السبت 2024/10/19

آخر تحديث: 12:17 (بيروت)

"الأستاذ" لفرح نابلسي: الواحد منكم بألف منّا

السبت 2024/10/19
"الأستاذ" لفرح نابلسي: الواحد منكم بألف منّا
المساواة بين طرفي الصراع تظهر مستحيلة بحكم المعادلة التي يفرضها الاحتلال
increase حجم الخط decrease
في فيلمها القصير، "الهدية"، قدمت المخرجة الفلسطينية فرح نابلسي معالجة لموضوع المقاومة في سياقها الفلسطيني، وذلك من منظور طفولي. الحبكة التي تقود إلى عبور طفلة لحاجز على الضد من كل التوقعات، تتماهي مع تيار أوسع في السينما الفلسطينية وغيرها من سينما الجنوب، وهو التيار المعني بأنسنة القضايا النضالية، عبر الفردنة والجماليات ومن خلال عدسة اليومي والحميم والبريء والتفصيلي، بين وسائل أخرى كثيرة. على المنوال نفسه، يعتمد فيلمها الطويل الأول، "الأستاذ" (2023)، على منهجية الأنسنة ذاتها، في سياق تناوله للمقاومة، لكنها المقاومة في معناها المباشر وصورتها المسلحة هذه المرة، فالفيلم مستلهم من عملية أسر الجندي الإسرائيلي "شاليط"، وصفقة التبادل اللاحقة.

معضلة تيار الأنسنة تكمن في انطلاقه من الحاجة لإثبات إنسانية الشعوب المقهورة، وذلك من أجل نزع صفة الدونية عن معاناتها ومحو وصمة الوحشية عن عنفها المسلح. وبالضرورة يكون هذا الخطاب موجه للآخر، وهدفه هو نيل الاعتراف منه أو انتزاعه، بالقول إننا متساوون معه، أي أننا بشر مثلكم. على تلك الخلفية يضمن فيلم "الأستاذ" بين شخصياته، متطوعة إنكليزية تعمل في مدرسة فلسطينية. وترتبط ليزا بعلاقة عاطفية مع زميلها المدرس الفلسطيني باسم، النشط في تنظيم سري للمقاومة، والذي يقوم بأخفاء جندي إسرائيلي في بيته، بغية إقرار صفقة لمبادلته بأسرى فلسطينيين. تقوم شخصية ليزا بدور تقديم الاعتراف الغربي، ففي مشهد تكتشف فيه مسدس في بيت باسم، يحتاج هو أن يبرر لها موقفه، وأن يروي لها قصه ابنه المراهق الذي مات برداً في أحد السجون الإسرائيلية، حتى تقر هي بدفوعه في النهاية.

وفي مشهد آخر، في مواجهة أحد طلابها الذي قتل أخوه الأكبر على يد المستوطنين، تعقد مقارنة بين مأساته وبين مأساة فقدها لأختها التي توفت في حادث سيارة، بحيث يكون تجاوزها لتلك الأزمة مثالاً يقتدي به الطالب الفلسطيني في الخروج من حزنه. فالأنسنة تعتمد على فكرة أساسية هي أن البشر متساوون، وبالتالي يتشاركون في رغباتهم وردود أفعالهم وهشاشتهم.

الآخر في "الأستاذ"، لا يقتصر على الغربي المتضامن مثل ليزا، بل يشمل الآخر العدو أيضاً. فشعور باسم بالذنب تجاه ابنه القتيل، والذي يحاول تعويضه برعاية أحد تلامذته بشكل أبوي، يقابله أحساس بالذنب يشعر به الأب الأميركي اليهودي تجاه ابنه، الجندي الإسرائيلي المخطوف. لا يساوي الفيلم بين الإثنين سياسياً بالتأكيد، وحين يتواجهان في المدرسة، ينكر باسم أنه يعرف شيئاً عن الجندي الأسير، ومن باب التعاطف يكتفي بأخباره بأن خاطفي ابنه سيحافظون على حياته. وحين يسأله الأب اليهودي عن كيفيه معرفته بهذا، يجيب الأستاذ: لأن جماعتك قرروا أن حياة الواحد منكم بألف منا. تعيد تلك الجملة بعض التوازن للفيلم، لكنها تنسف أيضاً عملية الأنسنة الذي يعتمد عليها، فالمساواة بين الطرفين تظهر مستحيلة بحكم المعادلة التي يفرضها الاحتلال، ومحاولة فرض مساواة رمزية بوسائل فنية غير مجدية بل ومهينة.

يقود الفيلم النوايا الحسنة لصناعة، فتبدو سرديته مثل سلسلة من المشاهد التعليمية عن القضية الفلسطينية الموجهة لمتفرج غربي. فالمشهد التقليدي لهدم البيت الفلسطيني يتبعه سريعاً مشهد لحرق المستوطنين لأشجار الزيتون، ثم بعده مباشرة مشهد قتل أحدهم لمراهق فلسطيني حاول التصدي لهم، وهكذا تربط بين تلك المشاهد حوارات تغلفها الركاكة، سواء في النص أو الأداء التمثيلي. لسوء الحظ، تضيع في وسط هذا كله وبسببه، إمكانات درامية واعدة تضمنتها حبكة الفيلم، حيث تتصارع وتتناغم صور شتى من المقاومة، من العمل المسلح إلى التقاضي في المحاكم الإسرائيلية، مقاومة ليست فردية بحسب "الأستاذ" بل يسلمها جيل إلى آخر.

(*) يعرض الفيلم حالياً في قاعات السينما البريطانية

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها