قبل يومين، عانت عائلة بيروتية وأخرى من منطقة الإقليم، طعم الموت مضاعفاً. بعد ثلاث ساعات على إجراء مراسم الدفن والصلاة على جثمان إحدى السيّدات في جبّانة الباشورة، تلقّى الأهل اتصالاً من أحد مخاتير بيروت، يفيدهم بأنهم دفنوا الجثمان الخطأ. فعادت العائلة إلى نقطة الصفر، في حزنها وفي مأساة أخرى ولحظات عصيبة إضافية. فبدل الدفن، حصل اثنان. أما مسؤولية كل هذه المأساة، فتّتجه أصابع الاتهام بشكل أساسي فيها إلى إدارة المستشفى التي سلّمت الجثمانين للعائلتين.
لا تعليق
حصلت هذه الحادثة-المأساة في مستشفى سبلين الحكومي. مدير المستشفى، الدكتور ربيع سيف الدين، لا يريد التعليق. في اتصال مع "المدن"، يكتفي بالقول إنّه "مليونين بالمئة الحق مش على المستشفى"، ليعود ويضيف أنه لا يريد التعليق. فرفض تأكيد الخبر أو حتى نفيه. لكنّ العائلتين اللتين عاشتا المأساة تؤكدان ما حصل. حتى أنّ إحدى مستشفيات بيروت تبلّغت بالأمر أيضاً من إدارة مستشفى سبلين في محاولة لاستعادة الجثمان. وعادت الأخيرة وتواصلت مع أحد مخاتير الباشورة للاتصال بالعائلة البيروتية وإطلاعها على الفضيحة التي حصلت.
جثامين من دون أسماء
وفي تفاصيل إضافية، يؤكد أقارب إحدى العائلتين أنّ ابن السيدة المتوفاة أٌدخل إلى مشرحة مستشفى سبلين للتعرّف على جثمان أمه. ولحظ أنّ بعض جوارير برّاد الجثث كانت لا تحمل أسماء وكذلك بعض الجثث أيضاً. وحصلت عملية البحث عن جثمان أمه بشكل عشوائي. وبعد معاينة أكثر من جارور، تعرّف إلى جثة أمه، فطُلب منه الخروج من الغرفة ليتم إجراء بعض المراسم الضرورية. فخرج. وسارت بعدها الجنازة إلى بيروت يوم السبت الماضي، حيث تمّت المراسم والصلاة وتقبّل العزاء. لتُفاجأ العائلة بعدها بأقل من أربع ساعات بالاتصال الذي وردها.
دفن ثانٍ
ثم توجّهت العائلة مجدداً إلى سبلين، واطّلعت على الفضيحة التي حصلت. ليصار يوم الأحد، بعد أقل من 24 ساعة، على إعادة نبش التراب واستخراج جثة السيدة الأخرى وتسليمها لعائلتها. لتعود العائلتان من جديد لتقيما مراسم دفن ثانٍ لفقيدتيهما. وفي ظل هذه المأساة، كان طبعاً الشق القانوني حاضراً، إذ استوجب الأمر إشارة قضائية لإعادة فتح القبر واستخراج الجثمان منه، وسط حزن مضاعف. "دفنّا جثة ليست لنا، بكينا عليها، دفنّا سيدة غريبة، وأعدنا الكرّة"، يقول أحد الأقارب. وبين الدفنين، على الأرجح، شعور عام بالعجز. حتى أنّ الأسوأ من كل هذا أنّ أحد العناصر الأمنية المولجة متابعة الأمر "حمّل العائلة مسؤولية ما حصل.. هذه فضيحة أخرى". ضريبة سوء إدارة واستسهال وقلّة مسؤولية.
لا يمكن الوقوف إلا بذهول أمام المشهد الذي حصل. وقع خطأ بشري أو تقني بهذا الحجم، وثمة استسهال إضافي في مواجهته. والخطأ، نتيجته إما اعتذار عنه أو تهرّب منه ومن مسؤوليته. ففي هذه البلاد، لا أخطاء تقع، إنما حوادث قضاء وقدر، صدف ومشيئات ربّانية. وإن وقعت الأخطاء، فلا محاسبة، ولا حداً أدنى من اعتذار. مأساتنا اليومية، في الموت والعيش، قضاء وقدر.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها