الأحد 2024/09/15

آخر تحديث: 15:56 (بيروت)

الإيرانيون يحلمون بالتغيير بعد عامين على مقتل مهسا أميني

الأحد 2024/09/15
الإيرانيون يحلمون بالتغيير بعد عامين على مقتل مهسا أميني
التحركات الاحتجاجية "هزت النظام الإيراني حتى العظم" (Getty)
increase حجم الخط decrease
بين مضايقات لعائلات الضحايا وغياب محاسبة المسؤولين وتزايد عمليات الإعدام، يجد مناهضو السلطات في إيران أنفسهم أمام واقع قاتم بعد عامين على اندلاع الاحتجاجات التي أعقبت وفاة مهسا أميني، وكانوا يأملون في أن تشكل نقطة تحول بعد أكثر من أربعة عقود على قيام الجمهورية الإسلامية.

في 16 أيلول/سبتمبر 2022، توفيت الشابة الكردية الإيرانية عن 22 عاماً بعد أيام من توقيفها لدى شرطة الأخلاق في طهران، على خلفية عدم التزامها بقواعد اللباس الصارمة. وشكلت وفاة أميني شرارة احتجاجات كانت من الأكبر منذ انتصار الثورة الإسلامية العام 1979. ورغم تراجعها الملحوظ بعد أشهر على اندلاعها، يتمسك الناشطون والمعارضون في الخارج بفكرة أن هذه التحركات تركت بصمة دامغة في المجتمع الإيراني، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".
وكانت النساء محور الاحتجاجات، وانتفضن خلالها بوجه إحدى الركائز الأساسية التي يقوم عليها النظام الإسلامي، وهي إلزامية الحجاب. فقامت العديد منهن بخلعه وإحراقه في مشاهد لم تعهدها شوارع طهران ومدن كبرى. ورأى محللون أن الاحتجاجات كانت من أكبر التحديات التي واجهها حكم رجال الدين منذ نشأته.
واعتبرت السلطات معظم التحركات "أعمال شغب" تغذيها أطراف غربية أو معادية للثورة، وقمعتها بشدة. وقالت منظمة العفو الدولية "أمنستي" أن قوات الأمن الإيرانية استخدمت الأسلحة النارية لمواجهة المحتجين، فيما ذكرت منظمات حقوقية مستقلة أن 551 شخصاً قتلوا خلال الاحتجاجات، في حين تقول السلطات أن عشرات من عناصر قوات الأمن لقوا حتفهم كذلك. وتم توقيف آلاف الأشخاص، بحسب الأمم المتحدة.

وبعد مرور عامين، أكدت منظمات حقوقية أن السلطات تواصل قمع أي تحرك، فأعلن القضاء الإيراني في آب/أغسطس الماضي تنفيذ حكم الإعدام بحق غلام رضا رسائي، بعد إدانته بقتل ضابط في الحرس الثوري طعناً "خلال التظاهرات غير المشروعة في تشرين الثاني/نوفمبر 2022"، ليرتفع عدد الذين تم إعدامهم بتهم متصلة بالاحتجاجات، إلى عشرة.
وحذرت منظمات حقوقية من أن طهران تستخدم العقوبة القصوى كأداة ترهيب. وقالت منظمة "حقوق الانسان في إيران" ومقرها النروج، أن السلطات الإيرانية نفذت 402 حكماً بالاعدام خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، من بينها 100 على الأقل في آب/أغسطس.
من جهتها، علقت نائبة مدير "أمنستي" للشرق الأوسط وشمال إفريقيا ديانا الطحاوي، بأن "عدداً لا يحصى من الأشخاص في إيران مازالوا يعانون من عواقب القمع الوحشي الذي مارسته السلطات"، بينما ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، أن أفراد عائلات عشرات من الذين قتلوا أو أعدموا أو سجنوا على هامش الاحتجاجات، تعرضوا أيضاً للتهديد أو المضايقة أو حتى التوقيف بناء على اتهامات باطلة.
وأفادت الباحثة في "هيومن رايتس ووتش" ناهيد نقشبندي: "تعنف السلطات الإيرانية الناس مرتين، مرة بإعدام أو قتل أحد أفراد أسرتهم، ومرة باعتقال أحبائهم بسبب مطالبتهم بالمساءلة".
ومن بين الموقوفين، ما شاء الله كرمي، والد محمد مهدي كرمي الذي أعدم في كانون الثاني/يناير 2023، وكان في الثانية والعشرين من العمر. وحكم على الوالد بالسجن ستة أعوام في أيار/مايو الماضي، وتسعة أعوام في حكم ثان في آب/أغسطس الماضي.

وأسست الاحتجاجات لتغيير بدا جلياً في بعض أنحاء طهران والمدن الكبرى، وهو تخلي العديد من النساء عن الحجاب أو تغطية شعرهن في الأماكن العامة. فشددت السلطات القيود لضبط الالتزام بوضع الحجاب، مثل استخدام كاميرات مراقبة في الشوارع.
وأفادت "أمنستي" بأن السلطات أطلقت في نيسان/أبريل 2024 حملة "خطة نور"، زادت على إثرها "بشكل ملحوظ" الدوريات الأمنية بمختلف أشكالها "لفرض الحجاب الإلزامي". وأوضحت أن "القمع شمل مطاردات خطرة بالسيارات لتوقيف السائقات على الطريق، والمصادرة الجماعية لمركباتهن".
واتهم خبراء في الأمم المتحدة السلطات هذا الأسبوع بـ"تكثيف" قمعها للنساء، مشيرين الى أن "قوات الأمن صعدت أكثر أنماط العنف الجسدي القائمة أساساً، بما في ذلك الضرب والركل وصفع النساء والفتيات اللواتي يعتبر أنهن فشلن في الامتثال إلى قوانين وقواعد الحجاب الإلزامي".
وأشارت "أمنستي" إلى تقارير عن مطاردة عناصر الشرطة في شمال إيران في تموز/يوليو، سيارة كانت بداخلها أريزو بدري (31 عاماً) بغية مصادرتها تنفيذاً لعقوبة سابقة مرتبطة بالحجاب. وأشارت الى أنهم أطلقوا النار على السيارة، ما أدى لإصابة بدري بالشلل.

ورغم أن مهمة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة خلصت في آذار/مارس الى أن العديد من الانتهاكات خلال حملة القمع ترقى الى مستوى جرائم ضد الانسانية، لم تتم محاسبة أي مسؤول. ورأى محللون أنه رغم تمكن السلطات بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي من تجاوز التهديد الذي مثلته قضية مهسا أميني، الا أن الاحتجاجات أدت لتغيير جذري في المجتمع الإيراني.
وقالت المؤسسة المشاركة لـ"مركز عبد الرحمن بورومند" المعني بحقوق الإنسان في إيران، رويا برومند، أن "العديد من الشابات مازلن يرفعن راية التحدي". وأضافت أن "قيادة الجمهورية الإسلامية لم تتمكن بعد عامين من الاحتجاجات، من إعادة الوضع القائم الى سابق عهده أو استعادة مشروعيتها المفقودة".
في السياق، رأت مجموعات حقوقية أن إعدام رسائي في آب/أغسطس بعد أيام من تولي الإصلاحي مسعود بزشكيان منصب رئيس الجمهورية، يؤشر الى أن السلطات لا تعتزم تغيير نهجها المتعلق بتطبيق عقوبة الإعدام.

من جهة أخرى، كشفت الاحتجاجات اختلافات كبيرة في صفوف المعارضة في المنفى، في ظل غياب مجموعة موحدة قادرة على استثمار هذه التحركات سياسياً في الداخل أو الخارج. وباءت بالفشل كل المحاولات لإيجاد صيغة قابلة للحياة بين مجموعات متباعدة من الملكيين والقوميين والليبراليين.
وقال الأستاذ الزائر في "جامعة بوسطن" الأميركية آرش عزيزي، أن التحركات الاحتجاجية "هزت النظام الإيراني حتى العظم وأكدت خيبة الأمل الكبيرة للإيرانيين من الواقع الراهن". وأشار مؤلف كتاب "ما يريده الإيرانيون" الى أن التحركات "أظهرت كذلك الإفلاس المطلق لبدائل المعارضة".
وأضاف عزيزي: "مازلت أعتقد بأن إيران لن تعود الى ما قبل 2022. وخلال السنوات القليلة المقبلة، ستشهد الجمهورية الإسلامية على الأرجح تحولات جوهرية".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها