يُجمع مراقبون وإعلاميون، غربيون وعرب، بأن تعبير "حكومة الحرب"، هو الأنسب، لوصف التعيينات الجديدة في الإدارة الأمريكية. ولا بد أن التعديلات التي أجراها دونالد ترامب على حكومته، ستكون ذات أثر نوعي في صياغة سياسة خارجية أمريكية أكثر حزماً. وقد تكون سوريا إحدى المحطات المقصودة بذلك الحزم، حيال إيران، بالدرجة الأولى.
فالتحاق رجل كـ جون بولتون بفريق الإدارة الأمريكية، كمستشار للأمن القومي الأمريكي، بعد أيام على تعيين مايك بومبيو، وزيراً للخارجية، وجينا هاسبيل، كمديرة للـ سي آي إيه، يعني دون شك، أن ترامب جاد في التخلص أكثر من التحدي المؤسساتي الذي عانى منه خلال السنة الأولى من ولايته، وخاصة على يدي، وزير خارجيته السابق ريكس تيلرسون.
التحدًي المؤسساتي، يتنافى مع ميول ترامب الغرائزية لتقدير التطورات، بصورة مصلحية، يعتبرها الكثيرون في واشنطن متهورة. وخلافاً للتقديرات الهادئة لكبار موظفي الخارجية الأمريكية، راهن ترامب دوماً على سياسة خارجية أكثر جرأةً. وهو أمر قد يتحقق مع التعيينات الأخيرة التي يعتزم ترامب تمريرها في إدارته.
مبدئياً، يبدو أن الكثير من تطورات السياسة الخارجية الأمريكية، يتوقف على النهج الذي سيعتمده، وزير الخارجية الجديد، مايك بومبيو. فهل سيتحالف بومبيو مع وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، بصورة تُبقي حالة التحدي المؤسساتي لترامب، قائمة، بدعمٍ من وزارتي الخارجية والدفاع؟، أم سينحو بومبيو منحىً أكثر انسجاماً مع غرائزية ترامب، مستجيباً لقناعاتهما المشتركة، حيال إيران وكوريا الشمالية؟
تعيين جون بولتون، مستشاراً للأمن القومي الأمريكي، يدعم الاحتمال الثاني، على الأغلب. بمعنى، أننا في الطريق نحو سياسة خارجية أمريكية، أكثر جرأةً، وأكثر تحللاً من الضوابط المؤسساتية التي مارستها وزارتا الخارجية والدفاع، على ترامب، خلال السنة الأولى من ولايته. سياسة خارجية تستجيب لدوافع انتخابية وآيديولوجية، ومصلحية، إلى حدٍ كبيرٍ. خاصة قبل أشهر من الانتخابات التشريعية المرتقبة في خريف العام الجاري، في أمريكا.
وفي هذا السيناريو، يبدو أن إيران، أبرز المستهدفين. وقد يكون استحقاق 12 أيار القادم، هو المفترق المرتقب. فقبل ذلك التاريخ، يجب أن تصل المفاوضات بين الأمريكيين ونظرائهم الأوروبيين، بخصوص الاتفاق النووي الإيراني، إلى تسوية ما، قد تسمح بإبقاء الاتفاق على قيد الحياة، لمدة 120 يوماً أخر، يتنازل خلالها ترامب عن العقوبات الأمريكية. لكن، إن لم يتم التوصل لتسوية، فهذا قد يعرّض الاتفاق للانهيار، إن انسحب الأمريكيون منه.
يريد ترامب من نظرائه الأوروبيين، دعمه في طلب تعديل شروط الاتفاق مع إيران، باتجاه شمل ملف تطوير الصواريخ بعيدة المدى، ضمنه. إلى جانب ذلك، يريد ترامب تعزيز التفتيش في المنشآت العسكرية الإيرانية. والأهم، يريد ترامب تعديل الاتفاق ليشمل وقف النشاطات الإيرانية، التي تُوصف بأنها مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، عبر دعم أذرع لها، تحديداً، في لبنان وسوريا واليمن.
قبل إقالة ريكس تيلرسون، كان وزير الخارجية السابق، يشكل حليفاً لوزير الدفاع، جيمس ماتيس، في عملية الضغط على ترامب، كي لا يذهب بعيداً في الإصرار على اتفاق تكميلي للاتفاق النووي الإيراني، يشمل الشروط سابقة الذكر. لأن هذه الشروط قد تتعرض للرفض من الجانب الإيراني، والرد الأمريكي على ذلك الرفض، عبر الانسحاب من الاتفاق النووي، قد يعني انهيار الاتفاق، مما يفتح منطقة الشرق الأوسط على سيناريوهات خطرة، أبرزها، سباق تسلح نووي، سعودي – إيراني، واحتمال تأجج الحروب بالوكالة، في الساحات المُتصارع عليها. وربما أيضاً، احتمال دخول إسرائيل على خط تصعيد عسكري، في سوريا، أو حتى في لبنان.
ومع إقالة تيلرسون، والإتيان بـ بومبيو إلى وزارة الخارجية الأمريكية، يبدو أن ترامب يصرّ، بشكل صارم، على القيام بخطوات نوعية باتجاه تعديل الاتفاق النووي مع إيران. وإلا، فإن السيناريوهات ستكون مفتوحة باتجاه انسحاب الأمريكيين، الكامل مع الاتفاق. وبومبيو، يتفق مع ترامب، بشكل كبير، حيال سلبيات الاتفاق النووي الإيراني، التي تتطلب التعديل. لكن رهان بعض المراقبين ما يزال قائماً على احتمال أن يفضل بومبيو الاستماع بإنصات إلى آراء كبار دبلوماسيي الخارجية الأمريكية، الذين يقدمون قراءات رافضة للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني. وفي هذه الحالة، قد يشكل بومبيو حليفاً لوزير الدفاع، ماتيس، باتجاه إقناع ترامب بعدم الانسحاب من الاتفاق، في حال فشلت مفاوضات تعديله.
كانت القراءة السابقة قوية جداً، قبل تعيين جون بولتون. أما مع تعيين الأخير، كمستشار للأمن القومي الأمريكي، يبدو جلياً أن الاتجاه نحو التشدد في السياسة الخارجية الأمريكية، سيكون الأرجح داخل دائرة الحكم بواشنطن. الأمر الذي يجعل إيران في مرمى الحجر الأمريكي.
فماذا يمكن أن يحدث إن فشلت محادثات تعديل الاتفاق النووي الإيراني، ولم تنصاع إيران للضغوط الأمريكية بهذا الصدد؟.. أحد أكثر السيناريوهات ترجيحاً، حينها، أن ترامب سيتخذ قراره الذي لطالما هدد به، وهو الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، الأمر الذي يعني، بصورة مرجحة، انهيار الاتفاق، لأن الإيرانيين أكدوا أكثر من مرة، أن انسحاب الأمريكيين من الاتفاق، يعني انسحابهم بدورهم، منه.
وهنا، سيصبح الشرق الأوسط على فوهة بركان. ومن المرتقب بقوة أن تقوم إدارة ترامب باستخدام القوة العسكرية، لتعزيز موقفها، في المنطقة. وهنا يكون السؤال، أين سيضرب الأمريكيون؟، وما هي الساحة التي سيتم الصراع فيها؟
لا يتوقع أحد تقريباً، أن تحصل مواجهة أمريكية – إيرانية، مباشرة. لذا، فإن ساحات لبنان وسوريا واليمن، قد تكون الهوامش المتاحة لصراع شرس. وقد تكون سوريا، بالتحديد، أبرز تلك الساحات المرشحة للانفجار.
وبالنسبة لسوريا بالتحديد، فإنها باتت أقرب من أي وقت مضى، من حالة المواجهة المباشرة بين اللاعبين الخارجيين على ساحتها، بدلاً من حالة الحرب بالوكالة التي يتصدرها السوريون. فتلك المرحلة اقتربت من ختامها، مع طي صفحة الغوطة، تقريباً. وقد تكون هناك فصول أخرى محتملة، في ريف حمص الشمالي، أو جنوب دمشق، أو ربما إدلب، قبل الانتقال الكامل نحو حالة المجابهة المباشرة، بين الإيرانيين والروس من جهة، وبين الإسرائيليين والأمريكيين، من جهة أخرى، على التراب السوري.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها