تعود المعارك إلى سفح جبل الشيخ من الجهة السورية، المنطقة الحدوية المحاذية لشبعا وصولاً إلى راشيا. يوم الجمعة الماضي، سقط 22 قتيلاً درزياً في كمين للجيش السوري الحر والمعارضة المسلحة في بلدة عرنة في محافظة ريف دمشق. وقع الحادث من دون أن يكون له أي تبعات من التي أرادها النظام السوري، والتي يسعى إليها منذ بداية الثورة، أي مواجهة طائفية بين الدروز والسنة في درعا وغيرها من مناطق تماس بينهما.
الحادث الكبير من حيث عدد القتلى الذي سقطوا، حوّل الأنظار إلى منطقة راشيا وحاصبيا سريعاً. فهناك، يجري منذ مدة ليست بقصيرة العمل على إحداث شرخ بينها وبين المناطق السنية المحيطة. من شبعا جنوباً إلى قرى البقاع الغربي وقرى السّنّة في قضاء راشيا. هذه المرّة كانت الأمور هادئة مقارنة مع ما سبق، وكانت هادئة مقارنة مع حجم الخسارة الدرزية على الجانب السوري. 22 قتيلاً في يوم واحد، رقم كبير بالنسبة إلى دروز سوريا. مع هذا، رد الفعل لم يكن كبيراً، بل كانت العقلنة التي بدأت تُمارس في تلك المنطقة، تفعل فعلها وعلى ما يبدو أنها ستحكم علاقة أهالي راشيا وحاصبيا بمحيطهم السنّي.
عدم حدوث رد فعل كبير، لا ينفي محاولات قوى الممانعة من الدروز، اللعب على هذا الوتر، لتحقيق أهداف النظام السوري الذي يتحالفون معه، والذي، مع حزب الله في لبنان، يؤمن لهم استمراريتهم، تمويلاً ودعماً مُختلفاً. وهو ما يجعل مهمّة النائب وليد جنبلاط صعبة، لاسيما في إقناع النائب طلال إرسلان والنائب السابق فيصل الداوود في تحييد الدروز عما يجري والكفّ عن "العنتريات" التي لن تؤدي إلّا إلى هلاك، في حال كانت له أصداء أوسع في المقبل من الأيام.
إلا أن الحادث الأخير، يبدو أنه ستكون له انعكاسات إيجابية، ليس فقط في راشيا وحاصبيا مع محيطهما، بل في القرى الدرزية في الجانب السوري. يقول قيادي في الحزب التقدمي الإشتراكي لـ"المدن" إن "الجيش السوري دفع بمجموعة درزية من جيش الدفاع الوطني في معركة عرنة، وتركهم من دون مؤازرة ضحية لكمين من المعارضة المسلّحة"، يضيف القيادي: هذه رواية موثقة ويعرفها أصحاب الشأن في المناطق الدرزية السورية، إذ خرج اثنان من الدفاع الوطني بعد أن نجيا من الكمين، ليؤكدا صحة هذه الرواية، وأن النظام تعمّد تركهم يموتون في الكمين ولم يُقدم على مساعدتهم".
ما حصل في عرنة، كان قد حصل في وقت سابق في داما، حينها، تصرّف الجيش السوري تماماً كما فعل الجمعة، تاركاً الميليشيا الدرزية في واجهة معركة انسحب منها لأسباب يبدو أنها صارت معروفة في مناطق انتشار دروز سوريا. إذ يقول القيادي إن "الشيوخ الدروز وبعض الوجهاء الذين لهم كلمتهم هناك غاضبون من الذي حصل ومن توريط الدروز في لعبة خبيثة، لا يريدونها إطلاقاً". وينقل البعض عن أحد المشايخ الكبار في السويداء قوله: لا نعتدي على أحد وأي اعتداء مرفوض. فيما يقول البعض إن الميليشيا التي تعرضت للكمين في عرنة، كانت تبعد عن البلدة 13 كيلومتراً، فماذا يفعلون هناك إذا كان صحيحاً أنهم يدافعون عن بلدتهم؟.
هذه الوقائع، صارت تُقرأ لدى دروز سوريا من موقع مُختلف. رسائل النائب وليد جنبلاط المتكررة إليهم بالابتعاد عن النظام السوري والتصالح مع محيطهم صارت تُسمع أكثر من أي وقت مضى. القيادي الاشتراكي يتحدث بكل صراحة. يقول: الآن على الدروز أن يفهموا أن محيطهم صار بيد الثوّار، والانتحار ممنوع. درعا محررة والقنيطرة أيضاً، إلى أين سيذهبون إذا بقوا على تحالفهم مع نظام الأسد المهزوم في تلك المناطق؟
تبدو الأمور في الجانب اللبناني أكثر من هادئة. شيطنة الدروز ودفعهم إلى مواجهة مع المحيط السنّي لم تمرّ في راشيا وحاصبيا. يقول مواطنون من المنطقتين إن "الأمور صارت واضحة، ولا يُمكن القبول بالوقوف إلى جانب الأسد، فالحياد هو المطلوب، ولا يُمكن تغطية أي طرف معتدٍ فكيف اذا كان درزياً". على الجانب السوري، إحداث اختراق في الرأي العام الدرزي صار أقرب إلى الحقيقة من كُل ما سبق من محاولات.
يختصر أحد المشايخ الوضع: "للدروز مقام ديني في بلدة بيت جنّ، وهي منطقة لا يتواجد فيها أي درزي. أرسل الجيش الحر في وقت سابق رسالة إلى الشيوخ الدروز بأن لا تواجد للمسلحين داخل المقام ولن يدخلوه كما سرت الإشاعات. بل رحبوا بأن يُشكل المشايخ مجموعة أو لجنة تأتي لتقيم في المقام وتتأكد من عدم التعرض إليه أو دخوله. هذا ما لم يحصل". هذه صورة تُغيّب عن ما يجري من أجل تعميق الشرخ. هذا ما كان يعمل عليه النظام وحزب الله ويتورط فيه الدروز، ويبدو أنه انتهى، في انتظار المقبل من أيام وأحداث.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها