الأحد 2024/10/13

آخر تحديث: 12:05 (بيروت)

"شيعة-فوبيا": النازحون يدفعون ثمن العدوان مرتين

الأحد 2024/10/13
"شيعة-فوبيا": النازحون يدفعون ثمن العدوان مرتين
فرضت "الشيعة- فوبيا" نزوحاً متكرّراً (Getty)
increase حجم الخط decrease
بالإمكان إطلاق مصطلح "الشيعة-فوبيا" حيال الخوف الذي تبديه بيئات عدة من النازحين. فبعد أن كان التضامن معهم عنوان المرحلة حتى أيام قليلة ماضية، مع فتح آلاف مراكز الإيواء وتأجيرهم الشقق في شتى المناطق اللبنانية، فرضت متغيرات الحرب شروطها، بفعل توسيع إسرائيل ضرباتها في مناطق النزوح في بيروت وجبل لبنان. وعليه، يدفع النازحون ثمن الحرب مرتين: مرة بتهجيرهم من منازلهم، ومرة بخوف البيئات التي احتضنتهم، من إيوائهم، خشية توسّع رقعة الحرب لتطالها. فلم يعد النظر الى النازحين إلا كبنك أهداف مطارد من آلة القتل الإسرائيلية. 

لبنان 2024 ليس لبنان 2006
إدخال حزب الله لبنان في جبهة إسناد غزة، وتفرده بقرار الحرب والسلم من خارج الدولة، لم يمنع اللبنانيين من التمييز بين موقفهم من الحزب وموقفهم التضامني الوطني مع النازحين، لناحية استقبالهم في مراكز إيواء أو تأجيرهم شققاً في مختلف المناطق اللبنانية. لكن منذ استهداف اسرائيل شقة في الكولا في العاصمة بيروت، بحجة اغتيال مسؤولين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، منذ أيام، بدأت "النقزة" من النازحين. وبدأ تهامس جيران النازحين بسؤال "من تراه يسكن بجوارنا؟".

والحال أن استراتيجية "فوبيا النازحين"، التي تعمل عليها اسرائيل، تهدف لتوسيع نطاق الحرب وتبرير ضرب مناطق لبنانية غير ذات أغلبية شيعية، وهو ما قد يخلق نزاعات لبنانية داخلية تحتاجها اسرائيل وتسعى إليها. وبيئات استقبال النزوح تواجه هاجس توسع رقعة الحرب لتطالها. وهذه البيئات بغالبيتها كانت ضد إقحام لبنان في الحرب وضد سلاح حزب الله وخياراته السياسية. وهي لن تسرّ بطبيعة الحال، بدفع ثمن تلك الحرب.

الطرد لأسباب سياسية
كل هذه المخاوف، ازدادت في الأيام الأخيرة مع استهداف اسرائيل لمدنيين نازحين في كيفون والوردانية، وورود إنذارات إخلاء كاذبة لمناطق استقبلت نازحين، ما جعل "الشيعة- فوبيا" تتوسع لتطال مستأجرين قدامى في منازلهم الآمنة.

وتروي نهى (اسم مستعار) قصتها لـ"المدن". فهي مستأجرة منذ سنوات في سن الفيل، وبعد نزوح أهلها، استأجرت لهم غرفة مجاورة لها.

لكن فرحتها بتأمين مكان آمن لهم لم تكتمل. تقول "أمهلني صاحب الشقة لآخر هذا الشهر، كي أخلي له غرفة أهلي المستأجرة حديثاً، بحجة أن الجيران يخافون من أن يكون أحدهم مسؤولاً في الحزب ومطلوباً من قبل اسرائيل. وكأن كل شيعي مسؤول في حزب الله أو حتى مؤيداً له".

"بفل معن أنا كمان؟" ردّت نهى على صاحب الشقة، محاولة تذكيره بأنهم ببساطة "مش قاعدين ببلاش"، لكن جواب صاحب الشقة كان: "إيه فلّي معن".

وبعد أن كانت نهى تبحث لأهلها عن مأمن، باتت هي وأهلها اليوم بلا مأمن، في ظل شبه استحالة إيجاد منزل يأويهم، للسبب نفسه الذي طردوا على أساسه. وإن وجدت، فعليها دفع مبلغ خيالي لتأمين سقف يحميها وعائلتها.

الطرد لأسباب تجارية
إلا أنّ النازحين لم يقعوا ضحية طمع أصحاب الشقق المفروشة بإيجارات خيالية تصل إلى 1500-2000 دولار للشقة، مستغلين حاجة النازحين المُلحّة لإيجاد شقق للإيجار وحسب، بل أيضاً وقعوا ضحية تجار فجار، وصل بهم الحال لطرد مستأجرين من شققهم المؤجرة منذ زمن، ليؤجروا مكانهم نازحين بأسعار خيالية، تصل لعشرة أضعاف سعر إيجار الشقة. وعندما يصدف أن يكون هؤلاء المطرودين من الشيعة، يصبحون كغيرهم، نازحين قسرا ليس تحت وطأة الحرب بل تحت وطأة مفاعيلها.

أحد ضحايا هذه الأساليب، سامي وعائلته (إسم مستعار). في روايته لـ"المدن" يتحدث سامي عن طرده وعائلته من الشقة التي كان يستأجرها في عاليه منذ سنوات. فمع ارتفاع أسعار الإيجارات، طمع صاحب المنزل بأسعار الإيجارات في الحرب، وقرر أن يستثمر في منزله.

يقول سامي: "وضعني صاحب الشقة أمام خيارين، إما أن ندفع 2000 دولار ثمن إيجارها المستجدّ، أو أن أخليها له، وكان هذا بمثابة إعلان طردي وعائلتي من الشقة، التي كنت أدفع إيجارها 200 دولار شهرياً، لكنه اليوم قادر على تأجيرها بعشرة أضعاف، مستفيداً من الأزمة".

وما صعّب من أزمة سامي وعائلته، أنّ منزل أهله في الضاحية سوّي أرضاً. فأصبح أهله نازحين من العدوان الإسرائيلي. أما هو وعائلته الصغرى، فباتوا نازحين تحت نير مفاعيل تلك الحرب.

الخوف من الاغتيالات وإنذارات الإخلاء الكاذبة
مناطق إيواء النزوح بدورها، كانت محطّ استهداف إسرائيليّ، ما جعل الخوف من استقبال النازحين يتصاعد، سيما بعد استهداف نازحين في كيفون ومركز إيواء في الوردانية. أما الخوف من اغتيالات لمسؤولين يختبئون في شقق سكنية، فارتفع بعد استهداف اسرائيل لشقة في الكولا في بيروت منذ 10 أيام، فيما وصل لذروته مع استهداف مبان في رأس النبع وبرج أبي حيدر منذ أيام.

سيرين (اسم مستعار) وهي من سكان سن الفيل، رفضت إيواء عائلة صديقتها النازحة من صور، خشية من أن يكون أحد أفراد عائلتها المنتسبين للحزب، "مشروع اغتيال محتمل".

وخوف سيرين والعشرات غيرها، ليس سياسياً وحسب، بل أمني أيضاً. في السياق، تقول "المنطقة اكتظت بالسكان، وبعض النازحين يركنون سياراتهم في مواقفنا الخاصة ما يسبب نزاعات فردية".

وصحيح أن لسيرين منزلاً في المتن قادرة على المكوث فيه للابتعاد عن أصوات قصف الضاحية التي تسمع بوضوح، لكنها تخشى من ترك منزلها خالياً في أوضاع أمنية مضطربة، فيتعرض "للسرقة أو خلعه من قبل نازحين أو حزبيين" فتفضل البقاء في بيروت.

أما في الطريق الجديدة، حيث قصفت الكولا منذ أيام، فاختار سمير (اسم مستعار) الجمع بين الكسب المالي وضمان عدم استهداف منزله في آن. في السياق، يقول لـ"المدن": "لقد خابرت أحد معارفي في جهاز أمني وتأكدت من أن العائلة التي أجّرتها لا علاقة لها بحزب الله سياسياً أو عسكرياً".

هذه الروايات فردية، إلا أنها تتكرر مع أشخاص آخرين بشكل يومي. لكن أخطرها هو إنذارات الإخلاء الكاذبة، التي يجني أصحابها على النازحين. وهذا ما حصل في مشروع الأرز في بليبل -قضاء بعبدا، بعد إنذار إخلاء كاذب، كلف النازحين طردهم من المشروع بأكمله.

شيعة لبنان و"الشرق الأوسط الجديد"
هكذا فرضت "الشيعة- فوبيا" نزوحاً متكرّراً، والمشكلة أنّه لا شقق متاحة للإيجار وإن وجدت فبأسعار خيالية.

وبين حاجة النازح لمكان آمن، وخوف مناطق النزوح من تحويل لبنان إلى غزّة ثانية، لجأ بعض أهالي البقاع والجنوب والضاحية، للنزوح إلى سوريا والعراق.

وعلى الرغم من قصف إسرائيل معبر المصنع الحدودي، لم يتوقف النزوح اللبناني إلى سوريا والعراق براً، وبعضهم يسير لساعات سيراً على الأقدام.

وتفيد معلومات "المدن"، بأنّ القنصلية اللبنانية في سوريا، تقدم تسهيلات للبنانيين النازحين، سيما وأنّ الآلاف منهم لم يتمكنوا من إحضار جميع أوراقهم الثبوتية، لهروبهم من القصف في ظروف مأساوية.

وساعدت قرارات الحكومة العراقية في نزوح لبنانيين إليه (راجع "المدن")، كدخولهم إليه على الهوية في حال لم يكن لديهم جواز سفر. كما خصصت 3 مليار دينار الى وزارة الهجرة والمهجرين العراقية لتقديم الخدمة إلى "الضيوف اللبنانيين". واقترح رئيس مجلس محافظة النجف على مجلس النواب العراقيّ "استثمار الكفاءات العلمية اللبنانية النازحة كل حسب اختصاصه وحاجة البلد".

وغالبية النازحين من الشيعة، حيث يؤمن لهم الحشد الشعبي، بيوتاً جاهزة، منفصلة، تتركز في البصرة والنجف، ما يزيد الخوف من "تهجير" شيعي لبناني نحو العراق وسوريا، تكون أولى دلائله محاولات جر لبنان إلى اقتتال داخليّ أو نبذ للمكون الشيعي. فحرب غزة كما حرب إسنادها، تهندسان اليوم وجه "الشرق الأوسط الجديد" غير معروف المعالم بعد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها