الثلاثاء 2015/06/30

آخر تحديث: 14:12 (بيروت)

عكار: الهوة واسعة بين البلديات و"المجتمع"

الثلاثاء 2015/06/30
increase حجم الخط decrease
لم يعد حجم الحرمان الذي تعاني منه محافظة عكار، خافياً على أحد. فبحسب تقرير صادر في العام 2011 عن مؤسسة البحوث والاستشارات بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي فإن "نسبة الحرمان العامة بحسب دليل أحوال المعيشة للأسر" وصلت إلى 63.3%، ما يعكس الواقع المأساوي الذي يعيشه العكاريون. الأمر الذي يرتب على البلديات مسؤوليات كبيرة، لاسيما لناحية مضاعفة الجهود لرفع المستوى المعيشي للمواطنين. إلا أن هذه الأخيرة، بمعظمها، تعاني خللاً في أنظمتها الإدارية والمالية، ناهيك عن تضعضع الثقة بينها وبين المواطنين، ما يعيق في الكثير من الأحيان سير أعمالها. 


تضم محافظة عكار 122 بلدية، و7 إتحادات بلدية، هي: اتحاد بلديات الجومة (8 بلديات)، إتحاد بلديات نهر الأسطوان (9 بلديات)، إتحاد بلديات الشفت (12 بلدية)، إتحاد بلديات الدريب الغربي (5 بلديات)، إتحاد بلديات الدريب الأوسط (12 بلدية)، إتحاد بلديات وسط وساحل القيطع (10 بلديات)، إتحاد بلديات سهل عكار (6 بلديات). وفيها نحو 35 قرية تسيّر أمورها عبر المخاتير الذي يحصلون على أموال من "مشروع إنعاش القرى"، وفق آلية تحددها قائمقامية عكار بالتنسيق مع المحافظ عماد لبكي. وبحسب لبكي فإن "العمل جار عبر ورشات عمل دورية للبلديات، بغية نقلها إلى مستوى المؤسسة العصرية القادرة على تقديم الخدمات بسرعة وكفاءة. وفي عكار عدد لا بأس به من البلديات التي بدأت تسير على السكة الصحيحة نحو هذا الهدف". إلا أن ما يتضمنه كلام لبكي من إيجابية تعكس صورة "شبه مثالية" عن البلديات، لا يقنع أبناء القرى والبلدات، لاسيما في بلدة ببنين.


بلدة ببنين
تبلغ مساحة ببنين نحو 6,78 كيلومتر مربع. وهي تعد من أكبر القرى العكارية، ويزيد عدد سكانّها عن 50 ألف نسمة، وهي تقع ضمن إتحاد بلديات وسط وساحل القيطع. لا يكاد المرء يطأ مدخلها حتى تتجلى أمامه سمات الفقر والحرمان. لا طرقات معبدة، ولا إنارة ليلية فيها. كما تحوّل مشروع جسر الري الزراعي الذي صرفت عليه البلدية مبالغ طائلة إلى مكب للنفايات. يحتار صاحب الميني ماركت الصغير على الطريق الرئيسي في البلدة من أين يبدأ في كلامه عن البلدية.

يجلس على كرسيه المصنوع من "القش"، ويقول: "معظم الأهالي غير راضين عن آداء البلدية. قد تخرج بعض الأصوات المدافعة عن أعضائها بسبب منفعة هنا أو مصلحة هناك، ولكن معظمنا مستاء مما وصلت إليه الحال في البلدة". وهو يقول ان "البنى التحتية عندنا معدمة، حتى الخدمات الأساسية غير متوفرة. وُعدنا بمشروع لمياه الشفة منذ عهد البلدية السابقة، وقد جاء تنفيذه عكس الآمال المرجوة، ولم تحرك البلدية ساكناً لتعديله. لقد أصبحت بلدتنا شبه منكوبة".

من جهته يكشف أحد المواطنين المطلعين على أحوال البلدة، كما يُعرِّف عن نفسه، أن "بلدية ببنين تحصل على ما يقارب المليار و260 ليرة لبنانية من الصندوق البلدي المستقل، إضافة إلى 60 مليون ليرة من الجبايات. وبعد فترة وجيزة نُبلغ بوجود عجز في ميزانيتها قدره 50 مليوناً، فأين ذهبت كل هذه الأموال ولم ينجز مشروع واحد في البلدة؟". أما عن سبب عدم مساءلة أو محاسبة البلدية من قبل المجتمع الأهلي فيرده إلى أن "الجرة مكسورة بين الجهتين. والمجتمع العكاري ليس معتاداً على محاسبة الزعيم، أو حتى البلدية التي تمثل سلطة تنفيذية على الأرض. كما أنها لا تهتم برأينا في أدائها أو في المشاريع التي تسعى إلى تنفيذها". بينما نفى المحافظ لبكي علمه بالإعتراضات الموجهة ضد بلدية ببنين، مشيراً إلى أن "لكل مواطن الحق برفع كتاب إليّ يوضح فيه شكواه، ويعدد ما يحصل في البلدة من ممارسات خاطئة. ونحن بدورنا نقوم بالتحقيق مع الأشخاص المعنيين ونحوّل الملف إلى المجلس التأديبي ووزارة الداخلية".

في حين يوضح عضو المجلس البلدي المحامي نهاد سلمى في حديث مع "المدن" أن "هناك تقصيراً من قبل البلدية لا يمكن نكرانه، ولكن في الوقت نفسه تجب الإشارة إلى أن الأخيرة لا تحصل على أموالها من الصندوق البلدي في موعدها، فضلاً عن أن أحداً من المواطنين المستائين من أداء البلدية لا يدفع الضرائب المترتبة عليه، إلا في حال أراد خدمة من البلدية كرخصة بناء مثلاً". ويضيف: "لدى البلدية نحو 80 موظفاً ملزمة بدفع رواتبهم. وقد زاد الضغط عليها مع إرتفاع نسبة اللجوء السوري. مما رتب عجزاً كبيراً في ميزانيتها وصل إلى حدود 300 مليون ليرة. وهذا ما يمنعنا من إنجاز مشاريع من دون وجود هبات ومساعدات خارجية".

أما رئيس بلدية ببنين كفاح الكسار فأكد أن "البلدية نفذت مشاريع عدة لأهالي البلدة. منها طريق اتوستراد البيادر الذي يربط طرابلس بعكار، حديقتان عامتان، وجسر للري الزراعي. ونسعى إلى تنفيذ مشروعي إعادة ترميم عين ببنين، وتأهيل طريق البلدية"، معتبراً أن "الأصوات التي تنتقد البلدية إنما هي صادرة عن أشخاص كانوا يقفون ضد المجلس البلدي في الإنتخابات الماضية. فمن الطبيعي أن ينتقدنا من هم ضدنا في الأساس".


بلدة شقدوف
يضع معظم رؤساء البلديات فكرة إنتقاد البلدية أو الإضاءة على أخطائها في إطار السعي إلى تحقيق مكاسب إنتخابية، بدلاً من تحفيز المجتمعات المحلية على ممارسة حقها في المراقبة والمحاسبة في إطار تطوير العمل البلدي. ومن جهة ثانية، لا يملك المجتمع المحلي العكاري الجرأة على المطالبة بإعتماد شفافية مالية توضح كيف تتصرف البلدية بالأموال العامة، بهدف إعادة بناء الثقة بين الطرفين. وعليه، يكرر رئيس بلدية بلدة شقدوف المحامي أسعد موراني ما قاله الكسار، اذ ان "من يتهم البلدية بالتقصير هم في الغالب من كانوا ضدنا في الإنتخابات. على الرغم من أننا نتقبل أي شكاوى توجه ضدنا بالطرق القانونية"، مشيراً إلى أن "محافظ عكار استدعاني إلى مكتبه أكثر من مرة بناءاً على إخبارات وشكاوى ضدي، وليس لدي مشكلة أن أعاقب إن كنت مخطئاً، ففي النهاية لأبناء البلدة الحق بسحب الثقة مني".

وتعد بلدة شقدوف من القرى الصغيرة في عكار، ويعيش فيها نحو 500 نسمة. وكانت بلديتها قد استحدثت في العام 2011 ويصلها من الصندوق البلدي المستقل ما يقارب الـ56 مليون ليرة، بالإضافة إلى 16 مليوناً تجنيها من الجبايات. ونظراً لكونها حديثة العهد، لم يعتد الأهالي بعد على وجود سلطة يخضعون لها إدارياً ومالياً، وفق موراني. وبحسب مختار القرية سمعان سعود فإن "أداء البلدية لناحية سعيها إلى تدعيم البنى التحتية وإنجاز المشاريع الأساسية يُعد جيداً، لكن المشكلة في النقص الحاد في التمويل، أي أن ما تحصل عليه البلدة من أموال ليس كافياً لاقامة مشاريع كبرى تساهم في إزدهار البلدة". ويرى أن "أهالي البلدة بقيوا لسنوات طويلة يتكلون على أنفسهم في تدبر أوضاعهم. مثلاً كنا نستدعي عمال النظافة لجمع النفايات من شوارع القرية على نفقتنا الخاصة، لكن مع إنشاء البلدية خفّ العبء وبتنا نشعر أن هناك من نستطيع اللجوء إليه". في حين يرى المواطن رامي العتر أن "العمل البلدي لا يزال في بدايته في بلدتنا، على الرغم من أننا لا نستبشر خيراً فيه. نفضل الإنتظار لعدم التجني على أحد". في حين تقاطعه إحدى السيدات ممازحة "على قولة المثل الشعبي: البلدية حتى ولو شحمة، رحمة. على الأقل لم نعد مجبرين على ترجي إتحاد البلديات للإلتفات إلينا".


بلدة بيت الحاج
أما بلدة بيت الحاج، الواقعة ضمن إتحاد بلديات نهر الأسطوان، فقد يجوز تصنيفها من أكثر البلديات إعتدالاً في عكار. تمتد "بيت الحاج" على مساحة 4,48 كيلومتر مربع، ويقطنها نحو 650 نسمة. فاز رئيسها عبد الرزاق كيلاني في الإنتخابات البلدية عام 2010 بالتزكية. حينها كانت البلدية واقعة تحت عجز مالي كبير، وفقه. "المشاريع الخدماتية الأساسية في القرية أنجزت بشكل كامل، من بنى تحتية، إلى مياه الصرف الصحي، ومياه الشفة، وصولاً إلى تعبيد الطرقات وتوسيعها وبناء جدران دعم فيها. بعضها أنجز بهبات من منظمات دولية بالتعاون مع البلدية، وجزء آخر أنجز من أموال البلدية". ويوضح أن "البحث يتركز حالياً مع فاعليات القرية على انجاز مشاريع حيوية، كبناء ملعب ضخم، أو مكتبة وقاعة ثقافية، أو بناء ساعة وسط الساحة العامة. وعندما نقرر ماهية المشروع الذي نريد، نعمد إلى عرض تفاصيله مع الخرائط وكلفته التقريبية على لوحة إعلانات داخل قاعة البلدية فيتاح لمن يريد الإطلاع عليها وإبداء ملاحظاته بشأنها".

تبلغ حصة بلدية بيت الحاج من الصندوق البلدي المستقل نحو 59 مليون ليرة، بينما تحصل من الجبابات ما قدره 52 مليوناً سنوياً. وبحسب أحد ابناء القرية فإن "البلدية إستطاعت أن تكسب ثقة كل الأطراف في القرية، حتى المنافسين لها إنتخابياً وسياسياً". ويروي أنه "في إحدى المرات طالب أحد المواطنين المعترضين على أداء المجلس البلدي حضور اجتماعه. وعلى الرغم من ان ذلك يخالف مبدأ سرية الجلسات، سُمح له بحضور الاجتماع، إلى أن خرج مقتنعاً بشفافية العمل داخل البلدية". في المقابل، يشير آخر إلى أن "لا وجود لبلدية مثالية على الإطلاق، إلا أن بلدية بيت الحاج بلدية فاعلة إذا ما قارناها مع نظيراتها في عكار".

في المحصلة، يثبت واقع البلدات العكارية مدى حاجتها إلى وجود بلديات فاعلة. إلا أن ذلك لا يمكن تحقيقه من دون ضغط رسمي يمثله محافظ عكار ضمن صلاحياته من جهة، و"سلطة أهلية" ناشطة داخل البلدات والقرى تراقب دورياً أداء البلديات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها