الثلاثاء 2024/10/01

آخر تحديث: 13:06 (بيروت)

طفلة الست سنوات: لم يبق أحد ليُقتَل في صُوْر!

الثلاثاء 2024/10/01
طفلة الست سنوات: لم يبق أحد ليُقتَل في صُوْر!
صاروخ دمّر تسعة منازل في الحي الفقير في صور (حسين سعد)
increase حجم الخط decrease
كانت مدينة صور الشريان الوحيد والرئة التي يتنفس منها أبناء الجوار، في زمن السلم والحروب والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، عبر عقود طويلة من الزمن. لم تعد حالياً في حلتها المعتادة، بعدما أتت الحرب قاسية جداً عليها.

ذابلة وحزينة
في بدايات حرب الإسناد والدعم لغزة، قبل حوالى العام، تحولت مدينة صور، إلى حضن دافئ للنازحين، من بلدات وقرى الحافة الأمامية. ولم تتخل عن الذين لا سبيل أمامهم أو وراءهم، رغم كل الجراحات، التي أصابتها خلال الأيام الثلاثة الماضية، حيث بقي في مراكز إيوائها القديمة والجديدة، أكثر من 280 عائلة، تهتم بهم وحدة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات صور.
ساحات صور، بوابتها القديمة، كورنيشها الشمالي والجنوبي، حاراتها وبحرها، ومؤسساتها وحتى الدكاكين الصغيرة في أحيائها وزواريبها، وصولاً إلى صيدلياتها، التي تقفل واحدة تلو الأخرى، كلها حزينة وذابلة. منذ الغارة الأولى على صور، التي استهدفت منزلاً في حي الخراب، عند تخوم البحر من ناحية الغرب، واستشهد في داخله تسعة مواطنين أبرياء من آل السمرا وغيرهم، انقلب المشهد الصوري، الذي كان يشكل انفراجاً نسبياً لمحيطه وأماناً مفترضاً. ازدادت الغارات عليها وطوقت المدينة، انطلاقاً من كورنيشها الجنوبي، الذي قُصفت فيه عدة شقق سكنية، أسفرت عن سقوط شهيد، وصولاً إلى برج عودة. وطالت الغارات منطقة الحسبة القديمة، حيث قصف فيها أحد المنازل، ما أدى إلى استشهاد عائلة بأكملها من آل الصعيدي وغيرها. وأخلي مركز الدفاع المدني اللبناني بعد إنذاره من العدو. فبدأت غالبية العائلات الصورية المتبقية فيها، تشد الرحيل و"النزوح" شمالاً، بعد تمدد الاعتداءات الإسرائيلية والمجازر المتنقلة التي ترتكبها.

الموت في ديارنا
رغم النزوح الكبير، آثرت عائلات قليلة الثبات بمنازلها، لأسباب متنوعة. فمنهم من يرتبط بإبن متطوع في جهاز للدفاع المدني، ومنهم من لا يملك خيارات بديلة، ويخشون علقم النزوح. ومنهم من إعتاد الصمود في كل الحروب، وبات يدمن على نتائجها، مفضلاً الموت في داره، على أن لا يموت قهراً وذلاً.
كانت حارات صور القديمة، قبل المجزرتين اللتين ارتكبتا في المدينة، تعج بالنازحين الوافدين من قرى وبلدات تحيط بصور، يتخذون من الحارة الشمالية، لا سيما كنائسها، مأوى مؤقت، على أمل انفراج قريب، لكنه لم يبق منهم سوى القليل القليل.
ويؤكد عضو مجلس بلدية صور وليد الطويل، أن عشرات العائلات النازحة، قد حلت في ثلاث كنائس، هي اللاتين، والموارنة والكاثوليك، التي بقيت فيها عشرون عائلة فقط، في حين نزحت العائلات الأخرى، من كنيستي سيدة البحار للموارنة واللاتين.
ويضيف الطويل لـ"المدن"، بعد الغارة العنيفة على منزل في حي الخراب، القريب من الكنائس الثلاث، حيث استشهد أحباء لنا، اضطرت غالبية النازحين إلى مغادرة المنطقة، باستثناء حوالى عشرين عائلة، لا تزال في كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك، ترعى شؤونها وحدة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات قضاء صور.

لن يقفل الصيدلية
يصمد الصوري سعدالله مملوك، في صيدليته، على مقربة من الجامعة الإسلامية، يلبي احتياجات من تبقى من مواطنين ونازحين من أدوية. ويؤكد نجله الزميل نبيل، الذي يعمل صحافياً حراً، وانشأ "غروب" على خدمة الواتساب اطلق عليه (تيروس نيوز) يزود الموجودين عليه الأخبار الصورية وغير الصورية، أن والده، وفي كل الحروب الإسرائيلية على الجنوب، لم يقفل صيدليته، لقناعته بحاجة الناس إليها.
وقال إن الضربات الأخيرة على صور، على مدى ثلاثة أيام متواصلة، أسفرت عن نحو 15 شهيداً بينهم أطفال، دفعت السكان إلى ترك المدينة، التي لم تشهد مثل هذا النزوح.
يوضح المنسق الإعلامي في اتحاد بلديات صور بلال قشمر، أن وحدة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات صور، تواصل عملها الإغاثي تجاه النازحين، خصوصاً في مراكز الإيواء، فتؤمن لهم المتطلبات المعيشية اليومية، بدعم من مؤسسات إنسانية وإغاثية مختلفة.

ويشير قشمر لـ"المدن" إلى أن حوالى ثمانين بالمئة من النازحين القدامى، ما زالوا في مراكز إيواء مدينة صور حصراً، وهم يشكلون 283 عائلة، موزعين على تكميلية صور الثانية، تكميلية صور للبنات، ثانوية الإمام الصدر الرسمية صور، متوسطة صور الأولى، المدرسة الجعفرية، مهنية صور الفنية.

لم يبق أحد ليُقتل
وقال الأب توفيق بو مرعي، رئيس دير رهبان الفرنسيسكان للاتين في صور، في رسالة وجهها إلى العالم، حملت عنوان "لم يبق أحد ليقتل": "سيلا السمرا، الطفلة في السادسة من عمرها فقدت والدها وأمها وشقيقتها بغارة في جوار الكنيسة. لم يبقَ لها أحد. لا الأب، ولا الأم، ولا الأخت الصغيرة التي تبلغ من العمر سنة ونصف، ولا الجد، ولا الجدة، ولا العم مع عائلته. تركوها في هذا العالم القاسي. هكذا انتهى يومنا بالأمس. صاروخ دمّر تسعة منازل في الحي الفقير في صور، على بُعد 50 مترًا من الدير. سقطت الحجارة في الفناء حيث يوجد النازحون. الخوف، الصراخ، البكاء، والرعب اختلطوا بدماء الجرحى. وهكذا استقبلنا من تبقى من العائلة المذبوحة".

وأضاف: "كفى، كفى! ماذا أقول للنازحين الذين يسألونني عن وجبة الإفطار الجيدة التي وعدهم بها عصام؟ تجمدت شفاهي وبقيت كلماتي فارغة. جاءت دمعة لتنقذني وتخبرهم أن عصام، صاحب القلب الكبير والكريم، قد رحل...".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها