تمكنت صفحة "أنا جوعان" من الوصول إلى ربع مليون مشترك في "فايسبوك"، وهي صفحة مختصة بتجربة المطاعم في دمشق وريفها، من خلال زيارات متفق عليها مسبقاً في كثير من الأحيان مع أصحاب المطاعم ومحال الأكلات الشعبية والحلويات.
ويفضل أصحاب الصفحة عدم الظهور كاملاً في كادر الكاميرا، بل يلجأون إلى التركيز على الوجبات الغذائية والتعليق الصوتي عليها، ما يثير شهية المتابعين الذين يرمقون بشغف تبرزه التعليقات ما يتم عرضه من مأكولات متنوعة، يعد تناولها اليوم ترفاً للشريحة الأكبر في دمشق وريفها الواقعة تحت خط الفقر.
ورغم أن "أنا جوعان" لا تركز على المطاعم الفاخرة بل تتجول في المطاعم العادية أو الشعبية مثل محلات الفروج المشوي والشاورما ومطاعم "الفاست فود"، والكافيهات ومحال الحلويات، إلا أن الأسعار التي يتم تقديم معظمها كعروض بمناسبة وبلا مناسبة تبقى غير ملائمة لمعظم المتابعين.
وبالتالي فإن وظيفة تلك الفيديوهات ليست تقليدية ولا تقوم على النقد والحديث عن التجارب الشخصية وتوفير النصائح للمهتمين، بل باتت توفر فقط الفرجة الممتعة والمحزنة في نفس الوقت، لآلاف المحرومين، ممن يحلمون بتلك الأطعمة أو يتذكرونها بنوستالجيا.
عروض تخلق الجدل
ولا تقف حدود تحوير وظيفة "الفود بلوغر" في سوريا عند توفير المتعة للمشاهدين، بل تتجاوز ذلك إلى العمل ضمن إطار التسويق للمنتجات وتقديمها بأبهى صورة، والإعلان عن عروض توفرها المطاعم بشكل مستمر بهدف جذب الزبائن بحيث يطغى العامل المادي على ثقافة نقد الطعام، بل ويغيبها بشكل شبه تام.
في "انستغرام" مثلاً، تزدحم المنصات المختصة بزيارة المطاعم والكافيهات، ومن بينها يعمل "مستر فود" على تقديم حزمة من مقاطع الفيديو التسويقية لعشرات المطاعم في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، حيث يركز على العروض والتسويق.
وبالطبع فإن كثيراً من تلك العروض غير واقعي في بلد منهار اقتصادياً مثل سوريا. في أحد الأمثلة التي قدمها "مستر فود" وأثارت جدلاً في بقية مواقع التواصل، عرض لـ"منسف مندي بدجاجة كاملة و5 أقراص كبة و5 أقراص برك وصوص الدقوس بسعر260 ألف ليرة"، أي ما يتجاوز راتب موظف حكومي عن شهر كامل.
View this post on Instagram
وضمن السياق، تعمل منصة "كرشي الصغير لا يتحمل" وهي من أولى الصفحات المختصة بالمطعام في دمشق في "فايسبوك" على التسويق لمطاعم الشاورما والوجبات السريعة من خلال الصور والفيديوهات مع توفير سلة واسعة من العروض التي تغلب على محتوى المنصة، مثل الوجبات والحلويات المقدمة بمناسبة عيد المولد النبوي.
ويتابع المنصة أكثر من 1.5 مليون شخص، وتشكل نموذجاً مثالياً عن معنى "الفود بلوغر" المشوه مثل أي فكرة ثقافية أو إعلامية أخرى في سوريا، حيث تظهر بشكل إعلانات فجة، لا أكثر، من دون روح التدوين الفردية المفترضة في مثل هذه المشاريع أصلاً.
بدايات متواضعة في إدلب
أما في الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام، حيث يشكو السكان تدني مستوى الوجبات المقدمة في المطاعم وتشابه الأصناف، فتغيب منصات "الفود بلوغر" باستثناء بعض الفيديوهات التي تبث في "تيك توك" أو المجموعات العامة في "فايسبوك"، وهي انعكاس طبيعي لغياب الخبرات المطبخية عن هذه المطاعم الجديدة، لأن معظم الطباخين فضّل العمل في مناطق سيطرة النظام حيث تتوافر خبرة، أو السفر إلى الخارج.
وعبر حسابه في "تيك توك"، يعكس أبو محمود صورة لمحدودية ثقافة نقد الطعام في إدلب، فهو يتذوق الكبة المشوية والفتوش واللحم بصحن الفخار، مقدماً تلك المأكولات بأسلوب تغلب عليه المبالغة، بينما تبرز التعليقات على الفيديو حالة الفقر وعدم القدرة على تناول الوجبات في المطاعم، بالنسبة لأغلب المتابعين.
كما يمكن ملاحظة فشل بعض هواة تذوق الطعام في إدلب والذين قاموا بإنشاء مجموعة "وين تغدين ووين تعشيت" في "فايسبوك" في توفير تقييم حقيقي لسوق المطاعم الناشئ في المنطقة، حيث تتمثل الفكرة في التقييم الجماعي للوجبة أو المطعم، غير أنها خرجت عن هذا السياق لتتحول إلى منشورات تسويقية للمطاعم ووجباتها المتشابهة، لا أكثر.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها