الأحد 2024/11/17

آخر تحديث: 11:43 (بيروت)

نازحون بمراكز الإيواء يزاولون العمل: "لنشعر أننا ببيتنا"

الأحد 2024/11/17
نازحون بمراكز الإيواء يزاولون العمل: "لنشعر أننا ببيتنا"
بدأ النازحون بالتأقلم مع أوضاعهم الجديدة في مراكز النزوح ظناً أن الحرب ستطول (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
في إحدى زوايا مركز إيواء معهد بئر حسن كانت زينب جابر منهمكة بإعادة ترتيب بعض المعلبات والبضائع البسيطة على رفوف صنعتها لافتتاح متجر صغير في المركز. وسط تلك الرفوف التي تحتوي على معلبات وسكاكر وخُضر، لبيعها لأقرانها النازحين، جلست هذه النازحة من ضاحية بيروت الجنوبية، تحكي سيرتها: "نحن عائلة من عشرة أفراد. فقدنا جميعنا عملنا بسبب النزوح. والأوضاع صعبة، وبدنا نعيش". هكذا بدأت جابر حديثها عن متجرها الصغير الذي افتتحته في مركز الإيواء.

في مراكز الإيواء وخارجها
وسط الحاجة الملحة للأمان والمال، قررت جابر ألا تقف مكتوفة الأيدي، قائلة: "نحن في منطقة بعيدة عن أي شيء، والمركز يضم عدداً كبيراً من النازحين، والأطفال "يستحلون"، ففكرت بفتح دكانة كوسيلة للاستمرار من خلال تلبية الحاجات".
منذ قرابة الشهرين، اضطرت آلاف العائلات إلى ترك قراها ومنازلها بحثًا عن الأمان، ليتوزعوا في 1163 مركز إيواء بين المدن والقرى. ومع مرور الوقت، بدأت تترسخ لديهم فكرة أن الحرب ستطول، وأن عليهم التأقلم مع أوضاعهم الجديدة. ومنهم من راح يمارس نشاطاً تجارياً في مركز الإيواء، كحال زينب، ومنهم من دبّر عاملاً خارجه.
يدرك النازحون أنهم لا يستطيعون الاتكال على المساعدات فقط، ومع طول أمد الأزمة، بدأ البعض منهم البحث عن فرص عمل. هادي حلّال، النازح من حبوش في النبطية إلى ثانوية حلبا، كان يعمل ككهربائي قبل النزوح، وبعد حوالى شهر من إقامته في المركز، بدأ بتقديم خدماته في مجال إمدادات الإنترنت. ويقول حلّال "في النهاية، لا يمكنني أن أبقى جالسًا، الوضع غير معلوم متى ينتهي، وعندي أهل بحاجة لدعمي". ويضيف: "عرضت خدماتي عندما علمت أن هناك من يحتاج إلى عامل في المنطقة، وتم الترحيب بي". ورغم تحديات النزوح، يظل الأمل رفيقه، حيث يقول: "عندما تنتهي الحرب، سنرجع إلى منطقتنا ونواصل العمل من جديد".

التأقلم مع المكان
التعود على المكان سمة هذا النزوح الذي طال أمده. وقد راحت النسوة تنشغل بترتيب مساحات خاصة في غرف مراكز الإيواء، لتصبح بيتاً دائماً. فرغم بساطة غرف الإيواء وضيقها، تحولت هذه المساحات إلى ملاذٍ دافئٍ و"بيت" مؤقت، لا سيما بالنسبة للنساء اللواتي اجتهدن في إضافة لمساتهن الخاصة، ليخلقن بذلك شعورًا من الاستقرار وسط واقع تغمره الضبابية والمجهول.
في مدرسة ليسيه عبد القادر، وعندما طلبنا الحديث مع بعض النازحات، استقبلننا بابتسامة وقال معظمهن: "تفضلي على البيت لنتحدث". تلك العبارة البسيطة أثارت الفضول حول شعورهن بالمكان. نسأل زهراء ترحيني، إحدى النازحات من الجنوب عن الأمر، فتقول: "نحاول قدر الإمكان أن نتأقلم مع الوضع الجديد، باعتبار الغرفة هنا بيتنا. ظننا أننا سنأتي يومين ونعود، لكن الآن بدأنا الشهر الثاني على التوالي. لذا نحاول بما جلبناه معنا، وبما قُدم لنا أو توفر هنا، أن نضيف لمستنا الخاصة لنشعر بانتماء أكبر لهذا المكان، فلا يبقى غريبًا علينا، بل يصبح وكأنه بيتنا".
بعض النازحين راحوا يمارسون مهنهم السابقة في مراكز الإيواء سواء لمساعدة النازحين أو حتى لكسب بعض المال. النازحة من منطقة الشويفات إلى مركز العازارية هناء مسلماني قررت متابعة مهنة التعليم وعدم البقاء مكتوفة اليدين. فهي قبل النزوح كانت تعلّم في مدرسة في شويفات. وتقول: "الأطفال قاعدو لا يقدرون على الدراسة أونلاين، ولا يذهبون إلى المدارس. وعلينا ألا ندع أي شيء يوقف طموحنا أو طموح الأولاد. ولا يمكننا الاستمرار من دون تعليم، علينا التأقلم مع الحالة". ورغم الضغوط، أضافت هناء أنها أوجدت طريقة لإضفاء بعض الترفيه على الأطفال من خلال التعاون مع نازح آخر في المركز كان يعمل كمدرس رياضة في إحدى القرى الحدودية. وتقول "قررت أنا وزميلي محمد برّي مساعدة الأطفال من خلال أنشطة بدنية والترفيه عنهم وسط هذا الواقع الصعب".

سنظل نشعر أننا نازحون
أحمد عطوي، حلّاق نازح من الضاحية الجنوبية، قرر أن يحوّل مهنته إلى وسيلة للإعانة والتسلية في آنٍ واحد. عطوي كان يعمل في صالون قبل أن تدفعه ظروف الحرب إلى النزوح، وجد في مبادرته فرصة لتخفيف وطأة الوقت ولتأمين دخل بسيط له. ويقول: "الهدف الأساسي كان التسلية. لم أجبر أحدًا على الدفع، ولم أحدد مبلغًا معينًا. كل شخص يدفع حسب استطاعته، وبعضهم لم أطلب منهم شيئًا". 

على جانب آخر، وجد بعض النازحين في مواهبهم وهواياتهم متنفسًا ومساحة للعون وسط هذه الظروف القاسية. حسين عفيف، أحد النازحين في المعهد نفسه، قرر تخصيص يوم الأحد ليكون "يوم الحلاقة"، حيث يقدم خدمات الحلاقة للأطفال والشباب مجاناً. يتحدث عفيف عن فكرته ويقول: "أنا سائق تاكسي، ولدي هواية الحلاقة، جاءتني الفكرة خوفًا من انتشار القمل كما حصل في بعض المراكز الأخرى". وبفضل دعم أحد المتبرعين الذي قدم له ماكينة حلاقة ثانية، بدأ عفيف هذه المبادرة التي أصبحت محطة للترفيه والشعور بروتين الحياة السابق. ويختم عفيف: "إذا لم نفعل ما نحبه، سنظل نشعر أننا نازحون. منذ شهرين ونحن هنا، ويبدو أن الوضع سيطول. هذه وسيلة لنشعر أننا في بيئتنا وبين أهلنا". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها