الضجة التي اثارها الرئيس باراك أوباما بتصويره محادثات لوزان على انها "تفاهم تاريخي" بين مجموعة دول خمسة زائد واحد، واللقاء الصحافي الذي منحه لزلمته في "نيويورك تايمز" توماس فريدمان، قبل ايام، لم يكونا احتفالا بانجاز او اختراق ديبلوماسي مزعوم في لوزان، بل محاولة خلق زخم اعلامي وشعبي للدفع قدما بالمفاوضات النووية، التي يبدو جليا انها تعثرت ولم تثمر حتى الآن.
وعلى عكس اتفاقية جنيف المؤقتة الموقعة في ٢٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٣، لم تكن هناك مصافحات بين وزراء الخارجية، ولا وثائق موقعة، فقط صورة تذكارية وقف فيها وزراء الخارجية حسب تسلسل بلادهم ابجديا.
أوباما يعرف ان لوزان كان خيبة أمل. في خطابه الاسبوعي الاذاعي الذي تلا نهاية لقاءات لوزان، لم يتلفظ الرئيس الاميركي بكلمة اتفاقية، بل اكتفى بعبارة "تفاهم تاريخي". حتى الصحافيين المحسوبين على ادارته، مثل المعلق المخضرم في صحيفة "واشنطن بوست" دايفيد اغناتيوس، كتب ان النص الذي وزعته الخارجية الاميركية جميل، لكنه كاد ان يكون حقيقيا لو انه اقترن بتوقيع ايران او بمصافحة مع الايرانيين على اساسه.
والنص الذي وزعته الخارجية الاميركية يختلف عن النص الذي وزعه الايرانيون. في النص الاميركي، رفع العقوبات يتم فقط بعد افادة وكالة الطاقة الدولية الذرية ان ايران التزمت بما وعدت به نوويا. في النص الايراني، يتم رفع العقوبات فور توقيع الاتفاقية النهائية، اي من دون شروط مثل افادة الوكالة الدولية. هذه نقطة اساسية، وعالقة، ويتمسك كل من الطرفين بوجهة نظره حولها. الاميركيون يريدون غطاء الوكالة الاممية لرفع العقوبات، فيما الايرانيين يريدون تثبيت انتصارهم على أوباما، ومرغ انفه في الوحل، وقبوله وعدهم بتنفيذ الاتفاق من دون شروط او دور لوكالة الطاقة الذرية، التي مازالت تشتكي من عدم تجاوب طهران مع تساؤلاتها. كما يصر الايرانيون على ان رفع العقوبات ليس مكافأة اميركية، بل هو في صلب الاتفاقية الندية بينهما.
ولأن ما تم التوصل اليه في لوزان لا يرقى ان يكون اتفاقية، بقي المرشد الايراني علي خامنئي صامتا. ولأن المفاوضات راوحت مكانها، شن أوباما حملة اعلامية لفتح الطريق امام نفسه والايرانيين للتوصل الى اتفاق مع حلول ٣٠ حزيران (يونيو).
لكن أوباما هاوٍ في العلاقات الدولية، شأنه شأن زلمته فريدمان صاحب التفكير الساذج والمقالات السطحية. فباعلانه الانتصار، وضع أوباما نفسه في موقف المجبر على التوصل الى اتفاقية، فكان حديثه عن "التفاهم التاريخي" ثرثرة شأنها شأن سياسته الخارجية بشكل عام. هكذا وضع الرئيس الاميركي نفسه تحت ضغط التوصل لاتفاقية، فيما الايرانيين لم يلزموا انفسهم بأي "تاريخية" لأي تفاهم.
لهذا السبب، رفع أوباما من رهانه، واطلق -- في مقابلته الاخيرة مع فريدمان -- مواقف لا سابق لها في صراحتها، قال فيها ان اميركا مستعدة لتطويب ايران زعيمة اقليمية، وتبنى فيها نظرة ايران نحو دول الخليج، متهما دول الخليج بأنها تعاني من مشاكل داخلية تدفع شبابها الى التطرف. ثم ختم أوباما بالقول ان اسرائيل متفوقة عسكريا، وهذا يكفيها ويفرض عليها ان تنكفىء وان لا تتدخل في الشؤون الاقليمية.
هدف مقابلة أوباما مع فريدمان واحد: اقناع الايرانيين بأن اميركا تسعى لتطويبهم زعماء الشرق الاوسط على حساب خصومهم، وخصوصا العرب.
لكن مرة اخرى، يتكشف عبط الرئيس الاميركي، فايران تعتقد نفسها زعيمة الشرق الاوسط -- بل العالم بأكمله -- من دون منة أوباما، بل رغما عن أنفه، وهي لن توقع اتفاقية قبل ان تتأكد انها أذلت أوباما وتفوقت عليه.
وسيستحيل على أوباما تلبية الشروط الايرانية، وهو حتى لو تراجع، لن يوافق الفرنسيون على رفع العقوبات من دون افادة الوكالة الدولية حول التزام ايران، اذ ان مواقف المجموعة الدولية يتم اتخاذها بالاجماع. هكذا، اذا تصلب الايرانيون، سيجد أوباما نفسه في ٣٠ حزيران، كما اليوم، يهرج ويتحدث عن انجازاته الدولية التي تقتصر على كونها مجموعة من الاماني التي لا تمت الى الواقع بصلة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها