الثلاثاء 2024/11/12

آخر تحديث: 14:32 (بيروت)

"متحف سجون داعش"...ذاكرة للمستقبل

الثلاثاء 2024/11/12
increase حجم الخط decrease
افتتح "متحف سجون داعش" معرضه الأول في المقر الرئيس لمنظمة "يونيسكو" الدولية بباريس في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بعنوان "ثلاثة جدران: حكاية المكان في الموصل القديمة". ويأتي المعرض في خضم حرب الإبادة التي تخوضها اسرائيل على لبنان وغزة ضمن أنماط التوحش التكنولوجي، بعد أنماط التوحش البدائي التي اتّبعها تنظيم داعش.

لم يأفل تنظيم داعش بعد، فهناك فلول وخلايا جوالة له في بعض الأماكن في البادية السورية. وربما يغيب عنا أننا في كلما واجهنا ظاهرة غريبة، تصعد وتهبط، وتترك خلفها الخراب والركام والرعب والتوحش والمآتم. لا نعرف كيف بدأت وتشكّلت، وما دور الدول في رعايتها وإطلاقها ثمّ التخلص منها، من أسامة بن لادن إلى أبي بكر البغدادي. لم تأفل مآثر تنظيم داعش المرعبة والفاتكة. قبل أسابيع حُرّرتْ فتاة أزيدية خطفها داعشي و"أهداها" لوالدته في إحدى مناطق غزة، وبعد خمس سنوات على مقتل زعيم تنظيم داعش الأسبق، أبو بكر البغدادي أو إبراهيم عواد، كشفت زوجته أسماء محمد أسراراً صادمة عن زعيم التنظيم المقتول. وقالت أسماء المعتقلة حالياً في العراق، في أول مقابلة لها مع إحدى القنوات العربية، إن البغدادي امتلك أكثر من 10 "سبايا" أيزيديات. وعرضت القناة نفسها، مقابلات مع فتيات أزيديات تحدثن عن معاناتهن حين كن أسيرات أو سبايا لدى التنظيم. ولعل سجون داعش كانت أبرز شاهد على إدارة التوحش وأساليب العنف في التنظيم...

ومتحف سجن داعش، رقمي تفاعلي، يؤرخ ويوثق جرائم التنظيم. يوظّف التقنيات ثلاثية الأبعاد في توثيق وإعادة بناء الأماكن التاريخية التي شهدت دماراً واسعاً في الموصل، بعدما سيطر عليها التنظيم بشكل مفاجىء بين العامين 2014 و2017. يركز المتحف على دور السجون التي كانت جزءًا رئيساً من حكم التنظيم في سوريا والعراق، إذ مرّ بها عشرات الآلاف من الأشخاص، منهم مَن تعرض للإخفاء القسري، ولم يُعرف مصيره بعد. ويسعى المتحف إلى رفع الوعي العالمي والعربي والمجتمعي حول هذه الجرائم، بعد عشرة أعوام على إقامة "الدولة الإسلامية" في المنطقة، وإلى المساهمة في تحقيق العدالة والمساءلة والمحاسبة، كما يوجّه جهوده لدعم عائلات المفقودين في مساعيهم لمعرفة مصير أحبائهم، وتكريم الضحايا، والاحتفاء بحضارة الموصل العريقة. ويَحْوي أرشيف المتحف قاعدة بيانات لأكثر من 70 ألف وثيقة، ومئات المقابلات المصوّرة مع ناجين وناجيات من السجون والمجازر.


والمتحف الذي تأسس العام 2017، أي غداة اندحار تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، ولد من رحم "مؤسسة الشارع" التي بادرت إلى إنشائها في العام 2010 مجموعة من الناشطين في سوريا، جعلت التصوير والأفلام الوثائقية وسيلتها التعبيرية الاعتراضية على نظام القمع والتوحش. هؤلاء كانوا ناشطين في ما سُمّي "الربيع العربي"، قبل أن يحول تنظيم "الدولة الاسلامية"، الربيع إلى مآتم ورؤوس مقطوعة ولحظات رعب وخطف ومقابر جماعية ومشهديات إعدامات منظمة لآلاف الأشخاص في العراق وسوريا وليبيا واليمن. والشبان أصحاب التجارب في سوريا، يستكملون تعرية الواقع الذي آلت إليه الأوضاع، لبناء ذاكرتهم المستقبلية، وكشف الفاعلين الغامضين والمبهمين، وأشكال الرفض التي اتبعها المجتمع لهذا التنظيم.

يتمحور المعرض حول ثلاثة مبانٍ في الموصل القديمة، تجسد التاريخ العريق للمدينة وتعايشها السلمي التعددي الممتد لآلاف الأعوام، وتعكس روح العمارة الموصلية، وهي: كنيسة السريان، والجامع الكبير النوري، ومنزل في حيّ الميدان. يمثل كل مبنى فئة أوسع من المواقع التي سيطر عليها داعش قبل عشرة أعوام من الآن، وغيّر معالمها وارتكب فيها انتهاكات مختلفة، ثم تركها مخرّبة أو مهدّمة ومساكن أشباح.

خلال المعرض سيستمع الزوار إلى شهادات مسجّلة لناجين من سجون داعش في الموصل، وبالتحديد من السجنين اللذين أنشأهما في كنيسة السريان، وبيت الميدان. يستعرض الشهود تجربتهم في تلك الأماكن كمعتقلين، ويستعيدون ذكرياتها وتفاصيلها.

وثمة ملف يحكي عن سجن الأحداث في مدينة الموصل العراقية، الذي حوّله تنظيم داعش، العام 2014، إلى سجن أمني لمدة 46 يوماً، وخصصه للمتهمين بقضايا حساسة مثل معارضة التنظيم أو التخابر ضدّه.

يُقدم هذا الملف تحقيقَين اثنين، الأول بعنوان "سجن الأحداث: الأخطر والأقصر عمراً بين سجون داعش في الموصل"، ويدرس بُنية السجن كمَيتم، ثمّ كسجن للأحداث، وصولاً إلى تحويله إلى سجن لداعش. يعكس التحقيق تأثّر السجن في كل مرحلة من المراحل، بالسياقات السياسية والاقتصادية التي مرّ بها العراق، مثل حرب الخليج الأولى والحصار الاقتصادي الذي أعقبها، ثمّ حقبة الاحتلال الأميركي، وما رافقها من ظهور حركات متطرفة فرضت سطوتها داخل السجن نفسه.

أما التحقيق الثاني فيحمل عنوان "المقاومة المدنية في الموصل: حكايات مَنْ واجهوا داعش" وهو يركز على أنماط مختلفة، فردية ومنظمة، من المقاومة المدنية في وجه التنظيم في الموصل، بالاستناد إلى 18 مقابلة مع ناشطين وشهود عيان وحقوقيّين، إلى جانب عائلات النشطاء الذين قضوا على يد التنظيم.

سجن الأحداث
يستعرض ملف سجن الأحداث 16 شهادة مصورة لمعتقلين سابقين فيه، شكلت الركيزة الأساسية في دراسة وفهم السجن. 11 من الشهود كانوا قد اعتقلوا في حقبة داعش، وخمسة منهم سُجِنوا في سجن الأحداث، وهم أطفال، ما بين العامين 1991 و2008. ركزت المقابلات مع الشهود المعتقلين في حقبة داعش على تجربتهم في السجن، علماً أنهم جميعاً اعتقلوا بتُهمٍ أمنية تتعلق بانتمائهم الديني، أو بتُهم التخابر ضدّ التنظيم. 

إلى جانب سجن الأحداث، يستعرض الملف معلومات عن 15 سجناً أمنياً آخر استعملها داعش في الموصل، ويقدم مجموعة من التفاصيل عن طبيعتها ومواقعها، وتُهم المعتقلين فيها، وأبرز سجانيها، وهيكلها الإداري، بناء على شهادات ناجين منها، جمعها "متحف سجون داعش". 

سجن الملعب
في إطار دراسة سجن الملعب البلدي (النقطة 11) في مدينة الرقة السورية، سجل "متحف سجون داعش" مقابلات مع 11 معتقلاً سابقاً فيه، بين العامين 2014 و2016. كان سجن الملعب أمنيّاً، لذا ضمّ معتقلين من الناشطين السياسيّين والمدنيّين، وممن اتهموا بالتخابر ضد التنظيم أو القتال ضدّه، بينما اعتقل آخرون لمجرد امتلاكهم خطوط إنترنت، أو حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي.

سُجّل الجزء الأكبر من هذه المقابلات ميدانيّاً داخل قبو سجن الملعب (مقر السجن)، حيث تجوّلت الكاميرات مع الشهود في زواياه المختلفة لكشف عوالمه وفهم وُجهات استعمال قاعاته. لكن لاحقاً، وبسبب بعض الصعوبات في الحصول على موافقات لاستكمال أعمال التصوير داخل المبنى، سُجّلت مقابلات مع بعض الشهود في استديو خاص.

 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها