بعدما عاد إلى الأضواء الحديث عن احتمال استخدام قوات الرئيس السوري بشار الأسد لغازات سامة ضد مدنيين في سوريا، تصرف عدد من المعنيين في الحكومة الأميركية وكأن الكيل قد طفح، ما دفع عدداً من الصحافيين إلى سؤال بعض المسؤولين حول موقف إدارة الرئيس باراك أوباما من التقارير الجديدة الواردة، فما كان من هؤلاء المسؤولين إلا ان كرروا ما سبق أن ورد في بيان أصدرته وزارة الخارجية في 19 آذار/مارس الماضي حول هجمات مشابهة قامت بها قوات الأسد بالغازات السامة في بلدة سرمين.
والغريب أن المسؤولين هؤلاء لم يلاحظوا المفارقة التي تكمن في أنه قد مر شهر على بيان وعدت فيه الحكومة الأميركية بملاحقة ومحاسبة الفاعلين في النظام، وأنه بعد شهر، استمرت الهجمات الكيماوية، واستمرت البيانات الأميركية ذات اللهجة الشديدة والعواقب الفارغة على الأسد ونظامه.
هذه المرة، كما قبل شهر، لم يقتصد المسؤولون الأميركيون في رميهم الأسد بأشنع الأوصاف، فكرروا أن نظامه بربري، وأنه يرهب السكان عبر "الغارات الجوية العشوائية، والبراميل المتفجرة، والاعتقالات، والتعذيب، والعنف الجنسي، والجريمة والتجويع". وكما في الشهر الماضي، كرر المسؤولون الأميركيون القول إنه تجب "محاسبة نظام الأسد على هذه التصرفات الوحشية". وفي استخدام عبارة "محاسبة النظام" دلالة وتلميح الى ان الإدارة تفقد الأمل من النظام ككل، بعدما طالبت على مدى السنوات الأربع الماضية محاسبة الأسد وحده والمقربين منه، والإبقاء على نظامه ككل.
كاد أن يكون للكلمات الأميركية دلالة لو أنها اقترنت بأي مواقف فعلية او خطوات على الأرض، فوزارة الخارجية تتبنى خطاباً عنيفاً ضد الأسد من اندلاع الثورة السورية في العام 2011، إلا أنه كما يبدو جلياً للعيان، لم تقرن الولايات المتحدة أياً من أقوالها او تصريحاتها – بما في ذلك خطوط أوباما الحمراء حول استخدام الأسد للسلاح الكيماوي – بأي أفعال.
ولم يخفف من النفاق الأميركي الشائعات التي سرت عن استقالة المسؤول عن تدريب "المعارضة السورية المعتدلة"، الجنرال مايكل ناغاتا، من منصبه في "القيادة الوسطى". وفيما نفت وزارة الدفاع انباء الاستقالة، بدا وكأن ناغاتا تراجع عنها بعدما سرت في العاصمة الأميركية تقارير حول إحباط أصاب الضابط الأميركي من التلكؤ الأميركي الشديد والتردد في بدء برنامج التدريب المذكور، بعد مرور حوالي 10 أشهر على إعلان الرئيس الأميركي عنه.
الشائعات حول ناغاتا والتردد في تدريب معارضين سوريين، والوعود الفارغة بمحاسبة الأسد لهجماته الكيماوية، كلها عناصر أكدت ما صار مفهوماً تماماً في واشنطن، ومفاده أن إدارة أوباما لا تنوي القيام بأي ما من شأنه ضعضعة نظام الأسد، أو إغضاب عرابيه في طهران. لذلك، تبقى كل تصريحات الإدارة الأميركية مجرد حبر على ورق.
وللسبب نفسه، لم يأخذ المراقبون على محمل الجد الدراسة التي قدمها باحثان بارزان هما الديبلوماسي السابق فرد هوف، الذي عمل على الثورة السورية حتى العام 2013 والذي يعمل اليوم في "مركز رفيق الحريري" التابع لـ "مجلس الأطلسي"، وزميله الديبلوماسي السابق الآخر جيفري وايت والذي يعمل في "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"، وشاركتهما في الاعداد الباحثة السورية بسمة قضماني.
ومن أهم ما جاء في الدراسة دعوتها الى توسيع البرنامج الأميركي لتدريب المعارضة السورية المعتدلة من 15 ألفاً في 3 سنوات الى 50 ألفاً، على أن تشكل هذه القوة عماد الجيش السوري الوطني المقبل، وتمسك الأمن في المناطق السورية التي تسيطر عليها المعارضة حالياً.
لكن في وسط نفاق إدارة أوباما، لم يأخذ المتابعون اقتراح هوف – وايت – قضماني، على أهميته، على محمل الجد، بسبب العلم المسبق ان واشنطن لا تنوي القيام بأي خطوات جدية للتأثير في مجريات الأحداث في سوريا أو تعديل موازين القوى العسكرية على الأرض فيها.
هكذا، بعدما كاد مسؤولون أميركيون يشتمون نظام الأسد بعد التقارير عن استخدامه لغازات سامة ضد السوريين، سأل أحد الصحافيين إن كانت واشنطن توافق على توسيع "عاصفة الحزم"، التي تشنها دول خليجية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، فأجاب المسؤول نفسه أن لا حل عسكرياً في سوريا، بل الحل ديبلوماسي فقط، وعن طريق الحوار، وهو ما أثار موجة من الضحك بين الصحافيين. "عقاب البربرية بالحوار"، قال أحد الصحافيين وانصرف.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها