في بداية الألفية الثانية، خرجت مؤشرات تفاؤل حذر في مجمل الدول العربية التي عرفت انتقالاً سلميًا للسلطة عبر آلية التوريث في إطار الملكيات (المغرب والأردن) أو، وكما يسميها سعد الدين إبراهيم، في الجمهولكيات (سوريا). واعتبرت بعض التحليلات بأن وصول قادة شباب إلى سدة الحكم ولو توريثًا سيعطي دفعًا إيجابيًا للنشاط السياسي ويفتح بعض نوافذ الحرية المقيدة. وفي هذا الإطار، تولى الملك محمد السادس العرش في عام 1999، إيذانًا ببدء حقبة جديدة من الإصلاحات في المغرب، مع وعد بانتقال نحو ملكية دستورية وديمقراطية. في بداية حكمه، اتخذ محمد السادس خطوات كبيرة، من أبرزها إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة للقيام بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت خلال حكم والده الملك الحسن الثاني. كان هذا الإجراء جزءًا من جهود المصالحة الوطنية وفتح المجال لحقبة من الإصلاحات الحقوقية.
في عام 2011، ومع انطلاق حلم الربيع العربي في تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن، شهد المغرب بدوره موجة احتجاجات واسعة عُرفت بحركة "20 فبراير"، حين طالب المشاركون فيها بإصلاحات بنيوية ديمقراطية أكثر عمقًا. استجابةً لهذه المطالب، وفي سعي حثيث لإجهاض الحركة الاحتجاجية في مهدها، أطلق الملك محمد السادس إصلاحًا دستوريًا تم إقراره عبر استفتاء شعبي. ولقد عزّز دستور 2011 من سلطات البرلمان ووسع من هوامش الحريات الفردية، كما اعترف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية في البلاد. وعلى الرغم من هذه الإصلاحات، يرى العديد من الناشطين والمراقبين أن التغييرات لم تقلّص بشكل كافٍ من سلطات الملك وحاشيته. كما وأن الجهاز الأمني ما زال يتمتع بسلطات واسعة، مما يبرز التوتر المستمر بين تطلعات الشعب نحو الديمقراطية والممارسات السلطوية من جانب الحكومة.
اعتقال فؤاد عبد المومني إذًا يأتي ضمن سياق تاريخي معقد، يشهد تذبذبًا بين فترات من الانفتاح السياسي النسبي ومراحل من القمع الشديد. ويمثل اتهامه بـ"نشر معلومات كاذبة" جزءًا من حملة أوسع تبدو ممنهجة ومنظمة جيدًا، تهدف إلى إسكات الأصوات الناقدة، خصوصاً تلك التي تدافع عن الحريات الأساسية. ويتضح من هذه الأحداث المستمرة أن هناك توجهًا للتضييق على حرية التعبير وحقوق الإنسان، حيث يُستهدف المدافعون عن هذه القضايا بشكل خاص.
قضية فؤاد عبد المومني ليست حالة فردية، إذ شهد المغرب خلال السنوات الأخيرة اعتقالات عدة لمدافعين عن حقوق الإنسان وصحافيين. شخصيات مثل المؤرخ والناشط معطي منجب، الصحافي الاستقصائي عمر الراضي، والصحافي توفيق بو عشرين، واجهوا أيضًا اتهامات وإجراءات قانونية مثيرة للجدل. ولقد عبرت منظمات حقوقية، وطنية ودولية، عن قلقها إزاء استخدام السلطات قوانين الأمن لتقييد نشاط المدافعين عن حقوق الإنسان والأصوات المعارضة.
منذ "سنوات الرصاص" وحتى الإصلاح الدستوري لعام 2011، الذي جاء استجابةً لحركة 20 فبراير المتأثرة بالربيع العربي، شهد المغرب تطورات ديمقراطية ملحوظة. ورغم هذا التقدم، ما زال المدافعون عن حقوق الإنسان يواجهون تحديات كبيرة، حيث تستمر السلطات في ممارسة الاعتقالات التعسفية والمحاكمات ذات الطابع السياسي، وفرض قيود على الإعلام والمنظمات غير الحكومية.
قضية عبد المومني تُبرز بوضوح التوتر المستمر بين تطلعات المجتمع المغربي نحو الديمقراطية وبين الممارسات التي توصف بأنها سلطوية من جانب بعض مؤسسات الدولة. وهي تسلط الضوء على هشاشة وضع المدافعين عن حقوق الإنسان في المغرب. وعلى الرغم من أن السلطات قامت بإطلاق سراح المومني بعد فترة وجيزة من اعتقاله وقررت إخضاعه للمحاكمة طليقًا، يُعد هذا الحادث حساسًا بشكل خاص في الوقت الحالي، حيث يترأس المغرب منذ بداية عام 2024 مجلس حقوق الإنسان، وهو المسؤول نظريًا، عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان على مستوى العالم. يجذب هذا التناقض بين الدور الدولي الذي يلعبه المغرب وحالة حقوق الإنسان داخليًا انتباهًا متزايدًا من منظمات ومراقبين دوليين، ما يضع الحكومة المغربية تحت ضغط أكبر للتوفيق بين سياساتها الداخلية مع التزاماتها العالمية.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها