الأربعاء 2024/10/09

آخر تحديث: 10:48 (بيروت)

شرق أوسط جديد؟

الأربعاء 2024/10/09
شرق أوسط جديد؟
الهوس بخلق شرق أوسط جديد، أو بمعنى آخر إعادة تشكيله، ليس جديداً (Getty)
increase حجم الخط decrease

نشوة الانتصار تتملك الائتلاف الحاكم في إسرائيل، ومعها تنطلق التلميحات والتصريحات المباشرة حول رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط. هذا الترتيب المنتظر للإقليم لا يحدث في غزة، بل في لبنان. فالقطاع معضلة إسرائيلية داخلية كما يراها المتحمسون لإعادة زرع المستوطنات فوق خرائبه، أو هو مسألة تتعلق بالاستثمار العقاري على ساحل المتوسط، حسب جاريد كوشنار. وهنا لا دور للسلطة الفلسطينية، ولا قوات دولية، وحده "جيش الدفاع" المؤتمن على أمن إسرائيل. أما لبنان، كالعادة، فهو رقعة التقاء التحالفات الهشة والمحاصصات والعداوات التي لا تتقادم، بين طوائفه وبين قوى الإقليم. ولذا، إعادة ترسيم واقعه السياسي المفتت والمتكلس في آن، قد يكون خطوة أولى حاسمة في خلق إقليم جديد. فانتازيات ترتيب العالم مثل قطع البازل لا تلهب الخيال الإسرائيلي وحده، ثمة لاعبون إقليميون كبار وساسة محليون وقطاعات مجتمعية استنزفت من خراب السلم وخراب الحرب على السواء، تعول على المطرقة الإسرائيلية، أو على أن ينتج عن الهول الآتي شيئاً، أي شيء غير الخواء المقيم والممتد.

بعد صدمة زلزال السابع من أكتوبر، قرر الإسرائيليون التخلي عن سياسة التوازنات والتعايش مع التهديد على طول الحدود عبر تخفيض احتمالات الخطر، واستبدالها بسياسة استئصال الخصوم بالكامل، وبأي كلفة، في غزة بأكملها وجنوب لبنان حتى الليطاني، وهناك دعوات لضرب سوريا "استباقياً". وربما علاوة على ذلك، تحييد الخطر الآتي من إيران ومن برنامجها النووي على وجه الخصوص. والحال أن القوى الإقليمية العاجزة أمام إيران وحلفائها في المنطقة، تتمنى قيام إسرائيل بالمهمة نيابة عنهم، وفي الوقت ذاته تخشى أن تطاولها نيران المعارك.

الهوس بخلق شرق أوسط جديد، أو بمعنى آخر إعادة تشكيله، ليس جديداً. كان هذا قبل الاتفاقات الإبراهيمية بالطبع، وأيضاً قبل إطلاق "الفوضى الخلاقة" على لسان كوندليزا رايس وبعدها بغزو الولايات المتحدة للعراق. وكذلك قبل كامب ديفيد، بل وقبل حلف بغداد. ولا شك أن منطقتنا مثل أي منطقة أخرى في العالم، تتعرض لتيار متدفق من التغيرات والتبدلات، وإن كان أكثر عنفاً من غيره من المناطق. لكن الشرق الأوسط الجديد هذا، يعني حصراً في مخيلة المنظّرين له، ترتيبات تناسب المصالح الإمبراطورية الأميركية. ولذا، من المفهوم أن تكون إسرائيل، بصفتها الوكيلة الاستعمارية، في القلب من تلك المشاريع جميعها.

لكن محاولات إعادة تشكيل المنطقة طالما ارتدت بنتائج عكسية. على سبيل المثال، قادت "النزهة" الاستعمارية الأميركية في العراق إلى كارثة على كل الأصعدة، وتسليم البلاد إلى النفوذ الإيراني، وتوسيع ذلك النفوذ لاحقاً. بمعنى من المعاني، تبدو الدعوة لتشكيل شرق أوسط جديد اليوم كمحاولة لتعديل خسائر المحاولة السابقة لتشكيل شرق أوسط جديد.

لا تبشر الخطوات الإسرائيلية المدعومة أميركياً بأي جديد، بل تظهر كاجترار للقديم ذاته، فإعادة احتلال غزة ليس سوى عودة إلى الوراء بتكلفة دموية هائلة ورصيد غير مسبوق من الأحقاد والرغبة في الثأر. وعلى المنوال نفسه، اجتياح الجنوب اللبناني بغرض احتلاله أو تشييد حزام أمني بطول الحدود، وصفة مجربة سابقاً ومعروفة النتائج. أما بخصوص "الحزام الناري" الأوسع المحيط بإسرائيل والممتد عبر سوريا، وصولاً إلى اليمن والعراق، نعرف أن حرباً طويلة وفادحة في اليمن شنها تحالف عربي بقيادة السعودية والإمارات ومن بعده تحالف "حارس الازدهار" الذي تقوده الولايات المتحدة لم يكسر شوكة الحوثيين. ومن المستبعد أن تستطيع إسرائيل تحقيق نتائج مغايرة.

ما يمكن تصوره بشأن تشكيل المنطقة بعد الحرب الجارية، هو العودة بها إلى عقد الثمانينات بمعضلاتها، مضافاً إليها معضلات كل العقود اللاحقة، فآخر فرصة جادة لخلق شرق أوسط جديد بيد شعوب المنطقة تم إهدارها مع هزيمة الثورات العربية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها