الجمعة 2024/10/18

آخر تحديث: 15:12 (بيروت)

محافظة دمشق تطرد باعة الكتب المستعملة..ما علاقة أسماء الأسد؟

الجمعة 2024/10/18
محافظة دمشق تطرد باعة الكتب المستعملة..ما علاقة أسماء الأسد؟
وحدها زوايا بسطات الكتب، كانت البقعة المُفرحة (مواقع تواصل)
increase حجم الخط decrease
تداول ناشطون سوريون في شبكات التواصل الاجتماعي، صوراً لما سمّوه "مجزرة الكتب" تحت جسر الرئيس، حيث تُظهر الصور الملتقطة، على عجل، قيام شرطة محافظة دمشق، بمصادرة صناديق مليئة بالكتب، تعود ملكيتها إلى الباعة الذين يمارسون عملهم في هذا المكان منذ عشرات السنين، مستفيدين من مركزيته في المدينة، حيث تعتبر مواقف سيارات النقل العامة مقصداً لغالبية سكان العاصمة.

ورغم أن المكان حيوي جداً، إلا أنه ظل لزمن مديد مهملاً، ومتروكاً، من دون متابعة من قبل المحافظة، رغم أنه يجاور المتحف الوطني، ويقع على بعد خطوات قليلة من مبنى كلية الطب القديم، وهو "مدرج جامعة دمشق" وفق التسمية الحالية، فيما تتربع بالقرب منه إلى الأعلى كلية الحقوق بمبناها العريق، وكلية طب الأسنان، ومشفى دار التوليد. بينما يمر فرع نهر بردى بالقرب منه، وتقع على بعد أمتار منه أرض معرض دمشق القديم، ومشروع الوردة الدمشقية، الذي بدأت "الأمانة السورية للتنمية"، التابعة لأسماء الأسد، العمل فيه في نهاية العقد الأول من هذا القرن، لكنه توقف كلياً بعد تفجر أحداث الثورة السورية.



وبالنظر إلى أن المكان، يحمل اسم رأس النظام الأب، حافظ الأسد، فإن ذاكرة السوريين بشكل عام، والدمشقيين بشكل خاص، لا تحتفظ له بأشياء الجميلة، فهو عقدة أمنية! إذ يحكي ناشطون عن أن فروع المخابرات خصصت لعناصرها غرفاً، قرب مبنى إدارة المعرض، كي يكونوا جاهزين، تحسباً لأي طارئ في المكان، كما أن أزمات المواصلات أرخت بظلالها على مشهديته، فصار عنواناً من عناوين البؤس، وتحته ترى صوراً لجموع بشرية تتراكض صوب سيارات السرافيس "الجرذان البيضاء"، وتتشاجر في ما بينها، من أجل الحصول على مقعد فارغ في العربات الضيقة!

لكن أسوأ ما حصل، في ما يخص منطقة جسر الرئيس، هو ذلك التجمع الهائل لعائلات المعتقلين السياسيين، في بداية أيار 2022، (انظر تغطية موقع المدن للقصة) حين سرت بينهم إشاعة تقول: إن النظام سيفرج عن المعتقلين الذين شملهم عفو رئاسي في هذا المكان، ما أدى إلى قدوم الآلاف، وتجمعهم، وبقائهم لساعات طويلة! وبعدما استمر التجمهر أياماً، تبين أن الأمر لا يعدو كونه أخباراً ملفقة، أطلقها البعض، بينما اتهم معارضون النظام بتدبير الواقعة، إمعاناً في إذلال أهالي المعتقلين.

وحدها زوايا بسطات الكتب كانت البقعة المُفرحة، لفئات متنوعة من القراء العاديين والمثقفين والطلاب، الذين كانوا يجدون فيها ما يريدون، من الأعمال الأدبية والمراجع والمصادر، بعيداً من المكتبات ذات الأسعار المرتفعة.

وفي هذا المسار، اعتُبر المكان سوقاً، لا يرقى لأن يكون وريثاً لسوق الكتب القديم الذي حمل اسم "المسكية"، والذي قامت محافظة دمشق بإزالته خلال عملها على كشف جدران الجامع الأموي في المدينة القديمة. لكنه كان، ومن ناحية الوظيفة، يؤدي الغرض، إذ بقيت بسطات الكتب قائمة فيه، طيلة أيام الأسبوع، بينما كانت البسطات الأخرى تختفي خمسة أيام وتظهر يومَي العطلة فقط، وتنتشر أمام أبواب المؤسسات الرسمية التي تغلق أبوابها في الوسط التجاري والإداري لمدينة دمشق.



وبالعودة إلى ما حدث قبل ايام، فإن الصور المتداولة وضعت المتابعين أمام مشهدٍ لم يألفوه، رغم الاعتقاد الدائم بإمكانية تحققه، إذ أحال كثيرون منهم، القصة، إلى همجية مؤسسات الدولة في التعاطي مع الكتب، وقال البعض إن محافظة دمشق -أو بعض العاملين فيها على الأقل- تحقد على الثقافة، وإنها تترك لهؤلاء أن يتصرفوا على هواهم، من دون احترام للكتاب، وطبعاً من دون احترام للمُلكية، فهذه الكتب هي أرزاق مَن يبيعونها!

وفي البحث عن الدافع الذي يجعل المحافظة تزيل البسطات من المكان، فإن القصة تعود إلى خطة وضعتها، وأعلنت عنها منذ عام تقريباً، لإعادة تأهيل المنطقة بشكل كامل. فنشرت صحيفة "الثورة" التابعة للنظام، تصريحات لمدير الدراسات الفنية في المحافظة، م.معمر الدكاك، قال فيها إن تنفيذ تأهيل جسر السيد الرئيس ومحيطه "سيتم خلال النصف الثاني من العام المقبل (أي في الوقت الحالي)، عبر إحدى شركات القطاع العام (لم تُعرف هويتها)، تمهيداً للبدء بمشروع التأهيل في هذه المنطقة المزدحمة بالآليات، كونها مركز انطلاق تبادلياً، بالإضافة إلى وجود الإشغالات المختلفة، والتي تتطلب اتخاذ الحلول والإجراءات اللازمة لإعادة تجميل وتنظيم هذه المنطقة، نظراً لما تعانيه من تشويه بصري وفوضى في توزع الإشغالات الموجودة، وكثافة في عدد خطوط النقل وتوزعها". وبحسب تصريحات هذا المسؤول، فإن خطة إعادة التأهيل "تتضمن تخصيص ركن مغلق لبيع الكتب داخل الحيز الجنوبي من الجسر".

وكما هو معتاد فإن الإجراءات التي بدأ تنفيذها، لا تتضمن حلولاً مؤقتة للشاغلين، بل إن عليهم أن يغادروا، وإن لم يفعلوا، فإن شرطة المحافظة جاهزة للتعامل معهم، وفق قواعد عملها المعتادة، كما حدث اليوم.

تُذّكر قصة باعة الكتب الآن، بما حدث قبل فترة مع شاغلي سوق الحرف اليدوية، الذي لا يبعد عن جسر الرئيس، سوى عشرات الأمتار، إذ أُخرجوا من دكاكينهم بحجة ترميمها، ونُقلوا في النهاية إلى الحاضنة الثقافية في مشروع دمر خارج المدينة. وربما تكون الجهة التي ستستفيد من، أو ستنفذ التأهيل، هي "الأمانة السورية للتنمية" ذاتها، في إطار مشروع غامضٍ، تضع فيه يدها على محور كامل، يمتد من سوق ساروجة شرقاً، وحتى ساحة الأمويين غرباً، مروراً بجسر الرئيس، وبناء الوردة الدمشقية.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها