الخميس 2014/06/19

آخر تحديث: 11:47 (بيروت)

ميشال جبر يستعد لـ"الآنسة جولي": البسيكودراما تحرك الأجساد الراقدة

الخميس 2014/06/19
ميشال جبر يستعد لـ"الآنسة جولي": البسيكودراما تحرك الأجساد الراقدة
من مسرحية "بلا تحشيش"
increase حجم الخط decrease
لا يعلق المخرج المسرحي اللبناني ميشال جبر أعماله على مشاجب المعاطف. تعلقها الظروف الإنتاجية بالبلاد. تراجع دور المسرح في حسابات الإنتاج اللبناني والعربي. لا تسمح أسماك الإنتاج إلا بالدرامات التلفزيونية. لا ينكر جبر ذلك، لأنه حين وصل إلى المراحل النهائية من التمارين على مسرحية "ماكبث" عن نص لشكسبير، "غادر البروفات أحد الممثلين الرئيسيين بحجة ارتباطه بتصوير دراما تلفزيونية، آن أوان تصويرها. أبلغنا بذلك ومضى، بلا حرج. لعل ممثل اليوم يعامل نفسه كما يعامل التاجر المانيكان. لا أشمل الممثلين كلهم بذلك. لكن هناك من لا يدرك أهمية الإلتزام بعمل مسرحي يحتاج إلى أشهر قليلة حتى يتحقق".

لا يتأخر  ميشال جبر في الإبلاغ غير المباشر عن استمرار التمارين على مدار أزمنة فاضت عن الإتفاقات المعقودة مع الممثلين، لأن العمل في المسرح يبقى على ارتباط وثيق بمعايير النضوج وحاجاتها على صعيد الوقت. لا تعرض مسرحية إلا إذا استنفدت الحاجة إلى الوقت اللازم للمران "علماً أن العمل على مسرحية، في الوقت الراهن، يفترض استعمال المعارف الشخصية القصوى، لاختصارها أو تكثيفها. لأن زمن الإنتاجات الكبرى ولَّى. لأن وجود عدد كبير من الممثلين على منصة واحدة، أضحى أشبه بالحلم، من ثقل متطلبات السوق والمنافسة القائمة بين التلفزيون والمسرح"، يقول لـ"المدن". "اختصرت عدد الممثلين في مسرحية "ليدي ماكبث"، تحت وطأة الضرورات الإقتصادية. لم ينفع الأمر. ذلك أن اللهاث خلف الأعمال التلفزيونية، يُسمع على مسافات بعيدة. وفرة المال وتوفره السريع من الحسابات المخصصة للإنتاجات التلفزيونية، يغري الممثل بالعمل في المسلسل التلفزيوني. وهناك الإنتشار. لأن ظهوراً في واحد من المسلسلات يعادل العمل على طول العمر بالمسرح. عمل تلفزيوني واحد، كفيل بتثبيت صورة الممثل الجديد في أذهان وعقول المشاهدين. المنافسة بين المسرح والتلفزيون، تصب في صالح التلفزيون بالضرورة".

صاحب" الحياة حلوة" تخدشه الأمور السائرة على أرض الواقع. عنده، "كل شيء بات أكثر تطلباً. لن تجد مسرحاً بسهولة. وإذا وجدته، الأرجح أنك لن تستطيع أن تعقد إتفاقاً طويلاً مع إدارته، بسبب قلة المسارح وكثرة المسرحيين. وارتفاع الأسعار التأجيرية للمسارح. علماً بأن المسرحية تحتاج إلى أسبوعين أو ثلاثة، حتى تنتشر دعايتها بين الناس عبر الكتابة الصحافية والإعلان بكافة أصنافه. واقع الحال، أن المسرحية إذ تصل إلى مرحلة الإقلاع الحقيقية فوق مدارج الناس والجمهور، توقف عروضها، لأن المسرح حيث تُلعب، ملزم بتسليم منصته إلى مسرحية أخرى. العمل بالمسرح كالتجول في المَحالّ، في هذا الوقت. مستوى الرؤية في المسرح، لن يتعدى مستوى رؤية الإنسان لأنفه، من طبيعة الظروف الماثلة في عالم المسرح".

ولعُه بالنصوص الروسية يعود إلى دراسته في الإتحاد السوفياتي السابق. لم يراوح أمام النصوص هذه ولا أمام الأساليب والمناهج المسرحية الروسية. واقعي، يمسح إبرة ستانسلافسكي بفرشاة الأسنان. يلعب على الشروط الضيقة والشروط الواسعة. لم يفاجئ أحداً، حين وجد أوجه الشبه بين ممثليه وبين شخصيات الكوميديا ديلا آرتي في مسرحية "الحياة حلوة". مسرحية مشغولة على منهج مهرجي البلاط الشعبيين في إيطاليا القرون الوسطى. لا يكتفي بمراقبة الأجسام، إذ يحرك فيها أرواحها.

اليوم، هو في قلب البسيكودراما/الدراما النفسية. "أميل إليها، لأنها لا تبدو غريبة بالأجساد. وهي ليست  اسطوانة، تدار على محاور الحاجة. لا اعترض على شيء، غير أني أجد رسالتي هذه الأيام في العمل على البسيكودراما بالمسرح، لأنها تحرك الأجساد، الراقدة بلا حراك راهناً. إنها حلي المسرحي بالمسرح، لأن ما يتكون الواقع منه صائر إلى الزوال".

مع هذا لا يبتعد ميشال جبر عن واقع المسرح أو عن الواقع بالمسرح. الواقع، في الأساس، جزء من سيكولوجيا الناس ودراماها. صاحب"بلا تحشيش" يُحَضِّر اليوم، لمسرحيته الجديدة "الآنسة جولي" عن الكاتب سترندبيرغ: "مسرحية مرحلة تاريخية، نقَلت المسرح من ضفة إلى ضفة، أخرجته من حقائقه المتعالية. جعلَت ذلك ممكناً. مسرحية صيرورة مسرحية. الإستنتاج هنا لا التأويل. اخترتُها من خروجها على فترة الموت المعلنة للمرأة في أوروبا، ومن شخصياتها القليلة. ما يمكن أن يريح النظر إلى العمليات الإنتاجية. نظرة معينة للمرأة، في "مسرح بيريت" قريباً (مسرح الجامعة اليسوعية/ طريق الشام). أحاول أن أواجه اختفاء وجوه المسرح من الحياة المسرحية، من دون أن أتخلى عن العمل على مميزات المشهد المسرحي واللغة المسرحية والحقائق الوثوقية فيه".

لا يمتلك المخرج ميشال جبر عقلية إمتلاك الحقيقة، لإنه يبحث عنها، بعيداً من التأثيرات الإنفعالية. مراحل وأحوال في قراءة النصوص. لذا، يفطن إلى إهمية النص  الهادئ، نصوص تشيخوف، ما دامت تمتلك منطق المسرح وأهداف الثورة. يقول: "يمر المسرح بالفعل لكي يتحقق. المسرح جزء من علاج، عبر استخدام إشارات ومفاتيح وكودات الحرية المحشودة فيه. نصوص تشيخوف تغلي بالتنبؤات بهدوء لا علاقة له بالقصد ولا بالتخطيط". هكذا اختار بعض نصوص تشيخوف في مسرحية "شي غريب"، نصوص ذات أبعاد رمزية، شعرية. نصوصه نصوص شعوب سجنتها الديكتاتوريات في القلة بعيداً من التراكمات وهي بالطريق إلى التغيير. ثم، وجده الجمهور وحيداً على المنصة في "بلا تحشيش" عن نص من تشيخوف أيضاً. الكلام على تشيخوف يستدعي حضور ستانسلافسكي. جبر من أتباع الأخير المخلصين. شرارة المسرح الأكبر في العالم. مسرح، يقيم التوازنات بين النص، بطبقاته التحتية، بعمقه، وبين دلالات المشاهد التي لا تنزع النص عن عرشه.

أستاذ المسرح في "ستار أكاديمي" بدورته السادسة، أستاذ المسرح في الجامعتين اللبنانية واليسوعية، لا همّ عنده اليوم، إلا "تقديم مسرحية الآنسة جولي، النص الثائر، الناقد، المناهض للأبعاد ذات البعد الرمزي الذكوري. حركة المرأة، ثورة، تلتها حركة تغيير لا على صعيد المسرح وحده. بل على صعيد المجتمع. المسرح ليس نفسه اليوم. لا بأس. هذا حال المسرح في العالم، لا عندنا وحدنا، مع تغير المناظير الفكرية والإجتماعية والسياسية".
increase حجم الخط decrease