الأربعاء 2024/09/18

آخر تحديث: 12:10 (بيروت)

الياس خوري السوري

الأربعاء 2024/09/18
الياس خوري السوري
الياس خوري في فعالية لمنظمة PEN الدولية في نيويورك تحت عنوان "وجهاً لوجه: مجابهة الجلادين" (2010 - Getty)
increase حجم الخط decrease
يجزم المتابع لانشغالات الراحل الياس خوري، أن الجهد الذي بذله، في متابعة القضية السورية، يكاد يكافئ اهتمامه بالقضية الفلسطينية، وبالشأن اللبناني.

ويمكن التوقف عند زاويته الأسبوعية في جريدة "القدس العربي" للاستدلال، ليس على ما يثبت هذا الجزم فقط، بل أيضاً على طبيعة انهمامه بالشعب السوري، وبثورة الكرامة، وبالاستبداد السوري، وباللاجئين، وبالمعتقلين والمخطوفين، وبالنساء السوريات السجينات، وبالمثقفين، وشرائح اجتماعية شتى.

كما أن واحدة من أهم تجليات اجتهاده الفكري والسياسي، تظهر في ربطه الديناميكي، بين المسارات الثلاثة (الفلسطيني واللبناني والسوري)، بحيث يدرك القارئ أن بؤرة الأزمات تكاد تكون واحدة.

في زاوية "هواء طلق" في الجريدة اللندنية، كان القراء على موعد دائم، في صباح يوم الثلاثاء، من أجل قراءة ما يكتبه الياس، وكلما صعد مؤشر الحدث السوري، كان القارئ يتوقع أن يجد طرحاً ما، من قبل الكاتب، يخص ما يجري.

لكن حالة التركيز على سوريا لم تبدأ عنده هنا، بل سبقها أنه ومنذ كان في صحيفة "السفير"، ومن بعدها جريدة "النهار"، كان يتعاطى مع المثقفين السوريين بوصفهم مناضلين في وجه نظام قمعي، وكان يفسح المجال لهم لأن يعبّروا، في الصفحات التي يديرها، عما يريدون قوله، من دون الالتفات إلى هيمنة النظام السوري على الفضاء العام اللبناني، بحكم تدخله عسكرياً في البلد. وقد تصاعد حضور المثقف السوري المُعارض في الصحافة اللبنانية، بدعم كبير من الياس، حينما فتح صفحات "ملحق النهار" أمام الكتّاب السوريين الذين مضوا في تجربة ربيع دمشق، وعانوا ما عانوه في ما تلاها من حملات قمعية.

ميشيل سورا
المعرفة الهائلة بتفاصيل الحالة السورية، جعلت من الياس ناطقاً بالأصوات المدنية الديموقراطية في هذا البلد، فهو وقد عايش وقائع الأحداث في ذلك الوقت، يعرف بأن الثورة لم تكن نبتاً منقطعاً، خاصاً، ولد فجأة، بل كانت امتداداً لنضالات سابقة، حاول المثقفون عبرها مواجهة محاولات النظام إبادة حريتهم وجعلها خادمة له! وعن هذا السلوك، كتب في مقالة مطولة نشرها في مجلة "بدايات" بعنوان "بحثاً عن البرابرة" في العام 2015، عن أن "علامة البربرية الأولى هي تصفية الثقافة وتدجينها، غير أنّ الثقافة السورية نجحت في تحدّي القمع ولو بشكل جزئي، وقدّمت شهادتها من خلال أعمال المسرحي سعدالله ونّوس والقاص زكريا تامر والشعراء نزار قباني ومحمد الماغوط وممدوح عدوان وغيرهم. وستنفجّر هذه الثقافة حرية في ربيع دمشق القصير 2001، وهو الذي شكّلت نتاجاته مقدّمة الثورة السورية".

في هذه المقالة، استعادة واسعة لتجربة الباحث الفرنسي الراحل ميشيل سورا، مع تركيز على القراءة الملهمة التي قدمها لطبيعة النظام السوري في كتابه "سوريا الدولة المتوحشة" ويظهر للقارئ أن المعرفة المتراكمة التي ترسخت في عقل الياس، من خلال التجربة الشخصية، حيث عايش منذ نهوض وعيه كشاب، استيلاء البعثيين على السلطة في سوريا والعراق، بالإضافة إلى معايشته للسلوكيات التي انتهجها الأسديون في تدخلهم في الحرب اللبنانية، بالتجاور مع متابعته للنتاجات التي قدمها السوريون أنفسهم عن الآلة التدميرية التي تحكمهم... هذه المعرفة ستجعل قراءته للحدث السوري عميقة، وبما يكفي لتلمس بواعث الحذر مما سيفعله الأسد في مواجهة السوريين الذين نزلوا إلى الشوارع مطالبين برحيله. وسيقرأ من شعارات شبيحة النظام، ما يربص خلفها من نوايا تدميرية، ليكتب في العام 2015 تحت عنوان "الأفول وحرب البربريات": "لم يكن الشعاران اللذان أطلقهما شبيحة النظام السوري، في بداية الثورة، مجرد تهديد فارغ. «الأسد أو لا أحد، والأسد أو نحرق البلد»، كانا تعبيراً دقيقاً عن نيات الاستبداد ومشروعه الفعلي. وهما شعاران يذكران بالوقفة الأخيرة لهتلر، الذي اعتبر أن هزيمة مشروعه النازي يجب أن تترجم هزيمة ساحقة للشعب الألماني. بقي هتلر مصراً على موقفه حتى لحظة انتحاره، فكان انتحاره إعلاناً بنحر ألمانيا وشعبها، لأن هذا الشعب لم يكن على مستوى طموحات الرايخ الثالث الجنونية. وهذا ما أعلنه الأسد الصغير منذ بداية الانتفاضة الشعبية ضد حكمه الاستبدادي. أوصل العنف إلى أقصاه في مواجهة ثورة شعبية سلمية، ودفع المجتمع السوري إلى هاوية الحرب الأهلية".

كما سيكتب في أوقات متباعدة، عن الأسلوب الذي يعتمده النظام، في تخريب الحراك، وتحويله من ثورة شعبية لإسقاطه، إلى حرب أهلية. فقد مرت أمامه تجربة مماثلة هي "الحرب الأهلية اللبنانية المدمرة، التي تحولت الى مقتلة شاملة، بعد نجاح القوى الفاشية واسرائيل والنظام السوري في تحويلها إلى حرب طائفية".

لكنه بدأ بإرسال إشارات التحذير للثائرين السوريين في وقت مبكر نسبياً، من الأفعال التي يمكن أن يتورطوا فيها، طالما أن قضيتهم لم تعد، وبعد وقت قصير جداً، مجرد مسألة محلية، بل تحولت إلى عقدة إقليمية ودولية. وسيكتب تحت عنوان "أسئلة الى الأصدقاء في سورية" في العام 2013: "علينا العودة إلى النبع الأخلاقي الذي انطلقت منه الثورة، إنها ثورة مدنية لا طائفية، ثورة من أجل الكرامة والديموقراطية، ثورة لا تخضع لأنظمة عربية تشبه النظام السوري، وهي أولاً ثورة حرية".

غير أنه، ومع توسع التدخلات في مسار الثورة، سيجد أن الرسالة التي يجب أن تنقل للقارئ، من المحتم أن تحتوي عرضاً لتمفصلات القضايا الإقليمية حول الحدث، وهنا ستكون ضرورية قراءة تدخل حزب الله اللبناني، وكذلك ربط ما يجري بواقع القضية الفلسطينية ودور إسرائيل، وأيضاً الدور الذي لعبته أموال بعض الدول في خلق الفصائل الجهادية التي حرفت مسار الحراك وأجهضت في النهاية الفعالية الثورية.

"الانتحار اللبناني في سورية!"
ففي المفصل اللبناني، ورط حزب الله لبنان كله في سوريا، بعدما تدخل في القتال لصالح النظام، وحول هذا، وتحت عنوان "الانتحار اللبناني في سورية!" كتب في العام 2013: "عناصر حزب الله الذين يقاتلون الى جانب النظام السوري وشبيحته، يرتكبون اليوم الخطأ الأساسي القاتل في تاريخهم. وإن نتائج هذا الخطأ الكارثية لن تنحصر بهم، بل ستمتد الى الطائفة التي يحتكرون تمثيلها، وستشمل لبنان بأسره، لأنها ستكون اللعبة الانتحارية الأخيرة والنهائية، في تاريخ الانتحارات التي صنعتها البنى الطائفية اللبنانية المقاتلة، خلال العقود الأربعة الماضية".

إلا أن هذا التورط، لم يكن ابن اللحظة الراهنة، بل استكمالاً للحضور الأساسي للحزب، فقد نجح، وكما يقول في زاوية لاحقة، "في الهيمنة على المقاومة ضد إسرائيل في لبنان وفي طرد اليساريين والقوميين منها بسبب عاملين أساسيين: الأول هو الهيمنة العسكرية والأمنية للنظام الاستبدادي السوري على لبنان، معطوفاً عليها الدعم الإيراني غير المحدود، والثاني هو الانهيار الداخلي الذي أصاب اليسار وعموده الفقري الحزب الشيوعي، بسبب تفكك المعسكر الاشتراكي، وإمعان النظام السوري في طرد الشيوعيين من «جنة» المشاركة في نظام الهيمنة".

أي أن ثمة دوراً منوطاً به منذ البداية، لكن تحوله إلى أداة يضع لبنان في مأزق كبير. وعن هذا يقول في زاوية بعنوان "حرب على اللاجئين السوريين" ونشرت قبل عشر سنوات من الآن: "المأزق السياسي الذي وجد فيه لبنان نفسه إزاء المسألة السورية متشعب ومعقّد. لم يعد النقاش حول اجتياح جنود حزب الله لمناطق في سوريا مجدياً، فالقرار إيراني، وحزب الله ليس سوى منفذ. لكن ما فات قيادات حزب الله ملاحظته هو أن عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين في عرسال جاء بعد اجتياح القصير ويبرود من قبل جنود حزب الله، بما يخلّفه ذلك من أحقاد، وأن هذه الأحقاد تتنامى بفعل تصاعد الخطاب الطائفي السني- الشيعي، وخصوصاً بعد الصعود الكاسح لـ«داعش» في العراق وسوريا. كما أن خطاب الحزب يهمل حقيقة أن الحدود حين تفتح للتدخل العسكري، فإنها لن تبقى مفتوحة من جانب واحد".

مشكلة اللاجئين السوريين، الذين تحولوا قضية سياسة في لبنان، لم تنفصل، في تحليل الياس خوري، عن هذه اللحظة الكارثية، حيث لن تكون، ومنذ الآن، إلا نتيجة لها، وبالتالي فإن هؤلاء الذي جاؤوا بحثاً عن الأمان، ويتعرضون لحرب عنصرية ضدهم، يتحولون مادة للصراع الداخلي اللبناني! لكن من الواجب على القوى السياسية، وعلى الفئات الحرة، أن تعارض هذا التوجه، مع تأكيد شخصي كرره غير مرة، من أنه يصبح سورياً كلما فقد هؤلاء القدرة في الدفاع عن أنفسهم، فقال في العام 2014: " كلنا سوريون، حين يتعلق الأمر بالمبادئ الأخلاقية، وكلنا سوريون حين ننظر الى مستقبل هذه البلاد التي لا مستقبل لها إلا في الحرية وكرامة المواطن". وكتب في وقت لاحق: "إرفعوا أيديكم عن اللاجئين السوريين، وتوقفوا عن بث الكراهية. السوريون ليسوا أهلنا وأخوتنا فقط، بل أن مصير الشعبين صار واحداً. وعلى الميليشيات اللبنانية التي تشترك مع النظام السوري في قمع الشعب السوري أن تتعظ قبل فوات الأوان".

"فقراء لبنان في مواجهة الفقراء السوريين"
وفي وقت لاحق، وتحديداً في العام 2023، ومع اشتداد الحملة المسعورة، ضد اللاجئين السوريين، كتب الياس خوري: "الدولة في طور الانهيار، ومسؤولية الانهيار تتحملها طبقة اللصوص الحاكمة بكل تلاوينها الطائفية. غير أن التذاكي اللبناني يريد تحميل اللاجئين السوريين مسؤولية الانهيار. يضحكون على فقراء لبنان كي يضعوهم في مواجهة الفقراء السوريين". وفي النهاية يعلن صرخة الضمير عالياً ويقول: "أنا الموقّع أدناه، أعلن أنني صرت لاجئاً سورياً. صرت لاجئاً وليس نازحاً، كما يطلقون علينا هنا في لبنان، وذلك بهدف حجب حقيقة قتل الشعب السوري وتهجيره من بلاده. نعم، السوريات والسوريون لاجئون، لكن دولة لبنان الكبير تتعامل معهم بلغة عنصرية ساقطة وممجوجة. المرجلة على لاجئين فقراء لها اسم واحد، هو النذالة. وكي لا نكون شركاء في هذه النذالة الأخلاقية، فإن علينا كمواطنين في بقايا هذا الوطن، الذي استباحته المافيا المصرفية والسياسية الحاكمة، أن نعلن بأننا صرنا سوريين".

في قراءة الراحل لتمفصلات القضية السوري أيضاً، يمكن التوقف عند القضية الفلسطينية، لا سيما الدور القذر الذي لعبه النظام في تدميرها، وفي صياغة مختصرة لكل هذا الإجرام، كتب عن أسدَين، واحد إسرائيلي، وآخر أسدي: "أسدان يَلِغان في دم الضحايا، من تل الزعتر الى صبرا وشاتيلا، ومن جنين الى حلب، ومن ريف دمشق ومخيم اليرموك الى قرى فلسطين ودساكرها. هذا ما كان يطلق عليه القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات اسم استراتيجية الأكورديون، التي تحققت حين أطبق الأسدان على المقاومة الفلسطينية العام 1982. شارون مات لكن شرط مواجهة الأسد الإسرائيلي الذي يتابع سياسة الفتك بالفلسطينيين، هو الخلاص من الأسد الآخر، الذي ربض على القلوب والصدور أربعة عقود وكان أحد ملوك طوائف هذا الإنهيار العربي".

موقف المثقف مما يجري، كان نقطة مركزية في كتابة الياس خوري، وكان عليه في كل مرة أن يقول رأياً مفتاحياً، ينطلق من بعده في سرد التفاصيل، ومن ثم العودة إلى العتبة الأخلاقية، التي يجب ألا يتم التنازل عنها في سياق مماحكة الواقع والأحداث والقوى التي تحاول تدمير الإنسان. وقد توقف عند هذه المسألة غير مرة، خصوصاً أن المشاريع الدموية التي حلت بالمنطقة، هدفت في الأساس إلى تهميش الإنسان الفلسطيني والسوري واللبناني والعراقي، وإلى آخر السلسلة من المآسي، لكن الانتفاضات والثورات تبدأ من رغبة البشر في التحرر من القيود، ومن الإمحاء. وفي هذا كتب: "الثورة التي لم يكن لها سوى مطلب واحد هو استعادة الكرامة الإنسانية والدفاع عن حق الإنسان في أن يكون إنساناً، قام نظام آل الأسد بتلويثها بالدم منذ لحظة انطلاقتها مع أطفال درعا، وانتشر الدم في كل مكان، حَمَلةُ الورود وقناني الماء في داريا أعيدت جثثهم مشوهة إلى أهلهم، متظاهرو ساحة الساعة في حمص أُغرقوا في الدم والأشلاء، وكنا نرى بعيوننا أشرطة الفيديو التي وزعها جلاوزة النظام على وسائل التواصل الاجتماعي التي تنقل صور التعذيب الوحشي وامتهان الكرامة واحتقار الحرية وإجبار الشبان على السجود أمام صورة الديكتاتور وتقديسها".

الاستباحة التي ألحقها الأسديون بالسوريين، صارت مُعدية، ويصل تأثيرها إلى كل القوى التي تهيمن عليه نزعات الاستبداد، فيجعل أفرادها من السوريين مادة لاستباحاتهم الخاصة، ومكسر عصا، يفرغون فيه النزعات الفاشية. ويعبّر الياس عن هذا في زاوية كتبها تحت عنوان "وحدكم يا وحدنا" ونشرت في صيف 2017، ويقول: "إنهم يقتلون سوريا أمام أعيننا التي لم تعد تستطيع أن ترى. هل تذكر أيها القارئ ذلك الإنسان السوري الذي صرخ مرة «أنا انسان مش حيوان»، يريدون لهذا الإنسان أن يتجرد من إنسانيته ويرتضي بأن يكون حيواناً. وحين فر اللاجئون إلى البلاد المجاورة: لبنان وتركيا والأردن، اكتشفوا أن بلاد اللجوء هذه تريدهم حيوانات، وأن لا خيار لهم، سوى التمسك بانسانيتهم.
يا وحدكم.
أيها السوريات والسوريون أنتم وحدكم، وحدكم أي وحدكم، لا تصدقوا أحداً. وحدكم في العزلة ووحدكم في الألم. وحدكم تدفعون ثمن انهيار العرب وموت أرواحهم وذلهم أمام القوى الكبرى وانحناء أنظمتهم لإسرائيل.
وحدكم يا وحدكم.
وحدكم يا وحدنا".

"أنا سوري لأنني فلسطيني"
جغرافيا كتابة الياس خوري عن سوريا والسوريين، وعرة لجهة كثافة تفاصيلها، إذ لم يترك شأناً فيها إلا وأشبعه، بقدر ما سمحت له الظروف. وقد حازت صورة الثورة بذاتها، وطبيعتها، حيزاً واسعاً من القراءة والتحليل، لكنه كان يتوقف عند نزعة مثقفي الأنظمة في تأثيم الثورات، وجعلها سبباً للكوارث التي لحقت بالمنطقة، وتحميلها وزر انفجار الفصائل الجهادية، وجعل هذا الامر سببا ً للدفاع عن التسلط والديكتاتوريات، فيقول: "إن دفاع بعض المثقفين عن الديكتاتورية بسبب الخوف من الإسلاميين هو (جنون) و(خطأ كبير) يرتكبه المثقفون وتكرره بعض القوي اليسارية في العالم العربي اليوم". وبالفعل تدفع شعوب الربيع العربي نتيجة هذا الخطأ"! غير أن الصوت الذي مثله الياس خوري، لم يكن ليقدر على مواجهة وباء العقل المعطل لدى هؤلاء، لا سيما أن الواقع ذاته، ومع تراكم الانكسارات والخسارات، بات يفسح المجال لظهور نوعيات مخزية من "المثقفين" الذين وجدوا الفرصة سانحة للنيل، ليس من الثورات والضحايا ممن دفعوا الأثمان من أجلها، بل حتى من الأصوات النقدية التي واكبتها وعملت من أجلها. وفي هذا الانحدار رأينا بعض هؤلاء، من معدومي الضمير، يتهمونه بأنه كان يدافع عن "جبهة النصرة"! بينما تحفل كتاباته خلال العقد الأخير، بالرؤى المضادة لسياسات وممارسات هذا التنظيم، ومن يشبهه، لا سيما تنظيم الدولة الإسلامية/داعش، الذي وضعه الياس على العتبة ذاتها مع النظام السوري والميليشيات الطائفية الإيرانية، لجهة استباحة الإنسان في المنطقة.

في آب 2014، كتب الياس زاوية بعنوان "من أنا؟ من أنتم؟" تصلح فعلاً أن تكون تعبيراً مختصراً عما أراد أن يقوله دائماً، في تدوينه المثابر عن حال السوريين، حيث قال: "أبدأ بالبحث عن الأنا التي أضعتها، ألمّ بقاياها المتشظية، وأضمها إلى بعضها البعض، كي أبني لنفسي مرآة تحمي صورتي من التفكك. أبدأ بالسؤال من أنا، ولن يثنيني عن سؤالي شيء، لا صعوبة التحديد، ولا المستويات المختلفة للجواب، ولا حتى تناقضات هذا الجواب.
أنا فلسطيني لأنني لبناني، وسوري لأنني فلسطيني، وإيزيدي لأنني سوري، ونصراني لأنني إيزيدي، وصابئي لأنني نصراني، ودرزي وعلوي وتركماني وسني وشيعي…
سوري، مع شعب المعاناة الذي قرر مواجهة الاستبداد وحيداً، ودفع أغلى الأثمان، قاوم نظاماً حوّل الهمجية إلى طريقة حياة. سوري مع السوريات والسوريين الذين خانهم العالم، وخانتهم نخبهم وقياداتهم، فتم تسليم ثورتهم إلى قوى العتمة والعته والاستبداد، بفضل تحالف النفطين الخليجي والإيراني في صراعهما على قيادة المنطقة إلى وحول الصراع الطائفي السني- الشيعي.
سوري مع السوريات والسوريين في مآسيهم وهزائمهم، في تشردهم ودمار بلادهم، معهم في دمشق أقاوم المستبد البعثي، وفي الرقة ودير الزور أقاوم الوحش الداعشي.
معهم في مخيمات اللجوء وأرصفة التشرد، ومع أن لا يموت حقهم في الحرية مهما كان الثمن. أن أكون كل هؤلاء، فهذا يعني إنني كلهم ولا أحد منهم، لأنهم ذابوا في روحي وصاروا تراثي الثقافي واللغوي والديني، بصفته متعدداً في وحدته.
وهذا له في رأيي معنى أخير، هو أن نصير جميعاً أبناء النكبة، ليس بصفتنا فلسطينيين فقط، بل بصفتنا أبناء هذه الأرض، نحمل معها حلم الحرية وأعباء الألم".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها