في 28 أيار الماضي، وقف الرئيس باراك أوباما امام صف من الضباط المتخرجين في اكاديمية "وست بوينت" العسكرية، وقدم اليمن نموذجا لما وصفه نجاح رؤيته في الحرب ضد الإرهاب، وأعلن انشاء "صندوق الشراكة لمكافحة الإرهاب" برصيد 5 مليارات دولار، طالبا من الكونغرس تمويله، ومعتبرا ان الهدف الأميركي هو "تدريب، وبناء قدرات، وتسهيل مهمة الدول الشريكة على الخطوط الامامية". وسمى أوباما اليمن كإحدى الدول الشريكة في برنامجه المزعوم.
لم يكد يمر عام حتى انهارت القوات الحكومية في اليمن، تماما كما انهار قبلها الجيش العراقي الذي أنفق الاميركيون مليارات الدولارات على تدريبه وتسليحه.
في سوريا والعراق واليمن، غالبا ما يلتف أوباما على فشل وعوده بالتقليل من أهمية نتائج أي اعمال عسكرية، ويقدم الحوار سبيلاً وحيداً للخلاص، وغالبا ما يلوح بالقوة الأميركية كضمانة تحقيق "الحل السياسي" المزعوم.
في سوريا، أرسل أوباما السفن الحربية الأميركية وهدد قوات الأسد بمعاقبتها على المجزرة الكيماوية في الغوطة صيف 2012، وفرض قرارا امميا اجبر فيه الرئيس السوري بشار الأسد على الدخول في معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية.
وفي العراق، أرسل أوباما مقاتلاته في السماء لإنقاذ بغداد بعدما فرض على القوة الشيعية الموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية مع السنة والكرد.
واليوم في اليمن، عزز أوباما من عدد قطعاته البحرية المتواجدة في بحر العرب لإقناع القيمين على "عاصفة الحزم"، التي هدفت الى وقف تمدد المتمردين الحوثيين، انه يمكنهم وقف عملياتهم العسكرية والدخول في مفاوضات سياسية مع إيران، واتباعها الحوثيين، كسبيل وحيد للتسوية. اما البوارج الأميركية، فهي التي تكفل وقف تدفق الأسلحة الإيرانية، بحرا، الى الحوثيين، بعدما أقفلت دول الخليج العربي سماءها امام الطائرات الايرانية.
نتائج حلول أوباما السياسية المكفولة بالقوة العسكرية الأميركية جاءت على الشكل التالي:
في سوريا، استأنف الأسد استخدام قنابل الكلور على مرأى ومسمع العالم من دون عواقب.
في العراق أطلقت "حكومة الشراكة الوطنية" يد ميليشياتها المعروفة بـ "الحشد الشعبي" لترتكب الفظائع في المناطق التي تستعيدها من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش).
في اليمن، أعلن الحوثيون انتصارهم على إثر اعلان التحالف العربي انتهاء "عاصفة الحزم"، واسـتأنفوا هجومهم ضد القوات الموالية للحكومة اليمنية، ووضعوا رفع الحصار البحري، الذي تفرضه قوات عربية، شرطا لقبول دخولهم في مفاوضات.
على ان مشكلة أوباما في العمل من اجل وقف إطلاق نار في اليمن، ربما لإرضاء الإيرانيين وحثهم على القبول بالتفتيش الدولي النووي والعسكري الذي من شأنه ان يفتح الباب لتوقيع اتفاقية نووية نهائية معهم، تكمن في غياب القوة الأميركية عن المشهد، واعتماد أوباما على التحالف العربي، الذي يمسك بمفاتيح الحل والربط.
طبعا، حاول المسؤولون الاميركيون تحريض الرأي العام الدولي ضد استمرار الحملة العسكرية العربية، فأوعز هؤلاء المسؤولون الى اصدقائهم، وخصوصا الاعلاميين، الى الحديث علنا عن المشكلة الإنسانية التي تواجهها اليمن بسبب الاعمال العسكرية المندلعة فيها.
على ان مسؤولي أوباما أنفسهم يدركون ضعف حجتهم "الإنسانية"، فهم وقفوا يتفرجون على أكثر من مئتي ألف سوري يلقون حتفهم فيما أوباما وفريقه يكررون ان ما باليد حيلة لوقف القتال، وان المخرج الوحيد هو الحل السياسي، الذي لم تعد واشنطن مهتمة برعايته أصلا.
ولأن من "جرب المجرب كان عقله مخرب"، حسب القول العامي، يبدو ان الدول العربية المعنية باليمن لم تثق بأوباما، على الرغم من حماسته الزائفة لمنع الإيرانيين من إعادة تسليح الحوثيين، فاميرالات البحر قالوا علنا ان لا هدف لرحلتهم صوب الشواطئ اليمنية، وان لا أوامر لديهم لاعتراض أي سفن او لاستخدام أي مقاتلات، ما دفع الاعلام الأميركي الى وصف التعزيزات البحرية الأميركية في بحر العرب بـ "عرض القوة".
وبالبلادة الفكرية نفسها التي وظفها أوباما في العراق عندما وصف مهمة مقاتلاته الدفاع عن السفارة الأميركية في بغداد والقنصلية في كركوك، اختصر أوباما مهمة قطعاته البحرية قبالة سواحل اليمن بالقول ان هدفها نزع الألغام البحرية التي تهدد الملاحة الأميركية في تلك المنطقة.
باستبداله "عاصفة الحزم" بـ "إعادة الأمل"، يبدو ان التحالف العربي يسير بجدول يمني مختلف عن جدول أوباما. اما ما يقوله أوباما حول اليمن وتلويحه بالقوة العسكرية الأميركية، فهي في الغالب مجرد ضوضاء.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها