد بعضهم، بهدف إلحاق الضرر بالمنافس، وجعله يتأخر عنه، بتحييد العمالة السورية الرخيصة والتي عادة ما تشكل عنصراً فارقاً بالمنافسة.
ويوضح أنه خلال الأسبوع الماضي، دهمت الشرطة العراقية عدة أماكن يخصصها أرباب العمل للعمال السوريين، اعتقلت على إثرها العشرات منهم، وحوّلتهم إلى دائرة الشؤون القنصلية في بغداد، تمهيداً لترحيلهم قسراً. ويلفت أن مداهمة واحدة أسفرت عن اعتقال 20 عاملاً من مخبز "جذع النخلة" في منطقة الدورة في بغداد.
ويؤكد أنه لدى مراجعة الشرطة العراقية للاستفسار ومحاولة إخراج الموقوفين، تبيّن لأصحاب العمل أنها كانت "نتيجة للبلاغات الكيدية من منافسيهم"، لكن وقع ضحيتها العمال السوريون. ويشير إلى أن صاحب العمل يحاول التدخل بصفته واسطة، إذ غالباً ما تكون منامات العمال السوريين بعيدة عن موقع العمل، لإخلاء نفسه من المسؤولية القانونية.

ترحيل قسري
ويتشابه المشهد بعد نهاية المداهمات واعتقال العمّال السوريين، إذ يتم تجميعهم في مركز احتجاز جماعي، تمهيداً لترحيلهم إلى سوريا، دون الأخذ بالاعتبار التهديدات الأمنية التي قد تتعرضهم بعد ترحيلهم لمناطق النظام السوري.
وفي تقريرها الأخير الصادر أواخر حزيران/يونيو، انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" عمليات الترحيل التي تقوم بها السلطات العراقية بحق اللاجئين السوريين لديها. وقالت المنظمة إن السلطات في بغداد وأربيل "احتجزت ورحّلت تعسفاً سوريين إلى دمشق وإلى أجزاء من شمال شرق سوريا تسيطر عليها القوات التي يقودها الأكراد"، وذلك على الرغم من حيازة بعضهم للوثائق القانونية. وأكدت أن المرحلين سيتعرضون لخطر يهدد حياتهم في حال وصلوا لمناطق النظام أو مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد.
ويقول شقيق أحد المحتجزين في حملة الأسبوع الماضي في بغداد، إن شقيقه يواجه خطر الترحيل لمناطق النظام بعد أيام على اعتقاله. ويضيف لـ"المدن"، أن شقيقه تعرض للاستغلال من قبل صاحب المخبز الذي يعمله به، إذ وعده بتسوية وضعه بعد قدومه بشكل غير شرعي للعمل في منطقة الرصافة، إلا أن تلك الوعود تبخرت بعد قدومه، إذ عمل لثلاث سنوات بشكل غير شرعي، حتى يوم القبض عليه.
وناشد جميع المنظمات أن تتدخل للإفراج عنه، خصوصاً أنه من المنشقين عن قوات النظام، وقدم لإربيل من لبنان بعد سنوات من العمل هناك، قبل أن يغادرها مع اشتداد الأزمة الاقتصادية والحملات الأمنية المماثلة من قبل السلطات اللبنانية ضد اللاجئين السوريين. ويلفت إلى أنه في أحسن الأحوال، يتكفل صاحب العمل العراقي بالكفالة للعامل، دون التدخل في دفع الغرامات وكلفة استخراج الوثائق القانونية، والتي تصل إلى 4000 دولار في المرة الأولى لمدة 5 سنوات مع دفع 300 دولار سنويا للتجديد، مشيراً إلى أنه مبلغ ضخم مقارنة براتب العامل، والذي يبلغ في المتوسط 600 دولار أميركي شهرياً.
ويؤكد أن أماكن نوم العاملين السوريين في بغداد، تحولت كابوساً يقض مضاجعهم، خوفاً من عمليات الدهم والاعتقال ثم الترحيل لمناطق النظام.