تصارع قوى "14 آذار" نفسها، لكلّ أهدافها ومراميها وحتى خطها الذي سلكته، ضاربة عرض الحائط تحالفاتها القديمة. في الذكرى العاشرة لإنطلاقتها أرادت أن تقدم جديداً.ملل السنوات العشر دفعهم إلى الإعلان عن إنشاء مجلس وطني، تمهيداً إحداث التغيير المنشود، وضخ الدم في الجسد المترهل.
اجتماعات عديدة عقدتها الهيئة التحضيرية للمجلس الوطني، الذي كان مقرراً أن يطلق رسمياً اليوم بعد إنتهاء الإجتماعات والتحضيرات. محاضر كل الجلسات التي عقدت منذ 14 آذار الماضي تظهر أن أحداً من الفاعلين ليس مقتنعاً بهذه الفكرة. بعضهم أطلق عليها صفة "الطفولية"، والآخر اعتبرها في سياق المراهقة السياسية. كل ذلك لا يهمّ، الأهم أنه سياسياً دفن المجلس قبل أن يولد.
وفق ما تشير مصادر مشاركة في هذه الإجتماعات، لـ"المدن"، فإن الأحزاب لم تقتنع بهذه الفكرة، ولا تريدها بالأصل، ومن سار فيها سار من دون إقتناع، لكن أحداً لم يجرؤ على إجهاضها، وحده رئيس "حزب القوات" سمير جعجع فعلها.
في الأساس كانت فكرة المجلس الوطني، بحسب المصادر، لاستقطاب عدد أكبر من المستقلين الذين لا ينتمون إلى الأحزاب، ومن أجل الخروج من الركود الذي كبّل هذه القوى منذ ولادتها. ويشير أحد أعضاء اللجنة التحضيرية لـ"المدن" إلى أن المجلس كان يخطط له أن يصبح وعاءاً سياسياً لقيادات مستقلة من الطائفة الشيعية، يخرجهم من الحلقة الحزبية التي تشكل لهم حرجاً داخل بيئتهم، وعلى رأسهم الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون.
وافق المستقلون على هذا الطرح، وقبلت به الاحزاب على مضض، لكنهم بدأوا بالعرقلة في ما بعد، وفق ما تقول المصدر، خصوصاً أن الأحزاب لا سيما "القوات" و"المستقبل"، تعتبر أن من ينتمي إلى مبادئ "14 آذار" عليه أن ينتسب إلى الأحزاب، وأكثر من ذلك، تشير المصادر إلى أن دفع جعجع بإتجاه "فرط" المجلس، يأتي في سياق حسابات الحوار مع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون، خصوصاً أن جعجع منذ دخوله في الحوار "الإستراتيجي"، وفق وصفه، يريد أن يستثمر في كل شيء.
عملياً، وبعد إنسداد الأفق إتفق على أن تخرج الأحزاب من المجلس الوطني، ليكون بذلك هيئة للمستقلين فقط، وهو ما يعني عملياً، إجهاض، الهدف الأساسي من المجلس. وعلى الرغم من ذلك، إلا ان المستقلين لا يخفون ارتياحهم لذلك، ويعتبرون أن ذلك سيمكنهم من الإحتفاظ بإستقلالية أكبر من حيث النشاط والعمل والهدف، ويؤكدون لـ"المدن" أنهم سيجتمعون ويحددون موعداً للإنتخابات ويحق لأي كان الترشّح، وذلك بهدف خلق تفاعل ودينامية جديدة، ويشير أحدهم إلى أن "هذا الخيار هو الأنجح لأنه يضمن عدم إحراج أحد من المستقلين القادرين على إنتقاد أي حزب حين يخطئ، ويقول: "مثلاً نحن نعترض على ما يجري بين عون وجعجع، ونعتبر أن جعجع مخطئ في خياراته الجديدة، وعليه بإمكاننا مواجهته ومعارضته لإعادة تصويب موقفه، أي نصبح في مكان صناعة المسار لا الإستتباع، وعند الإتفاق على المبادئ السياسية العامة نصبح في خطّ واحد، ولكن حين يهمّ أحد الأفرقاء لتأييد مبدأ اللقاء الأرثوذكسي عندها بالإمكان الإعتراض عليه وعدم مجاراته في ذلك وصولاً إلى المحاسبة حتّى، أما في حال تمثيل الأحزاب في المجلس، فهذا يعني أنها ستصبح صاحبة القرار والتأثير، وبالتالي فإن أي اعتراض لن يلقى آذاناً صاغية، وهذا ما حصل مراراً".
يهدف المستقلون من ذلك إلى حماية بعضهم البعض، وإيجاد حيثية لهم من دون أن تشكل عامل إزعاج لأي شخص ينسجم مع مبادئ قوى "14 آذار". ويقول المصدر: "كنا نواجه إشكالية جمع بعض الناشطين والمستقلين من الطائفة الشيعية، لكن على طاولة تضم القوات والمستقبل كان ذلك يسبب إحراجاً لهم، في هذه الحالة الجديدة يختلف الوضع".
ما حصل ضمن المجلس، لا ينفصل عن الإشتباك داخل الفريق الواحد عند أي استحقاق سياسي، إذ يسجّل البعض عتبهم على أداء الحزبيين لمجمل الأمور السياسية. يطمحون إلى أكثر من ذلك، فهم يعتبرون أنه عبر هذه الفكرة الجديدة، سيشكلون جماعة ضاغطة في السياسة، فإن لم تكن قادرة على صنع القرار، على الأقل تكون قادرة على إعادة توجيهه أو تصويب خيارات خاطئة، إن على الصعيد النقابي أو على صعيد الإنتخابات النيابية مثلاً.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها