الصراخ المرتفع ضد الاتفاقية النووية مع ايران مبني على اعتبار ان لحظة افراج المجتمع الدولي عن المليارات المئة وخمسين الايرانية المجمدة في مصارفه، ستتضاعف قوة طهران بشكل كاسح يقلب الموازين في المنطقة. لكن السؤال الذي لم يطرحه العالم، وخصوصا الايرانيين، هو التالي: "ماذا لو لم تؤد المليارات الى منح ايران التفوق الاقليمي المتوقع؟"
وللاجابة عن هذا السؤال، علينا ان نتخيل مصير الثروة الايرانية المستحدثة.
لو اعتبرنا ان طهران ستكون اكثر حنكة من جارتها حكومة العراق النفطية، وانه على عكس العراق لن تسمح ايران لكبار مسؤوليها بامتصاص الجزء الاكبر من هذه الاموال وترك المواطنين يتسمرون في درجات حرارة غير مسبوقة تترافق مع غياب الكهرباء بسبب الفساد العراقي المضني، هذا يعني ان طهران ستستخدم الجزء الاكبر من الاموال للتخفيف من عوز الايرانيين وتقريبهم اكثر من نظامهم، وتاليا تثبيت النظام.
وعملية تثبيت النظام الايراني لن تؤثر في ميزان القوى الاقليمي، فمنذ انحسار موجة الثورات الشعبية التي مرت في ايران وتم احباطها في العام ٢٠٠٩، وبعد وصول الرئيس باراك أوباما الى الحكم في واشنطن، تراجعت ابرز العناصر التي من شأنها ان تضغط على نظام الجمهورية الاسلامية او ان تتسبب بعدم استقرار نظامها.
ثم لو اعتبرنا ان ايران ستسخر جزءا من الاموال لبناء قدراتها العسكرية، ثم تمويل حلفائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، فكيف يمكن لذلك ان يؤثر في ميزان القوى العسكري على الارض في هذه الدول.
القدرات الحالية للقوات العسكرية الايرانية منعدمة، ويثبت ذلك العروض العسكرية التي تظهر في صورها ان "الصناعة العسكرية" التي تتباهى بها طهران هي عبارة عن مسرحية، فالسلاح الايراني يبدو مثل العاب الاطفال في عدم واقعيته. اما الواقعي منه فغالبا اسلحة اميركية منذ زمن الشاه تقوم طهران عادة بتبديل الوانها واطلاق اسماء ايرانية عليها.
هذا يعني ان اي مجهود ايراني جدي لتحديث القوات الايرانية سيحتاج الى اموال اكثر بكثير من التي سيوفرها الافراج عن الارصدة المجمدة وعودة ايران الى السوق النفطية. وتحديث الجيش الايراني، في كل حال، لن يفيد حلفاء ايران في الكثير، فباستثناء محافظة ديالى العراقية، حيث اضطر الجيش الايراني النظامي "آرتيش" للتدخل لوقف زحف تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش)، الذي كان وصل الى جلولاء التي تبعد اقل من ٣٠ كيلومترا عن الحدود مع ايران، يندر ان لجأت ايران الى استخدام قواتها النظامية، بل لطالما آثرت طهران القتال "حتى آخر عربي" بتشكيلها وتدريبها وتمويلها لميليشيات تقاتل باسمها.
لكن هذه الميليشيات العربية الموالية لايران تعاني من تعقيدات اخرى غير نقص المال الذي واجهته في السنوات الاخيرة بسبب شح المال الايراني، فباستثناء العراق، تعاني الميليشيات الايرانية في سوريا واليمن ولبنان من استنادها في تجنيدها الى اقلية سكانية. والاقليات لا تقاتل عادة حروب استنزاف في وجه الاكثرية، وهي عندما تقوم بذلك، تجد نفسها مرهقة، وهو ما حصل لقوات الرئيس السوري بشار الأسد وحليفه اللبناني "حزب الله". وكان الأسد صرّح علانية ان نقص المقاتلين اجبره على تقليص المناطق التي يمكنه السيطرة عليها، ومن غير المفهوم كيف يمكن لأموال ايرانية اضافية ان تعوض هذا النقص البشري.
وفي سوريا، لطالما استندت قوات ايران - الأسد الى التفوق في العتاد، مثل القوة الجوية ومقدرات "حزب الله" المتميزة، لكن نقاط التفوق هذه، التي يمكنها الافادة من الاموال الايرانية، لم تسمح "لحزب الله" والأسد اكتساح اعدائهما، ومن غير المرجح ان تغير المليارات الايرانية ذلك.
ختاما في اليمن، تواجه اقلية سكانية موالية لايران غالبية يمنية مدعومة من جيوش عربية خليجية ذات مقدرات واسعة. نتائج هذا التباين، الذي يميل ضد مصلحة ايران، ظهرت أولى نتائجه في استعادة حكومة اليمن وحلفائها الخليجيين لعدن، في وقت تشير التوقعات الى المزيد من التقدم لهؤلاء.
مليارات ايران وعلاقتها مع أميركا قد ترفع العوز داخل ايران وتسمح لطهران بالانفاق على اجهزتها الحكومية. لكن ان تساهم هذه المليارات والعلاقة مع واشنطن في قلب الموازين العسكرية في العراق وسوريا واليمن ولبنان هو أمر غير واضح، وعلى طهران ان تسأل نفسها عما سيحصل في حال غلبها العرب، على الرغم من ثروتها المالية والديبلوماسية الجديدة،.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها